التقدّم النسبي في الحرب على تنظيم داعش لا يخلو من ورطة تدفع شرائح من العراقيين إلى التحسّب لعواقبها وتتمثّل في أنّ مناطق بالبلاد قد تتحرّر من قبضة التنظيم المتطرّف لتجد نفسها واقعة تحت احتلال ميليشيات شيعية لا تقل عن داعش تطرّفا وشراسة.
تعقد قوى ممثلة للعشائر العراقية اليوم مؤتمرا تخصصه لبحث موضوع الإرهاب وتطرف الميليشيات، في آن معا، وذلك في وقت أصبحت فيه مناطق عراقية بكاملها تواجه خطرا مزدوجا مصدره، من جهة أولى، تنظيم داعش وما يقترفه من مجازر بحق العشائر التي تناهضه، مستغلا افتقارها للسلاح الكافي للدفاع عن نفسها، ومن جهة ثانية الميليشيات الشيعية التي تزداد تغوّلا بفعل مشاركتها في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية.
وبدا في الآونة الأخيرة أن ميليشيات الحشد الشعبي المدعومة من إيران تتصرّف كسلطة مطلقة متجاوزة سلطة الدولة، وقد تعدّدت الشكاوى من جرائم تقترفها بحق المدنيين من خطف وقتل على الهوية واستباحة للأرزاق في مناطق تتهم سكانها باحتضان تنظيم داعش الذي تحرص شخصيات قيادية في الميليشيات على أن تجعله لصيقا بطائفة دون غيرها.
ومن ضمن النقاط التي ستكون مطروحة للنقاش في مؤتمر أربيل اليوم «فك ارتباط السنّة بداعش»، وأيضا تمكين عشائر العراق من السلاح للدفاع عن نفسها ضد التنظيم ولتتولّى تحرير مناطقها بنفسها، حيث سيكون لها دور حيوي ومؤثر في مسار الحرب باعتبارها الأكثر دراية بتضاريسها وبوضعها الميداني، والأحرص على تجنيب المدنيين المزيد من تبعات الحرب.
ويأتي هذا على خلفية ظهور مماطلة حكومية في تسليح العشائر لا يتردّد عراقيون في القول إن مصدرها رفض إيراني قطعي لتمكين العشائر العراقية من السلاح حفاظا على التفوّق الساحق للميليشيات الشيعية.
كما لا ينفصل المؤتمر الذي تحتضنه مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق اليوم بحضور نواب بالبرلمان العراقي ممثلين لستّ محافظات توصف بالساخنة وسفراء واشنطن ولندن والاتحاد الأوربي، عن عملية التفكير الجماعي في مرحلة ما بعد نهاية الحرب ضدّ داعش في العراق، والتي لا تخفي شرائح عراقية واسعة مخاوفها من أن تكون مرحلة سيطرة مطلقة للميليشيات الشيعية التي تزداد قوّة يوما بعد يوم مستغلّة ما تتلقاه من دعم إيراني بالمال والسلاح والتدريب والتأطير لمقاتليها. وأصبح سكان المناطق المتضررة من زحف تنظيم داعش يخشون من أن تتحرّر مناطقهم من التنظيم لتجد نفسها تحت احتلال الميليشيات الشيعية التي لا تقل شراسة عن داعش. ومن ثم ربط مؤتمر أربيل اليوم بين «موضوع الإرهاب وتطرف الميليشيات».
وشرح أمس النائب بالبرلمان العراقي شعلان الكريم في تصريح لصحيفة «المدى» المحلّية أن بعض الشخصيات والكتل السنية، وبالتعاون مع مجالس المحافظات التي تخضع لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية وراء عقد المؤتمر، مضيفا أن القائمين على تنظيمه وجهوا دعوات لعدد من الشخصيات والوجهاء في محافظات بغداد وكركوك والأنبار وديالى وصلاح الدين ونينوى.
وأوضح أن اختيار أربيل مكانا لعقد المؤتمر بدلا من العاصمة بغداد جاء بسبب وجود أوامر قبض على بعض الشخصيات، علما أنّ عددا من الشخصيات العراقية ووجهاء العشائر، أصبحوا في أواخر فترة رئاسة نوري المالكي للحكومة العراقية مطلوبين للعدالة بحكم معارضتهم لسياسات المالكي ولقيادتهم حركة احتجاجية واسعة على ما يصفونه بسياسات تمييزية على أساس طائفي.
وتأتي حالة النائب السابق أحمد العلواني الذي يواجه اليوم حكما بالإعدام كأبرز مثال على عملية تصفية الخصوم السياسيين التي كان المالكي قد دشّنها قبل تنحيه عن رئاسة الحكومة. وقد صدر الحكم على النائب العلواني بتهمة قتل عناصر من قوّة أمنية أثناء فضها اعتصاما كان يشارك فيه بمدينة الرمادي باستخدام الرصاص الحي.
وكشف الكريم أن الدعوات وجهت إلى الرئاسات الثلاث ورئاسة إقليم كردستان والأمم المتحدة وسفراء الولايات المتحدة وبريطانيا والجامعة العربية والاتحاد الأوروبي وباقي السلك الدبلوماسي فضلا عن نواب المحافظات الخاضعة لسيطرة داعش. وقال الكريم إن سبب عقد المؤتمر هو أن «السنة العرب متهمون بإيواء داعش أمام أنظار الحشد الشعبي ومؤيديه ونريد فك ارتباط السنة بداعش، مع مطالبة الحكومة بتسليح أبناء العشائر وفق آلية منضبطة لمحاربة المجاميع الإرهابية وتجريمها الميليشيات التي تخطف وتقتل».
ومن ضمن النقاط التي سيتم طرحها في مؤتمر أربيل إمكانية تشريع قانون الحرس الوطني والشروع بتنفيذ بنود الورقة الوطنية التي تشكلت بموجبها حكومـة حيـدر العبـادي.