20 أبريل، 2024 5:20 م
Search
Close this search box.

علبة حليب تفضح القضاء العراقي .. عدالة عصر “النهب الأعظم” !

Facebook
Twitter
LinkedIn

رآها العراقيون صدمة إنسانية.. بل منهم من وصفها بالردة القانونية وإخفاق تشريعي من منصة يفترض فيها الرحمة قبل العدل.. فمقابل عبوة حليب أطفال يصدر حكماً بالسجن 11 عاماً.. ليفاجئنا القضاء العراقي بما هو خارج حدود “ميزان العدل” في دول العالم بحكم لم يصدره بحق أكبر الفسدة في العراق.

محكمة عراقية في “قضاء كفري” المحاذي لحدود محافظتي ديالى وكركوك، أصدرت حكماً بالسجن لمدة 11 عاماً على رجل كل جريمته أنه ضبط بعد سرقته علباً من الحليب وأكياس من الحفاظات لطفله !

14 عبوة حليب لطفل رضيع ثمنها 11 عاماً !

الأب المدان ضبط في عام 2016 بتهمة السرقة، واعترف بأنه سرق أربعة عشر مرة علب الحليب والحفاظات من عدة محلات لعدم امتلاكه المال لشراء احتياجات طفله الرضيع الذي يبلغ من العمر عاماً ونصف العام، من اللبن والحفاظات فضلاً عن أن لديه 3 أبناء آخرين في حاجة للغذاء.

لم يسرق سيارة أو ذهباً !

أم الأب المحكوم عليه، قالت وهي تحاول إخفاء دموعها لبرامج تليفزيونية: “ماذا فعل ابني.. سرق سيارة مثلاً.. سرق ذهباً… سرق أموالاً.. حتى يحكمون عليه 11 عاماً ؟؟”.

دمروه دون سبب.. تقول الزوجة وهي تحمل على يدها طفلها الصغير.. “أصحاب المحلات تنازلوا عن حقوقهم وعن البلاغات التي تقدموا بها بحق زوجي.. لكن القضاء لم يلتفت وأصدر حكمه بالسجن 11 عاماً.. فهل يقبل أي إنسان هكذا حكم؟”.

الإدخار الإجباري سبب لجوء الأب لسرقة حليب رضيعه..

أقارب الأب المحكوم عليه يقولون إنه يعمل موظفا ببلدية كفري لنحو 30 عاماً وكان يتسلم 300 ألف دينار شهرياً.. قبل العمل بـ”نظام الإدخار الإجباري” الذي يستقطع نصف رواتب الموظفين من قبل حكومة الإقليم.. فضلاً عن أنه يسكن في بيت إيجار.. لذا لم يكفه راتب لإعالة عائلته ولجأ إلى السرقة لإطعام طفله.

موجات من الانتقاد.. مؤشر خطير على غياب العدل..

موجات من الانتقاد وجهها عراقيون وسكان الإقليم إلى القاضي وقالوا: ألم يكن الأجدر بالقضاء الأخذ بعين الاعتبار بحالة الأب المعيشية ونوع الجرم الذي ارتكبه؟.. ألم يكن الأجدر التعامل برأفة مع الأب الذي لم يستطع توفير الحليب لطفله الرضيع بغير السرقة.. كما أنه لا يوجد دوافع مؤذية أو خبيثة وراء السرقة… أم أنه في عراق ما بعد 2003 كل شئ مباح ؟

ومنهم من رآى أن هذا الحكم مؤشر خطير لما وصل إليه الحال في العراق.. وأن دوائر القضاء في العراق وإقليم كوردستان بمثل هكذا حكم تسئ لنفسها قبل أي هيئة أخرى… بل إن هكذا حكم يوضح الصورة الحقيقية لما أصبح عليه عراق اليوم من حقوق ضائعة وموظفين يجتاحهم العوز.

السرقة حلال.. أين روح القانون ؟       

آخرون تسائلوا: أو لم يعرف القاضي أن السرقة جرى تحليلها في عام من أعوام المسلمين الأوائل نتيجة عدم وفرة الغذاء.. فما بالنا بمن سرق لإطعام طفله الرضيع وسد عورته بحفاظات لم يعد قادراً على توفيرها.. لأن الغذاء ومصروفات إيجار السكن والكهرباء والمياه تنهش راتبه “المنهوش” أصلاً !

بعد مداولات.. قرر القاضي بناء على المادة ” 443″ من قانون العقوبات العراقي الخاص بالسرقة، الحكم عليه بأحد عشر عاماً.. دون الالتفات إلى أن الأصل في القانون هو تطبيق “روح القانون” وليس نصه.. وأن أي حكم في النهاية يخضع ليقين القاضي وضميره، فهل استقر يقين القاضي على أن هذا الأب سرق واردات العراق من الأدوية أو صادراته من النفط أو ربما عقد صفقة سلاح وأخذ عليها عمولة كبيرة، لذلك أصدر قراره.. إنه فقط أب سرق “حليب الأطفال وحفاظات لطفله الرضيع” وتنازل من جرى سرقتهم رسمياً بوثائق مثبوتة أمام المحكمة، لكن حتى هذا التنازل لم يقنع القاضي !

لا رقابة حقيقية على أحكام القضاء..

إن حكما كهذا كفيل بأن يبين لمتابعي الشأن العراقي.. كيف آلت الأمور في بلاد الرافدين وكيف أنه لا رقابة حقيقية على القضاء تصد هذا الاعتداء “غير العادل من رموز العدل” على الإنسانية في العراق.

ليس بعد “القوت” حياة..

إن مثل هكذا أحكام هي التي تمهد لمرحلة أخرى من معارك سيعيشها العراق في المستقبل القريب من تفشي الجوع والسرقة ومن ثم الغضب المجتمعي الذي لن يرحم أحداً، تطال ناره الجميع بحسب متابعين للحكم، فليس بعد الجوع والأبناء شئ وهناك مثل مصري يقول “يا جي على قوتي يا ناوي على موتي”، أي أنه إما الموت بكرامة أو الحياة دفاعاً عن الحق في العيش.. فقط العيش.. ليس حتى العيش الكريم.

غضب وتلميحات.. أليس أولى السجن لسارقي أموال العراق..

لقد أتبع الحكم بيان من “مديرية شرطة كيرميان” يقول إن الأب سيتم نقله إلى سجن إصلاحية لقضاء الحكم الصادر بحقه، وسرعان ما دشنت حملة كبيرة شنها رواد مواقع التواصل الاجتماعي لإنقاذ الأب ومهاجمة القاضي الكوردستاني، حتى إن منهم من قال: “قاضي في الجنة وقاضيان في كوردستان”.. ومنهم من أكد على ازدواجية المعايير في التعامل مع حالات الفساد المستشري في الأموال العامة.. وأن القوانين لا تنفذ إلا تجاه المواطنين البسطاء !

حكماً يضر بإقليم كوردستان..

إن حكماً كهذا من شأنه تقليب الرأي العام ضد “إقليم كوردستان” وتخويف سكان الإقليم من أي محاولات مقبلة للانفصال عن العراق.. فالقاضي – بقصد أو دون قصد – يبين أن الإقليم بهذا الحكم يسوده الظلم وأن البسطاء معرضون للسجن في أي وقت وبأحكام خارج أي ميزان للعدل !

المادة التي عوقب بها الأب بها مرونة خالفها القاضي !

لقد استند القاضي إلى المادة 443 من قانون العقوابات التي شرعت برقم 111 في عام 1969 ويقول نصها: “يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنين على السرقة التي تقع في احد الظروف الاتية:

أولاً – إذا ارتكبت بإكراه.

ثانياً – إذا ارتكبت بين غروب الشمس وشروقها من شخص يحمل سلاحاً ظاهراً أو مخباً.

ثالثاً – إذا ارتكبت بين غروب الشمس وشروقها من ثلاثة اشخاص فاكثر.

رابعاً – إذا ارتكبت بين غروب الشمس وشروقها في محل مسكون أو معد للسكن أو احد ملحقاته.

خامساً – إذا ارتكبت بين غروب الشمس وشروقها في مصرف أو حانوت أو مخزن أو مستودع دخله السارق بواسطة تسور جدار أو كسر باب أو إحداث فجوة أو نحو ذلك باستعمال مفاتيح مصطنعة أو انتحال صفة عامة أو الادعاء باداء خدمة عامة أو بالتواطؤ مع المقيمين في المحل أو باستعمال اية حيلة”.

إذا أعطى النص للقاضي مرونة كبيرة في الحكم، إذ قال المشرع يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنين، ما يعني أن أقصى عقوبة هي 10 سنوات وليس 11 عاماً، فضلاً عن أن القاضي يمكنه الحكم بأقل من ذلك بكثير، فلماذا قضى بأقصى عقوبة !

لم يحملاً سلاحاً.. وأصحاب الحليب تنازلوا عن حقهم..

إن الأب سارق حليب طفله وحفاظاته لم يحمل سلاحاً في سرقته أو يعتدي على أحد، كما أن أصحاب الوقائع أنفسهم تنازلوا بكامل إرادتهم، فلماذا أصر القاضي على تلك العقوبة ؟

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب