13 أبريل، 2024 7:52 م
Search
Close this search box.

عراق ما بعد اميركا: بين شيعة في السلطة وتسلط الشيعة 

Facebook
Twitter
LinkedIn

 كان من المرجح أن يسهم بقاء القوات الأمريكية في العراق لفترة أطول في منع الطائفة التي تمثل الغالبية من الهيمنة على مؤسسات البلاد الهشة والديمقراطية السائرة في الانحسار. فبعد ساعات من ورود أنباء عن وجود مذكرة اعتقال بحق واحد من نواب الرئيس العراقي قال السناتور الجمهوري جون ماكين، وكان واحدا من دعاة الحرب: “لقد قلت لكم ذلك، فتدهور من النوع الذي نشهده الآن في العراق لم يكن غير متوقع”، مثلما ورد في بيان مشترك لماكين وزميله السناتور الجمهوري ليندسي غراهام، ودعا البيان حكومة الولايات المتحدة إلى أن “تفعل كل ما في وسعها لمساعدة العراقيين على تحقيق استقرار الوضع”.

ومع إعلان الأبواق الأميركية نهاية المهمة العسكرية في العراق، تبدو المصالح الإستراتيجية الحيوية الأميركية في المنطقة أكثر من أي وقت مضى رهنا بأيادي الشيعة، وستحتاج واشنطن الآن للسير في واقع سياسي جديد لا يتقبل فيه الشيعة المفاوضات، وكشفوا أخيرا عن نيتهم بعدم اقتسام السلطة مع غيرهم.

الولايات المتحدة بحاجة للحفاظ على نفوذها في العراق، فهو مصدر رئيسي لاحتياطيات الطاقة، وله شان كبير جدا في أمن الخليج، ولها تأثير فعلي على الاقتصاد الأميركي. لكن هذا التحدي يقع الآن على عاتق الدبلوماسيين الأمريكان.

أصدرت الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة مذكرة اعتقال بحق طارق الهاشمي، نائب الرئيس السني، بتهم إدارة فرق موت التي اغتالت ضباط شرطة ومسؤولين حكوميين. وقد رفض الهاشمي تلك الاتهامات. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عنه قوله : “إن الهدف واضح ، وهو ليس أكثر من افتراء سياسي”.

ويرى سياسيون أمريكان مثل ماكين الذي سافر إلى العراق في مناسبات عديدة ، أن الأمر يمثل “إشارة واضحة إلى تفكك التعايش السياسي الهش الذي تحقق بفضل زيادة عدد القوات الأميركية في العام 2007 والتي أنهت العنف الطائفي آنذاك”. ولكن تلك الإشارات كانت واضحة منذ أكثر من عام ايضا، في أعقاب الانتخابات التي جرت في العراق في آذار الماضي، فالعناد السياسي لا يزال يخنق التقدم.

فشلت تلك الانتخابات في توليد حكومة ائتلافية. وتكفل الصراع على السلطة بين رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وخصومه الشيعة بما في ذلك مقتدى الصدر، ومعارضيه السنة بعدم الاتفاق على المناصب الوزارية. كما تكفل ذلك الصراع بعدم الاتفاق على استمرار الوجود الأميركي العسكري في العراق. وفي الوقت نفسه، استمر الصراع بين المالكي واياد علاوي على الوزارات والسلطة لمدة عامين تقريبا. وقال انتوني كوردسمان من مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية “ان كل واحد منهما يرى في الآخر متآمرا ضده”.

وردد علاوي كلمات ماكين في تصريحات لوكالة رويترز: “الامريكيون انسحبوا من دون استكمال المهمة التي كان عليهم إنهاءها”. وأضاف “لقد حذرنا من أننا ليس لدينا عملية سياسية تجمع العراقيين كافة، وليس لدينا دولة بالمعنى الحقيقي في العراق”، ولكن تلك الدولة في العراق ستأتي في وقت ما، ولكن ليس بشكل مستساغ بسهولة لعلاوي وحلفائه ولا بالنسبة للولايات المتحدة، أو حتى إيران.

إن الانشقاق العنيف بين الشيعة والسنة الذي قوض أي أمل في الاستقرار في أعقاب الغزو الأمريكي في عام 2003 تأخر طويلا. اذ يشير مراقبون للتاريخ العراقي لعقود من الاضطهاد التي عاناها الشيعة في ظل حكم صدام حسين الاستبدادي ، والذي زرع بذور الاضطراب اليوم. ولكن حتى عند العودة الى وقت سابق، فان الشيعة قد حرموا من السلطة في ظل الحكم العثماني. وعندما صار العراق حدوده الخاصة مع قيام العهد الملكي، كتب الملك فيصل، في العام 1932 بصدد مزاعم التمييز التي صدرت من رجال الدين الشيعة قائلا: “لا ارغب أن ابرر موقف الأكثرية الجاهلة من الشيعة, وانقل ما سمعته الوف المرات, وسمعه غيري من الذين يلقون في أذهان أولئك المساكين البسطاء من الأقوال التي تهيجهم وتثير ضغائنهم وان الضرائب على الشيعي, والموت على الشيعي والمناصب للسني, حتى أيامه الدينية لا اعتبار لها”( نص مذكرة الملك فيصل إلى شخصيات في حكومته في آذار عام 1932).

ولم ينس الشيعة ما سبق، فهم بالكاد قد تعافوا من خيانة جورج بوش الأب، الذي حث الشيعة أثناء حرب الخليج الأولى على التمرد ضد صدام وقواته ، إلا أن القوات الأميركية تخلت عنهم وتوقفت عند الحدود مع الكويت. في الأشهر الأولى من الغزو الأمريكي في العام 2003 ، ابلغ قادة الشيعة ابناء طائفتهم بالوقوف بحزم في وجه الهجمات القاتلة التي يشنها المسلحون السنة، وليس الانتقام والانتظار، لأن العراق الجديد ينتمي إليهم بوصفهم الغالبية. ولم تتحول دوامة القتل الانتقامية المتبادلة إلى حرب أهلية إلا في شباط 2006 عند تفجير المرقدين المقدسين في سامراء.

الآن ، بغداد مدينة شيعية إلى حد كبير، وقوات أمنها شيعية كذلك، ومحافظات العراق الـ 18 تتلقى التمويل والدعم من الحكومة المركزية في بغداد، والتي يقودها رجل مصمم على الحفاظ على السلطة الشيعية. وطوال السنوات التي قضيتها في بغداد سمعت ترنيمة ثابتة: أن السنة تمتعوا بالسلطة لمدة طويلة بما فيه الكفاية، والآن حان دور الشيعة، وهم لا يريدون تقاسم السلطة. وهو الشيء نفسه الذي وجده مراسل “ان بي سي” ريتشارد انغل أيضا في عبارة في واحد من آخر تقاريره الأخيرة من بغداد، بعنوان “عراق ما بعد الولايات المتحدة: مرحبا بكم في شيعستان” شيعة العراق لا يترددون بالتباهي بقوتهم المكتشفة حديثا، وكتب قائلا : “الان هناك رحلات مباشرة هنا من  تركيا والسويد والنمسا والأردن والإمارات العربية المتحدة، من بين بلدان أخرى، ولا توجد رحلات مباشرة إلى المملكة العربية السعودية ودولة الكويت، وكل منهما دولة سنية تنتقدها الحكومة الشيعية في العراق… ولكن هناك الآن ولعدة أيام أكثر من اثني عشر رحلات جوية الى ايران “.

عندما سئل عما إذا كان غزو واحتلال العراق يستحق كل ذلك، فإن الرئيس أوباما قال: التاريخ هو الذي سيحكم. لكنه حين كان عضوا في مجلس الشيوخ أطلق عليها “الحرب الغبية”. قد يجادل الخبراء والسياسيون حول تأثير انسحاب القوات الأمريكية في وقت أبكر مما كان يود البعض، ولكن ليس هناك حتى الآن أي أدلة تثبت أن العواقب السياسية ستكون مختلفة. فمنذ البداية ، جمعت الولايات المتحدة، وبصورة ترقيعية، منفيين عراقيين وقادة محليين لتشكيل أول مجلس للحكم ستنطلق منه الحكومة والعملية السياسية في نهاية المطاف.

بقلم جيمي طربيه. عن موقع  The atlantic. ترجمة واعداد كتابات.

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب