علامتان تخترقان المشهد الشيعي ومراسيمه

علامتان تخترقان المشهد الشيعي ومراسيمه

كتب علي السراي : علامتان تحاولان الترسخ في المشهد الشيعي، تظهران مع كل موسم لعاشوراء واربعينيته وتضعهما أقلية مغيبة ضعيفة؛ وهما النقد الشيعي للشيعة، ومحاولة إيقاظ عقلاء بينهم لاستنفار الاعتدال الضائع في الزحمة.

منذ بدء موسم محرم يكتب ناشطون ومثقفون شيعة، وسنة معتدلون، إشارات عن هاتين العلامتين، وهم لم يفعلوا هذا للمرة الأولى، بل كان النشاط النقدي المشوب بالتردد والخوف، حاضراً في السنوات القليلة الماضية، بدافع البحث عن لحظة هادئة في الزمن الشيعي المضطرب.
الفوارق مختلفة، لكن هذا النسق من النقد “النوعي”، مشابه، إلى حدٍ ما، لبراءة نخبة شيعية عربية من ممارسات نظام بشار الأسد، الشيعي افتراضاً، ضد الجمهور السوري، السني منه تحديداً.
طبعاً لن يكون هناك شيعي يبرأ من شعائر طائفته، لكن الفكرة التي تستدعي إضاءتها هي محاولتهم تخليصها من النكوص إلى المغالاة، وان تكون سبباً لتذكير الجمهور بخندق عريض وطويل من الخلافات بين أرض كربلاء والانبار.
ومذاك، جعلت الغالبية الشيعية هذا الخروج لحظة عابرة قادها قلة غير مؤثرين، بينما اعتبرها السنة، لحظة خوف من التحولات التي قد لا تصب في مصلحة الشيعة.
ومن دون شك تبدو المقارنة صعبة، خصوصاً وأن النقد، الآن، مقترن بظاهرة الطقوس الشيعية في موسم عاشوراء، المغالاة فيها على وجه التحديد.
ما من مؤمن بالتعايش، وحماية تنوع الثقافات المختلفة في بلد معقد كالعراق، بمقدوره صياغة وعي مضاد لإقامة الشعائر الشيعية، حتى بين الأوساط السنية، لكن هذا الفضاء الواسع مشغول بمحركات سياسية، جعلت الشعائر في محل غير مقامها “الديني الاجتماعي”.
كانت هناك فرص تاريخية لجعل الشعائر “الحسينية” نقطة تحول في العلاقة بين الشيعة والسنة، تماما مثل الفرصة التي يمكن أن تتاح للمناقب النبوية، لكن الطرفين خسرا بعضهما، وقررا المكوث في عزلة يبدو أنها طويلة الأمد.
وما دام التوقيت مرتبط بموسم عاشوراء، فإن شعائره وقعت تحت طائل المصالح الشيعية في الحكم، ورغبة أركان البيت السياسي “لأنصار الحسين”، في تجاوز الوجع التاريخي من صيغة المحكوم وليس الحاكم.
وعلى هذا، فإن الشعائر بالنسبة للنخبة السياسية، محطة لمنعها من أن تكون “وصلة” اجتماعية وثقافية، واستثمار طويل له جمهور عريض، في إبقاء “ثورة الحسين”، رابطاً سياسياً متيناً.
وفي الحقيقة، انه الاستثمار الانجح في العراق، ولن يكون سهلاً أبداً الفكاك بين المستثمر وما كان، جدلاً، جمهور الشعائر.
في زاوية غير مضاءة من شعائر موسم عاشوراء، تظهر محاولات لربطها بسوء الأحوال في العراق. اناشيد حسينية تنتقد الحكومة الشيعية، وجمهور يقيم المواكب يأتي على ذكر الخدمات المتردية، والأمن غير المستقر، الذي أمسك به سياسيون شيعة منذ سنوات. وهذا قد يعني انتماء هذه الجو إلى العلامتين النقديتين بشأن غايات الشعائر، لكن الصراع السياسي يقضي التفكير بأن البيت السياسي للشيعة غير من تكتيك الاستثمار لتصفية بعض الشركاء.
لكن الأهم، أن يدرك الشيعة في العراق، أنهم منحوا السنة جميع مبررات “التضايق” من مغالاتهم. وقد يكون هذا متأتياً من شعورهم بأن الظلم دائماً يأتي من “النواصب”، وأن سياسييهم ليسوا أكثر من مختاري عصر، يحمونهم، ممن يريد محاصرة شعائرهم. يبدو المشهد الشيعي ليس في صالح أصوات الاعتدال. اللحظة الشيعية العراقية لا تزال جائعة لتصفية التركة التاريخية، التي جعلت الشعائر ضحية “دينية”، كل عام في محرم.
لكن استمرار هذا الوضع سيعجل من ازدياد العزلة الشيعية، وهذا ناقوس خطر على عقلاء الشيعة التنبه إليه لحماية الفكرة “الأصيلة” للشعائر من ثوبها الذي تتعلق به سلسلة من هوس طائفي، ومصالح سياسية، وخنادق بين فرقاء يلطمون، لبقائهم، لا على الحسين.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة