كتبت – ابتهال مخلوف :
رغم أن غبار معركة الموصل بالعراق ضد تنظيم الدولة الإسلامية المتطرف “داعش” لا يزال يتصاعد في أفق العراق، إلا أن مرحلة ما بعد سقوط داعش لا تزال تشغل وسائل الإعلام والصحف العالمية.
وناقش تقرير بصحيفة “الإندبندنت” البريطانية جدوى قرار الحكومة العراقية بقيادة رئيس الورزاء “حيدر العبادي” بدء معركة الموصل قبل الاستيلاء على مخابئ داعش الآمنة الأخرى بالعراق. وأكد التقرير على خطورة هذه البؤر الداعشية خاصة إذا اجتذب التنظيم عراقيين من العرب السنة المطحونين بين رحى الحشد الشعبي والأكراد.
الخطأ الذي ارتكبته الحكومة العراقية
ارتكز التقرير الذي كتبه “باتريك كوكبرن” مراسل الجريدة في كركوك، على مقابلة مع “نجم الدين كريم محافظ كركوك الغنية بالثروة النفطية، خلص فيه إلى أن الحكومة العراقية ارتكبت خطأ هامًا يضمن لتنظيم داعش مساحة من الصمود عندما سعت إلى الاستيلاء على الموصل قبل القضاء على مخابئ التنظيم الآمنة الأخرى في شمال وغرب العراق والتي يمكن أن يلوذ بها عناصره عند سقوط الموصل.
ينقل التقرير عن نجم الدين كريم قوله: “كان من الأفضل القضاء على معاقل داعش التي يمكن أن تتقهقر إليها قواته عند سقوط الموصل”، مشيرًا إلى أن نصف محافظة كركوك لا تزال في قبضة داعش خاصة منطقة “الحويجة” جنوب غرب كركوك التي كانت في السابق من معاقل تنظيم القاعدة في العراق.
ومن الطبيعي أن تدور في أذهان العراقيين بوجه عام تساؤلات بشأن معركة استعادة الموصل من براثن داعش التي طال آمدها، وهل ستضع كلمة النهاية للتنظيم ومشروع الخلافة الإسلامية؟.. أم أنها ستتمخض عن عودة مقاتلي داعش إلى حروب العصابات وشن عمليات إرهابية ضد المدنيين؟
اعرب نجم الدين كريم عن اعتقاده أن داعش لن يتمكن من احتلال مدن مرة أخرى، لكنه لن يتوقف عن القتال، ملمحًا إلى أن الفترة الأخيرة شهدت ارتفاعًا ملحوظًاً في هجمات بتوقيع داعش في مناطق كانت هادئة العام الماضي.
أهمية كركوك
ويزعم محافظ كركوك أن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” لا يتمتع فقط بوجود مخابئ آمنة لعناصره، بل يمكن له أن يجتذب سكان المنطقة من السنة الذين شردتهم الحرب، ويشير إلى أنه في محافظة كركوك وحدها هناك نصف مليون عراقي سني، الذين اضطرتهم الحرب إلى الفرار دون أدنى أمل لديهم في الرجوع لديارهم.
موضحاً أن أغلبهم جاء من العاصمة بغداد والمناطق المحيطة بها، حيث أجبرت ميلشيات الحشد الشعبي الشيعية وقوات الأمن ذات الأغلبية الشيعية السكان السنة على الفرار، مؤكدًا على أنه تم السماح لنحو 200 ألف شخص من البلدات والقرى السنية بالعودة لديارهم، بينما لا يستطيع العدد الأكبر من العرب السنة العودة لقراهم السابقة ذات التوزيع الديموجرافي المختلط من السنة والشيعة.
يذكر أنه تم ترحيل الغالبية العظمى منهم عندما شن تنظيم داعش سلسلة من الهجمات أوائل عام 2014، وكان ذروتها سقوط الموصل في شهر حزيران/يونيو من العام ذاته، وأصبحت عناصر داعش على أبواب العاصمة بغداد. وهي مناطق كانت ذات أغلبية من العرب السنة.
استراتيجية تعميق الطائفية
تستعرض الصحيفة البريطانية حالة الاحتقان الطائفي في العراق حاليًا، موضحة أن آساليب تنظيم داعش الإرهابية، لا سيما قيامه بالكثير من الهجمات الانتحارية ضد المدنيين الشيعة، أثارت مشاعر العداء الطائفي أو على أقل تقدير عمقت حالة الشك تجاه السنة بين صفوف الشيعة واليزيديين والمسيحيين.
وتنقل الصحيفة عن نجم الدين كريم محافظ كركوك قوله: “لاتوجد مصالحة” – أي بين السنة والشيعة – الأمر الذى يوفر أرضًا خصبة لتنظيم داعش لتجنيد مقاتلين من صفوف السنة، وقد ترتفع أعدادهم في مناطق مثل “الحويجة” شمال العراق و”تلعفر” بغرب الموصل.
يضيف نجم الدين كريم أن رئيس الوزراء “حيدر العبادي” أصدر توجيهاته بأن يعود آهالى المناطق التي تُحررت من قبضة داعش إلى ديارهم، لكن لا شئ تحقق على أرض الواقع. ويرجح أن الدافع وراء ذلك هو “جعل تلك المناطق خالية” أو بمعنى آخر، تطهيرها من العرب السنة الذين يحتمل دعمهم لداعش أو بعض الحركات الأصولية المسلحة المماثلة ذات التوجه السني.
ويحذر محافظ كركوك قائلًا: “الموصل هي الفوضى”، منوهًا إلى الانقسامات العميقة بين السنة والشيعة والأكراد واليزيديين، فضلاً عن تدخل القوى الخارجية مثل تركيا. ويستطرد بأنه بمجرد هزيمة داعش وطردهم من المدينة، سينبري كل طرف منهم مطالبًا بقطعة من كعكة الموصل أو استعادة مكتسباتهم السابقة، قائلًا: “عندما كنت طالبًا في الموصل في الستينيات كان 40% من سكان المدينة من الأكراد، ولكن كان يتحتم عليهم جميعًا الرحيل”.
الإعمار.. شرط المصالحة
بحسب “الإندبندنت” يتطلب تحقيق المصالحة إعادة إعمار المدن والبلدات السنية المدمرة، ولم يتحقق ذلك في مدن تم تحريرها من داعش من قبل مثل “الرمادي” و”الفلوجة”، ليس بسبب عجز الحكومة العراقية وفسادها فقط، إنما أيضًا بسبب نقص الأموال جراء انخفاض سعر النفط وتكلفة الحرب.
ويقول محافظ كركوك: “لانملك من الأموال إلا ما يكفي لدفع الرواتب والمعاشات.. لم يتبق لدينا شئ لإعادة الإعمار.. ولم نتلق أي أموال من بغداد منذ عام 2014”.
وبحسب التقرير، يعد هجوم الموصل الذى انطلق قبل تطهير عدة مناطق أخرى من عناصر داعش قرارًا أميركيًا بدرجة كبيرة، فقد طالب عدد من كبار المسئولين العراقيين بإتخاذ خطوات أبطأ، لكن يبدو أن معركة استعادة الموصل عملية بتوقيع أميركي، رغم أن القادة العسكريين الأميركيين حاولوا إعطاء انطباع بأن دورهم يقتصر على الدعم فقط. كما خلقت الولايات المتحدة الظروف السياسية المواتية للهجوم، من خلال التوسط في إتفاق بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان ذات الحكم الذاتي، التي تمتلك قوات البشماركة القوية.
الجدير بالذكر أن بغداد والاكراد دأبوا منذ آمد بعيد على التنازع حول مساحة واسعة من الأراضى الغنية بحقول النفط الممتدة في شمال العراق من الحدود السورية الى الحدود الإيرانية. وهو نزاع اقترب في بعض الأحيان إلى نشوب حرب مسلحة بين الطرفين قبل صعود داعش عام 2014.
لذا من المحتمل أن تنفصم عرى هذا التعاون القسري عندما يتلاشى خطر داعش. ومن المؤشرات على ذلك مشهد رفع العلم الكردي يوم الثلاثاء 28 من آذار/مارس الجاري، بألوانه الأحمر والأبيض والأخضر إلى جانب العلم العراقي للمرة الأولى على الدوائر الحكومية في محافظة كركوك وسط مقاطعة من العرب والتركمان، ومعارضة حكومة بغداد. وهو منعطف هام في إطار سعي الأكراد ضم محافظة كركوك الغنية بالنفط لأقليم كردستان والأخطر نحو إعلان دولة كرستان. ورغم تقليل نجم الدين كريم محافظ كركوك من شأن تلك الخطوة، إلا أن خطر تقسيم العراق لايزال ماثلُا للعيان حتى وإن اختفى تنظيم داعش.