استغرب عراقيون الإجراءات التي بدأ رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ممارستها خلال الأيام الأخيرة للإيحاء لهم بجديته في مكافحة الفساد والفوضى، رغم مرور ثماني سنوات على توليه المسؤولية. وقالوا يبدو إنه لم يشعر بحجم الفساد ومعاناة المواطنين إلا قبل شهر واحد من الانتخابات.
فقد اعرب مواطنون عراقيون عن دهشة مشوبة بالأسى من تصريحات وإجراءات المالكي واتخاذها في هذا الوقت، الذي يشهد تنافسًا انتخابيًا، على الرغم من وجود الكثير من هذه المشاكل طوال مدة توليه المسؤولية الممتدة إلى ثماني سنوات، مؤكدين أن كل ما يفعله هو دعاية انتخابية ضمن حملته الكبيرة، التي انطلق بها لنيل ولاية ثالثة.
وأشاروا ساخرين إلى أنه ربما لم يكن المالكي في العراق طوال هذه السنوات الثماني، وأنه لم يقرأ صحيفة عراقية واحدة، ولم يشاهد قناة تلفزيونية واحدة، ولا يدري ماذا يجري في البلد، موضحين أن الأشياء السلبية تتنامى طوال هذه السنوات، وتتكاثر، وصراخ الناس لا يسمعه أحد.
دعاية انتخابية
فقد أكد شامل أنور، موظف في وزارة الخارجية، أنه استغرب ما شاهده وما سمعه عن المالكي خلال الأيام الأخيرة، مشددًا على أن الأمر لا يتعدى كونه دعاية انتخابية. وقال: أعتقد أن الأمر لا يحتاج عبقرية لتفسيره، ولا يخرج عن كونه دعاية انتخابية، وإلا أين كان رئيس الوزراء طوال السنوات الماضية، التي استفحل فيها الفساد، وكبرت فيها معاناة المواطنين على مختلف الأصعدة، ويبدو أنه يفعل ذلك ليقنع المواطن العراقي بأنه قريب من مشاكله، وفي الحقيقة أرى الوضع يزداد سوءًا، ولا يمكن أن تكون هناك حلول صحيحة.
أضاف: الناس تعرف أن المسؤولين يتحركون كلما جاء موعد الانتخابات، فلا يستبشرون خيرًا، والسيد المالكي واحد منهم، يريد أن تكون له حصة الأسد في هذه الدعايات.
أين كان خلال ثماني سنوات؟
من جانبها عبّرت السيد أم نورا، موظفة في وزارة التجارة، عن استغرابها، وهي تسمع هذه التصريحات من رئيس الوزراء، وقالت: أشعر بالحزن عندما أسمع ذلك من المالكي في نهاية دورته الانتخابية الثانية، فأين كان طوال هذه السنوات؟، كنت أتمنى أن ينزل إلى الشوارع، ويذهب إلى الدوائر، ويتحدث عن السلبيات بشكل صريح وواضح قبل هذا الوقت، هل تراه لا يعلم بأحوال الناس؟. نعم إنه لا يعلم!.
وأضافت: سمعت أحد النواب المقربين منه يبرر له عدم انشغاله بهموم الناس قبل هذا الوقت بالقول إن رئيس الوزراء لديه انشغالاته الكثيرة والكبيرة، وكأن معاناة الناس ليست ضمن انشغالاته، بينما هي الأولى، لكنها تبريرات انتخابية مكشوفة، وأعتقد أنه لو قام بما قام به قبل هذا الوقت لصدقه الناس ولكن ..! .
البحث عن ولاية ثالثة
من جانبه قال سرمد جبار، موظف في وزارة الثقافة: إن رئيس الوزراء نوري المالكي يعيش هاجس المؤامرة بشكل هستيري، فهو لا يتورع في اتهام الجميع، البلديات والصحة والسياسيين العراقيين، وحتى السيطرات الأمنية لم تسلم من تهديداته، إضافة إلى استبعاد الشرفاء الوطنيين، وتقريب المجرمين، الذين لهم ماض أسود.
أضاف: رئيس الوزراء يتحدث عن الأشياء السلبية، ونسي أنه وزير الداخلية والدفاع والأمن القومي، وكل شيء تحت يده، فهل يعقل أن رئيس الوزراء لم يفكر يومًا أن يتفقد الشارع العراقي، وهو في سيارته المظللة، ليرى أوضاعه السيئة، وليس من المعقول أنه بعد ثماني سنوات، ومع اقتراب الانتخابات، يتذكر أن هناك من يتعمد الإساءة إلى الحكومة، إنه يفعل ذلك لأن الانتخابات صارت قريبة، ويريد من الناس أن تؤيده لولاية ثالثة، وأنا لا أشجّع على ذلك، لأن السيل بلغ الزبى.
ضمان كرسي الرئاسة
أما الكاتب علي حسين، مدير تحرير جريدة المدى، فقد شكك بنوايا المالكي. وقال: المتابع للمشهد العراقي يعرف جيدًا أن حديث المالكي عن الفساد واتخاذه إجراءات شكلية، مثل إلقاء القبض على ضابط أو توبيخ السيطرات الأمنية، هو مجرد دعاية انتخابية، بدليل أن ملفات كبيرة للفساد لم يقترب منها أحد، ولعل أبرزها ملف الحصة التموينية والصفقات الوهمية في قطاع الكهرباء والأسلحة… كل هذه الملفات وغيرها الكثير صمت عنها المالكي، وسيصمت عن غيرها لو ضمن ولاية ثالثة.. ولو نتذكر صولة المالكي قبل انتخابات 2010 على الميليشيات، لكنا وجدناه بعد ضمان كرسي رئاسة الوزراء يتحول إلى المساند الأول والراعي لبعض الميليشيات.
وقال إن المتتبع لفترة حكم المالكي يلاحظ أن الرجل يقدم تنازلات حين يجد نفسه ضعيفًا، مثلما حصل قبل تظاهرات شباط 2011 والأمر نفسه في أزمة سحب الثقة، لكنه ما إن يتجاوز الأزمة، حتى ينقلب على الجميع، فمن المضحك أن يعتقد المالكي أن كشف الفساد يمكن أن يختصر بزيارة دائرة حكومية أو تفتيش سيطرات أمنية، فيما حيتان الفساد يصولون ويجولون من دون رقيب.
وأضاف: إن مواقف خصوم المالكي وخطابهم المتهافت يرغمنا على التعاطف معه، لكن بعد ساعات ترغمنا مواقف المالكي نفسه، وخطاب أنصاره الأكثر تهافتًا من خطاب خصومه على أن نقف ضده.. أعتقد أن هذه ليست مشكلتي وحدي، وإنما مشكلة الشارع العراقي عمومًا، ومن المواقف التي تضع أي مراقب على منصة سوء الظن مثلًا، أن المالكي هاجم، وتحرك، وأعلن عن مواقف لمكافحة الفساد خلال اليومين الأخيرين فقط، أكثر مما فعله خلال ثماني سنوات من عمر ولايته الرئاسية، أنا أشكك في نوايا المالكي، لكن لا أجد جوابًا مقنعًا عن سؤال خصومه الواقعي؛ لم لم يفعل كل هذا إلا قبل شهر واحد من الانتخابات؟.
ضرورة انتخابية
في حين يؤكد الكاتب هيثم الطيب أن الضرورات الانتخابية وراء تحركات المالكي الأخيرة وتصريحاته المدوية. وقال: استبشر الناس بزيارة المالكي إلى إحدى الدوائر التي اشتهرت بالفساد، على أمل أن يتابع بقية الملفات في وزارات أخرى، ولكني أرى أن هذه ضرورة انتخابية، أملتها الظروف عليه، وسوف تنتهي، فالرجل يعلم تمامًا أن الفساد قد ضرب مفاصل الدولة جميعها، حتى لم تعد زياراته تجدي.
وأضاف: أعتقد أن هذه الهياكل المعنية بمحاربة الفساد أثبتت فشلها بعد 11 سنة من وجودها، ولا بد من إلغائها والعودة إلى قانون العقوبات في محاربة الفساد والفاسدين، ولعلي استغل هذه المناسبة لتذكير المالكي وهو يبدأ حملته الانتخابية بهذه التحركات الدعائية بأن يضع في جدول أعماله إلغاء هيئة النزاهة نهائيًا، وإلغاء دوائر المفتش العام، وإحالة من تثبت عليه قضايا سرقة للمال العام أو الرشوة إلى القضاء.
ليست من مهام رئيس الوزراء ولكن
من جهته أكد النائب عادل فضالة المالكي، عن ائتلاف دولة القانون، أن المسؤولية تضامنية، ولا يتحمل رئيس الوزراء وحده الفشل. وقال: من بداية الدورة الانتخابية لعام 2010 وهناك تحرك حكومي ضد الفساد في دوائرها، قد ﻻيكون بحجم الفساد المستشري، إﻻ أنه قد ﻻ يكون معلنًا في معظم الحاﻻت، إﻻ أننا للأسف الشديد أصبحنا نفسّر كل تحرك على أنه للدعاية الانتخابية أو إنه استهداف سياسي من دون النظر إلى أهمية هذا التحرك على أرض الواقع، وأنا هنا لست في موقع الدفاع عن أي شخص.
وأضاف: لست في موضع الدفاع عن أي شخص، إﻻ أن الحكومة منظومة لدوائر متعددة وأشخاص متعددين، ولكل دائرة وشخص مسؤولية مناط بها وبه، وهو المسؤول عن أي تقصير، وهذه المنظومة يرأسها رئيس مجلس الوزراء، وحسب اعتقادي البسيط إنها ليست من مهام رئيس مجلس الوزراء البحث عن عمل الدوائر وقصورها دائرة دائرة، وإن لكل دائرة مديرًا، وإن لكل وزارة وزيرًا هو المسؤول عن حسن سير العمل فيها، وبمجموع هذه المسؤوليات تكون مسؤولية مجلس الوزراء تضامنية، إضافة إلى ذلك هناك العديد من الجهات الرقابية في الدولة العراقية، مهمتها الرقابة على الدوائر الحكومية وتحديد أوجه الخلل والفساد فيها.
تابع: وﻻ أعتقد أنه من الإنصاف أن نحمّل شخصًا واحدًا مسؤولية الفساد في كل دوائر الدولة، يضاف إلى ذلك أننا في مجلس النواب فشلنا، وعلى مدى دورتين، في ممارسة الدور الرقابي الحقيقي لمجلس النواب عن تقصير الوزراء وفساد دوائر وزاراتهم نتيجة تشكيل الحكومة على أساس المحاصصة الحزبية والطائفية والقومية، فكل استجواب لمسؤول تم داخل المجلس على قلتها تنبري الجهة السياسية التي ينتمي إليها بالدفاع المستميت عنه، ومحاولة إفشال هذا الاستجواب، ولو فرضنا جدلًا مسؤولية رئيس الوزراء عن كل فساد يحدث في أي دائرة من دوائر الحكومة، فلماذا لم يستجوب مجلس النواب رئيس الوزراء، ويثبت تقصيره، ثم يمارس دوره في سحب الثقة منه من دون التشكيك بنوايا هذا الشخص وتبويب تحركاته على أنها لم تحصل إﻻ لقرب الانتخابات