خاص : كتبت – نشوى الحفني :
أصبح العنف والفوضى سيدا الموقف المسيطر على المشهد اللبناني الداخلي، فقد أصيب 145 شخصًا في اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن في “لبنان”، أمس الأحد، في يوم ثان من الاحتجاجات العنيفة التي تُهز البلاد على خلفية الأزمة الاقتصادية والسياسية الخانقة.
أفاد بذلك “الصليب الأحمر اللبناني”، مضيفًا أن 45 من المصابين نُقلوا إلى المستشفيات، حسب وكالة (فرانس برس).
ولفت الأمين العام للصليب الأحمر، “جورج كتانة”، إلى أن: “الإصابات كانت من الجانبين، أي المتظاهرين والقوى الأمنية”.
وذكرت “الوكالة الوطنية للإعلام”، الرسمية؛ أن بين الجرحى صحافيين، فيما أعلنت قناة (الجديد) المحلية؛ إصابة مصورها بجروح في يده جراء الرصاص المطاطي.
وأرسلت تعزيزات من الجيش وشرطة مكافحة الشغب إلى وسط “بيروت”، حيث تجمع المتظاهرون عند مدخل جادة مؤدية إلى مقر البرلمان قرب “ساحة الشهداء”.
ولليلة الثانية على التوالي؛ وعلى وقع هتافات: “ثورة، ثورة”، رمى متظاهرون حجارة ومفرقعات نارية على حاجز لقوات الأمن يمنع العبور عبر هذه الطريق، بينما ردت الشرطة باستخدام خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع وإطلاق الرصاص المطاطي.
وتجاوزت حصيلة الإصابات، خلال اليومين، 520 شخصًا، وأتصفت صدامات، السبت، التي أسفرت عن إصابة 377 شخصًا، بعنف لا مثيل له منذ بدء الحراك الاحتجاجي غير المسبوق، في 17 تشرين أول/أكتوبر الماضي، ضد طبقة سياسية يعتبرها المحتجون فاسدة وعاجزة.
دعوى لوقف أعمال الشغب..
وطلب رئيس الجمهورية، “ميشال عون”، في تغريدة من: “وزيري الدفاع والداخلية والقيادات الأمنية المعنية؛ المحافظة على أمن المتظاهرين السلميين ومنع أعمال الشغب وتأمين سلامة الأملاك العامة والخاصة”.
وقال رئيس حكومة تصريف الأعمال، “سعد الحريري”، إن: “مشهد المواجهات والحرائق وأعمال التخريب في وسط بيروت؛ مشهد مجنون ومشبوه ومرفوض”، مطالبًا القوى العسكرية والأمنية بـ”كبح جماح العابثين والمندسين”.
ولم يتوقف غضب المتظاهرين، بعد ثلاثة أشهر من الاحتجاجات، فهم يشجبون خصوصًا تقصير السلطة أمام تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تُتَرجم بطرد أعداد كبيرة من الأشخاص من وظائفهم، وبقيود مصرفيّة بالغة، وتراجع قيمة العُملة اللبنانية.
ودعت قوى الأمن الداخلي اللبنانية، على (تويتر)، المتظاهرين؛ إلى: “الإبقاء على الطابع السلمي للتظاهر والإبتعاد عن الإعتداء على الأملاك الخاصة والعامة والتهجّم على عناصر قوى الأمن”.
وأعلنت منظّمة “هيومن رايتس ووتش”؛ أنّه: “ليس هناك أيّ مبرّر لاستخدام قوات مكافحة الشغب القوة المفرطة ضد متظاهرين سلميين إلى حدٍ بعيد”. وفي مواجهة هذا التصعيد، دعا الرئيس، “ميشال عون”، إلى اجتماع أمني، اليوم، بحضور وزيري “الدفاع” و”الداخلية”، حسبما أعلنت “الوكالة الوطنية للإعلام” الرسمية.
المظاهرات تستعيد زخمها..
لجنة من محامي الدفاع عن المتظاهرين؛ أكدت أنه تم اعتقال نحو 40 متظاهرًا، السبت، قبل إطلاق سراحهم، موضحة أنّ: “غالبيتهم” كانوا ضحايا “عنف مفرط”، إذ أُصيب بعضهم “في الرأس والوجه أو الأعضاء التناسلية”.
وتابعت أن المحامين عاينوا في المستشفيات جروحًا ناجمة من الرصاص المطاطي في الوجه أو الرأس.
واستعادت المظاهرات زخمها، هذا الأسبوع، حيث شهد يوما الثلاثاء والأربعاء الماضيين مواجهات عنيفة بين قوى الأمن ومتظاهرين أقدموا على تحطيم واجهات مصارف ورشق حجارة بإتجاه القوى الأمنية التي استخدمت الغاز المسيل للدموع بكثافة.
ويطالب مئات آلاف اللبنانيين الذين ملأوا الشوارع والساحات، منذ 17 تشرين أول/أكتوبر 2019، برحيل الطبقة السياسيّة التي يحمّلونها مسؤوليّة تدهور الوضع الاقتصادي ويتّهمونها بالفساد والعجز عن تأهيل المرافق وتحسين الخدمات العامة الأساسية. وهم يدعون إلى تشكيل حكومة اختصاصيّين تنصرف إلى وضع خطة إنقاذية.
الكتل المشاركة في تسميته تنتظر حصتها !
وبعد أسبوعين من بدء الاحتجاجات؛ قدّم “سعد الحريري” استقالته من رئاسة الحكومة بضغط من الشارع. وكُلّف الأستاذ الجامعي والوزير الأسبق، “حسان دياب”، بدعم من (حزب الله) وحلفائه، تأليف حكومة تعهّد أن تكون مصغرة ومؤلفة من إختصاصيّين، تلبيةً لطلب الشارع. إلا أنّ “دياب” لم يتمكّن، حتى الآن، من تشكيل حكومته.
ورغم إعلان قوى سياسية، عارضت تكليفه، عدم مشاركتها في الحكومة المقبلة، على رأسها (تيار المستقبل)؛ بزعامة “الحريري”، و(القوات اللبنانية)؛ برئاسة “سمير جعجع”، لم يتمكن “دياب” من تشكيل حكومته بعد، لإصطدامه بإصرار كتل دعمت تسميته على حصصها من الحقائب الوزارية.
ونقلت صحيفة (الأخبار)، المقربة من (حزب الله)، في عددها السبت؛ عن رئيس البرلمان، “نبيه بري”، سؤاله: “من أين يؤتى بالتكنوقراط، خصوصًا أن الكتل التي تمنح الثقة لا يسعها أن تفعل من غير أن يكون لها رأي في تكليف الحكومة”.
اجتماع أممي..
وفي سياق ما يحدث؛ عقد أمس الأول اجتماعًا في “نيويورك” على مستوى الخبراء بين الأمانة العامة لـ”الأمم المتحدة” و”مجلس الأمن”؛ بدعوة من مكتب الشؤون السياسية المختص بالشرق الأوسط في “الأمم المتحدة”، وكان موضوعه حصرًا تدارس ملف التظاهرات الشعبية في “لبنان”؛ إضافة إلى “العراق” و”إيران”.
وإذ أفادت المعطيات المتوافرة حول الاجتماع؛ أنّ “موسكو” لم تكن متحمسة لإنعقاده باعتباره: “تدخلاً في الشؤون الداخلية للدول”، لا يزال التكتم يحيط بما خرج به الخبراء من خلاصات إزاء الوضع اللبناني، علمًا أنّ هكذا اجتماعات إنما تكون مخصصة للتداول في الملفات التي يعقدها خبراء أمميون مع آخرين ممثلين لأعضاء “مجلس الأمن”؛ بمن فيهم الدول الخمس دائمة العضوية للتداول في “مواضيع هامة، لكنها ليست مطروحة بعد على طاولة مجلس الأمن” تمهيدًا لرفع تقرير بذلك إلى الأمانة العامة لـ”الأمم المتحدة”.
لبنان مقبل على جولات أكثر عنف..
حول أحداث العنف؛ يقول “توفيق شومان”، الكاتب والمحلل السياسي اللبناني، إن: “الذي حدث بالقرب من مقر البرلمان اللبناني يُعد الجولة الأولى من الفوضى وفقدان السيطرة على الأوضاع، في ظل تعثر تشكيل الحكومة الجديدة، وغياب كل أطواق النجاة، من الإنهيار المالي والاقتصادي، الذي يعشيه لبنان، منذ تشرين أول/أكتوبر الماضي، بالتالي لبنان مُقدم على جولات عنف إضافية قد تتوسع في أكثر مدينة داخل البلاد”.
وأضاف “شومان”، أن الأوضاع الاقتصادية من أهم العوامل الرئيسة لزيادة حدة عنف الاحتجاجات، وهذا يرجع للسياسات المصرفية القاسية، مع بدء مئات المؤسسات العاملة في تصريف عمالها وإخراجهم من الوظائف، مع تدهور سريع للعُملة اللبنانية، “الليرة”، وهذا سيؤدي بالتتابع لإتساع الحركة الشعبية الاحتجاجية، وقد تأخذ الاضطرابات بعدًا أكثر عنفًا.
رسالة ملتبسة..
في سياق متصل؛ قال الدكتور “مخائيل عوض”، الكاتب والمحلل السياسي، إن: “رسالة الرئيس، ميشال عون، إلى قادة الجيش والقوات الأمنية بالقضاء على أعمال الشغب أمس ملتبسة، وكان عليه أن يردفها بتطبيق القوانيين وحفظ الحق الدستوري للبنانيين بحق التظاهر والتعبير، في هذه الحالة كانت فُهمت رسالته بأنها تطبيق وإجراء يهدف لحفظ الأمن، بعد التصرفات الغير قانونية التي بادرت بها قوات الأمن في الأيام السابقة، ربما هناك تفلت لبعض العناصر خلال التظاهرات؛ وهذا منطقي في ظل ما بلغته الأزمة الاقتصادية والسياسية”.
الطبقة السياسية شريكة مع جماعات المصارف في النهب..
وعن أسباب فشل الطبقة السياسية في تشكيل حكومة مرضية للشارع اللبناني، اعتبر الدكتور “مخائيل عوض”، الكاتب والمحلل السياسي، أن: “هناك فشل من قِبل الطبقة السياسية في إحتواء الأزمة مع تعنت واضح في حلها، كما تبين أن حاكم لبنان الفعلي هو رئيس المصرف المركزي، ولذلك استقالت الحكومة سريعًا بشكل مقصود، وتأخر تشكيل الحكومة الجديدة، لتتصدر المصارف المشهد”، مؤكدًا أن الطبقة السياسية متورطة وشريكة مع جماعات المصارف في النهب الذي أدى إلى إفلاس الدولة.
إغراق لبنان..
على جانب آخر؛ اعتبر البطريرك الماروني الكاردينال، “مار بشاره بطرس الراعي”، أن كل من يُعرقل تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة المنتظرة، إنما يُمعن فى إغراق “لبنان” بصورة أكبر فى أزمته المالية والاقتصادية بشكل يحول دون خروجه منها.
أطراف تُعرقل تشكيل الحكومة..
في هذا السياق؛ قال “وليد الأشقر”، عضو المكتب السياسي لـ (التيار الوطني الحر)؛ إن هناك عدة أطراف تُعرقل تشكيل الحكومة اللبنانية؛ أولها الأطراف التي خرجت من تسمية الرئيس الحالي المُكلف، “حسان دياب”.
وقال هناك مجموعة أخرى من الأطراف السياسية، والتي كلفت السيد، “دياب”، بتشكيل الحكومة وتسعى كل منها للحصول على تسميات إضافية لتحسين موقعها داخل الحكومة.
تريد حكومة بدون “حزب الله”..
في نفس السياق؛ قال الكاتب والمحلل السياسي اللبناني، “د. وفيق إبراهيم”؛ عند سؤاله حول التصريحات الأميركية بعدم تقديم مساعدات لـ”لبنان” حتى يكون هناك إصلاحات سياسية حقيقية، قال إن معظم الطبقات السياسية العربية فاسدة وتدعمها “الولايات المتحدة الأميركية”، فليس هدف “الولايات المتحدة” القضاء على الفساد في الحكومة اللبنانية؛ وإنما ربما تريد حكومة لبنانية بدون وجود (حزب الله) على الأقل.