خاص: ترجمة- د. محمد بناية:
تُعرض حاليًا مسرحيتين على خشبة مسرح مدينة “طهران”؛ كان قد نشرهما من قبل السيد “محمد مساوات”؛ في الفضاء المجازي. وتزامان العرضان مثير للاهتمام؛ لأنه يُظهر شعبية فنان، في قامة مخرج مسرحي، ويُعتبر شخصية مهمة ومؤثرة، وكما يتضح من أعماله، فهو تجريبي ولا يستسلم للمحافظة. بحسّب تقرير “محمد حسن خدايي”؛ المنشور بصحيفة (اعتماد) الإيرانية.
أزمة الأخلاق بالمجتمع الإيراني..
وما يعنينا هو أربع عروض قصيرة من مسرحيات هذه المجموعة المنشورة حديثًا، وحققت نجاحًا كبيرًا على خشبة المسرح، الأول به عنوان: “ثلاث مسرحيات من أعمال محمد مساوات”، ويشتمل على ثلاث مسرحيات قصيرة هي: (غرفة قذرة) و(شنطة سفر) و(المترجم)، الثاني مسرحية بعنوان: (إعادة تجسيد) ومدته (40) دقيقة، وقد سعى المخرج؛ “علي محمودي”، أن يكون مختلفًا عن العرض الأول.
وبنظرة عامة على المسرحيات الأربعة، يمكن بسهولة فهم الموضوع الرئيس والذي يُسلط الضوء على أزمة الأخلاق في المجتمع الإيراني المعاصر؛ حيث تُعتبر المسرحيات الأربعة انعكاسًا للمشاحنات ما بين الأفراد، والتي تفقدهم بدرجات متفاوتة الثقة في بعضهم البعض، وينشغلون بالصراع فيما بينهم على المصالح الخاصة.
والفضاءات الملموسة؛ والتي من المفترض أن تُمثل المجتمع المأزوم، لا تفتح الطريق أمام التماسك الاجتماعي وحل المشاكل الفردية، رُغم كل الجهود التي يبذلها الأفراد. من هذا المنطلق يُمكننا اعتبار أن رؤية “مساوات”؛ ومن ثم المسرحيات، نموذج عن الاضمحلال الأخلاقي للإيرانيين في الوقت الحاضر.
“غرفة قذرة”..
على سبيل المثال تدور أحداث (غرفة قذرة)؛ في غرفة بعيدة عن أعين الآخرين داخل مستشفى، تضم اثنتان من الممرضات يتجادلان بشأن خطأ إحداهن غير المتعمد، ويختلفان حول ما إذا كان من الأفضل الكشف عن هذا الخطأ، أو التغاضي عن الموضوع حفاظًا على كرامة المريضة التي لم تُعدّ قادرة على الإنجاب، ويتعهدان بالتزام الصمت ؟
المشكلة أن كشف الحقيقة حول ما حدث أثناء ولادة هاتين المرأتين، لا يمكن أن يُحقق العدالة الإنسانية بالقدر الذي ينبغي؛ حيث تتعقد الأوضاع بوفاة أحد الأطفال، ولم يُعدّ من السهل اتخاذ قرار أو تجاوز المشكلة التي ستحدث ببساطة.
“شنطة سفر”..
وفي عرض (شنطة سفر)؛ نرى كيف تحولت ساحة الانتظار في المطار إلى حوار نقدي، وكاشف بين شاب وفتاة بشأن البقاء في “إيران” أو المغادرة، ويُصارعان تحديًا يستّعصي على الحل يتعلق بوضعية خروج كلاهما من المنظور القانوني، فالشاب لا يستطيع مطلقًا اتخاذ قرار بشأن الهجرة أو البقاء بسبب حظر المغادرة.
“المترجم”..
وفي عرض (المترجم)؛ يقع سوء تفاهم بين امرأة تُجيّد الألمانية وشريك زوجها التجاري ألماني الجنسية، وتنهار الثقة بين الزوجين الإيرانيين ويتضرر بُنيان الأسرة بسبب قوى تدميرية خارجية.
وبالتأمل في العروض الثلاث يمكن استخلاص الهدف الرئيس وهو تسليط الضوء على أخلاقيات الإيرانيين الفردية المجبَّرين على اتخاذ قرارات صعبة للاستمرار في الحياة الشريفة؛ حيث تكفل الخيارات الصعبة استمرار حياتهم الاجتماعية والاقتصادية نسبيًا.
حينما يصارع المجتمع الانحدار..
ومن حيث موقعك كمشاهد من الخارج، وبنظرة عالم الاجتماع، وربط الجزء بالكل، يمكن الوصول إلى نتيجة أن المجتمع ككل يُصارع الانحدار والتراجع، ولن يستطيع كما كان الحال سابقًا من إدارة مصادر الخلافات؛ لأن الهياكل القائمة، وبالتالي انهيار المكانة الاجتماعية للفرد.
الحقيقة وآلية الذاكرة..
وتُقدم مسرحية (إعادة تجسّيد) أجواء مختلفة، وتنطوي من حيث القالب على حيل شيطانية استخدمها “مساوات”، في بعض العروض المسرحية الأخرى.
وتروي قصة حادث هام وقع قديمًا، وتستدعي الضرورة إعادة تجسيد الحادث مرة أخرى. والوصول إلى الحقيقية يتطلب الرجوع إلى الذاكرة وإعادة تجسّيد مشاهد الحادث القديم بواسطة مشاركة الحد الأدنى من الناس، شخصين على الأقل للقيام بالدور، ويقومان كما المحقق البارع بترتيب أجزاء الأحجية الغامضة والصعبة، ويتكشفان الحقيقة.
لكن الملفت أن آلية الذاكرة لا تعمل على نحوٍ جيد بعد فترة، ويحتمل أن يتم العمل بناءً على الحدس والظن. ولا ننسى أنه بالنسبة للشخص المتورط في الحادث قد يُعاني بعد كشف الحقائق تداعيات مدمرة على حياته الشخصية والاجتماعية، لأن آلية تذكر الأحداث الماضية بشكلٍ دقيق لن تكون سهلة، وغالبًا ما تكون مصحوبة بتحيز معرفي، مما يؤدي إلى تضليل عملية إعادة البناء بأكملها.