وكالات – كتابات :
بشكلٍ يومي يُشاهد أهالي مدينة “الموصل” أطلال الفنادق الرئيسة التي كانت سابقًا مراكز جذب لاستقبال السياح من مختلف المناطق، حيث حولتها الحرب إلى مبانٍ مدمرة لم تصلها يد الإعمار لغاية اليوم.
وفي مدينة “الموصل”؛ مركز محافظة “نينوى”، الواقعة شمالي “العراق”، 03 فنادق رئيسة إلى جانب عشرات الفنادق المتوسطة، بدأت الحياة تتوقف فيها بعد الغزو الأميركي عام 2003، لكن الكبيرة والرئيسة منها دُمرت بشكلٍ كامل خلال العمليات العسكرية لاستعادة “الموصل” من تنظيم (داعش) الإرهابي.
وتعرضت المدينة لدمار شبه كامل في البنايات العامة والمؤسسات الحكومية والبنية التحتية، فضلاً عن دمار أصاب آلاف الوحدات السكنية أغلبها بسبب قصف طيران التحالف واستغلال تنظيم (داعش) لجميع المواقع العامة والخاصة خلال سنوات الحرب.
بداية القصة..
لغاية العام 2003؛ كانت فنادق “الموصل” الكبيرة؛ وهي: “نينوى أوبري الدولي”، و”الموصل الدولي” و”آشور”، تعمل جميعا بإشراف حكومي، وكانت تسّتقطب السياح من مدن “العراق” والوفود الرسّمية، غير أن القوات الأميركية حولت أبنيتها التي تعرضت للنهب والتهريب؛ يوم التاسع من نيسان/إبريل 2003؛ إلى مقار لقواتها لفترة مؤقتة، وبعد انسّحاب الجيش الأميركي منها لم تُعد الحياة إليها بسبب الوضع الأمني المتردي المتمثل بالهجمات المسّلحة وأنشطة تنظيم (القاعدة) ثم (داعش).
في العام 2009؛ أعيد افتتاح “فندق نينوى الدولي” من جديد بعد إعادة تأهليه، واستمر في العمل خلال العام الأول من سّيطرة تنظيم (داعش)؛ الذي حّول اسم الفندق إلى: “فندق الوارثين”.
تعرض “فندق الموصل” لدمار كامل بسبب تعرضه لعدة ضربات بطائرات “التحالف الدولي”؛ عام 2017، أما “فندق نينوى” فتعرض لقصف هو الآخر أصاب أساساته ودمرها بنسّبة: 50 بالمئة، حسّب جهات محلية في “نينوى”، فيما تعرض “فندق آشور” القريب من المدينة القديمة لقصف ونيران القوات العراقية ومسّلحي (داعش).
بعد استعادة السّيطرة على المدينة لم يُدرج موضوع الفنادق في “نينوى” على لائحة الإعمار، على اعتبار أن بعض الملفات أكثر أهمية، بالرغم من أن مستشفيات المدينة، والتي تُعد أهم البُنى التحتية، ما تزال تعمل أغلبها بمواقع بديلة بسبب عدم إعمارها أو عدم إكمال المحال منها للتنفيذ.
وفود السياح..
مؤخرًا بدأت “الموصل” تشهد استقرارًا أمنيًا واقتصاديًا، وبدأت وفود السياح الأجانب تزورها كونها من المدن التاريخية، والتي تحتوي على معالم وشواهد حضارية متنوعة، كما أقيم نهاية الشهر الماضي “مهرجان الربيع”، والذي يُعد من المهرجانات الشعبية الثقافية التي كانت تُقام سنويًا؛ لكنها توقفت منذ العام 2003، ومع انطلاق المهرجان ظهرت حاجة مُلحّة لوجود فنادق في المدينة.
حاليًا في “الموصل”: 09 فنادق صغيرة فقط، لا يمكنها استقبال الوفود الرسّمية، ولا الزوار السياح بأعداد كبيرة، كما أنها تُعتبر فنادق بسيطة من الدرجة الثالثة والرابعة التي لا ترقى لاستقبال المسّافرين والسياح ولا قدرة لها على استيعاب أعدادهم، كما يوجد في الجانب الأيسر على ضفاف “نهر دجلة” مجمعان سياحيان هما “مجمع السدير” و”القرية السياحية”؛ يعملان حاليًا على استقبال المسافرين، ولكنها لا تسّد الجزء اليسّير من الحاجة، كما أنها لا ترقى لتقديم الخدمات الفندقية.
الناشط؛ “عمر محمد”، أكد حاجة المدينة لوجود فنادق قادرة على استقبال السياح، لا سيما مع وجود حملة كبيرة يُطلقها الناشطون بعنوان: “الموصل مدينة سياحية”؛ تستهدف الترويج للمواقع التراثية والتاريخية في “الموصل”؛ ومنها مدينة “النمرود”، جنوب شرق مركز “الموصل”، ومدينة “الحضر”؛ غرب المدينة، فضلاً عن المواقع التي تعود للحضارة الآشورية داخل المدينة، والتي اكتشفت أجزاء مهمة منها قرب “جامع النبي يونس” بجانب المدينة الأيسر.
وأضاف “محمد”؛ في تصريحات صحافية؛ أن: “موضوع إعمار الفنادق أهملته الجهات الحكومية عقب استعادة السّيطرة على محافظة نينوى، وهو ما أثر سلبًا على ملف الإعمار كون الشركات الاستثمارية لا ترغب بزيارة المدينة بسبب افتقادها للفنادق”، مبينًا أن وعودًا كثيرة أطلقت من قبل المسؤولين؛ لكنها لم تلامس الواقع لغاية اليوم.
دعوة لإعادة الإعمار..
“مجلس أعيان الموصل”؛ (مجلس اجتماعي مستقل)، وجه دعوة للحكومتين المحلية والمركزية لتبني موضوع إعمار فنادق المدينة، كونه يدعم التطور الاقتصادي الذي تتطلع “نينوى” للوصول إليه.
وقال ممثل مجلس أسر وعوائل الموصل؛ “لازم حميد”، إن: “حكومتي بغداد ونينوى؛ أصمّتا آذانهما طيلة السنوات الست الماضية عن المطالبات الشعبية الخاصة بإعادة تأهيل الفنادق في المدينة”.
وأضاف أن: “على نواب نينوى التحرك من أجل إعادة إعمار الفنادق الرئيسة ومنح تسّهيلات لأصحاب الفنادق الصغيرة”، مبينًا أن وزير الثقافة والآثار الحالي؛ “أحمد فكاك البدراني”، وهو من مدينة “الموصل”، قد وعّد بإعمار فنادق “الموصل” خلال وجوده بالوزارة.
وأشار “حميد” إلى أن الإدارة المحلية في “نينوى” ارتكبت أخطاء عدة في مجال إعمار “الموصل”، حيث إنها خصصت الكثير من المبالغ لمشاريع ثانوية كصيانة الأرصفة وتبليط الشوارع، بينما تركت المشاريع الحيوية المهمة كالمستشفيات والفنادق والجسّور خلال الفترة الماضية.
الصحافي والمخرج التلفزيوني؛ “حسان كلاوي”، أشار إلى أن الحياة بمختلف أشكالها بدأت تعود إلى “الموصل”، ولكن ببطء شديد. وبيّن أن عودة الحياة السياحية والثقافية لا تمكن من دون وجود فنادق تستقبل السياح والزائرين.
وأكد “كلاوي”؛ أن الكثير من الفعاليات الثقافية التي تعمل الأوساط الفنية في “نينوى” على تنظيمها؛ تصطدم بمشكلة سكن الوفود المشاركة من محافظات عراقية أخرى، لافتًا إلى أن الكثير من الأهالي مضطرون لاستقبال أي زائر للمدينة في دورهم الخاصة لعدم وجود فنادق في “الموصل”.
استثمارات مرتقبة..
معاون محافظ نينوى لشؤون التخطيط؛ “رعد العباسي”، كشف عن إحالة “فندق الموصل”؛ أحد الفنادق الرئيسة، إلى شركة استثمارية لغرض الإعمار. وقال “العباسي” في تصريح صحافي؛ إن الفندق أحيل إلى إحدى الشركات من قبل “وزارة الثقافة والسياحة والآثار” العراقية وستتم المباشرة بتنفيذه قريبًا.
وأوضح “العباسي” أن أعداد السياح إلى “نينوى” تزايد مؤخرًا، وذلك يستوجب إعمار الفنادق، وبيّن أن “فندق الموصل”؛ الذي أحيل لشركة استثمارية، من المفترض أن يُعاد بناؤه بطريقة أفضل مما كان عليه في السابق، حيث إن مخطط المشروع يتضمن إنشاء فندق ومول ومسّابح ومنتجع مطل على “نهر دجلة”.
وللاطلاع أكثر على المشاكل بين الشركة الاستثمارية و”وزارة الثقافة”؛ وبسببها لم تتم المباشرة بإعمار “فندق نينوى أوبري”، رفضت دائرة السياحة في “نينوى” الإدلاء بأي تصريح، وقالت إنها ممنوعة من الحديث في هذا الخصوص.
وأفادت مصادر في “نينوى” بأن المشاكل قائمة بين الشركة المستثمرة للفندق و”وزارة الثقافة”؛ التي ترفض العقد القديم وتصفه بالجائر، وتطالب بإلغائه وتوقيع عقد جديد مع نفس الشركة أو شركة أخرى، مبينة أن الشركة تطالب بتعويض مالي كبير يصل إلى: 50 مليار دينار، الأمر الذي دفع الوزارة إلى إحالة الموضوع للقضاء العراقي لإصدار الحكم فيه.
عقبات عديدة..
عضو مجلس محافظة نينوى؛ “المجمد حاليًا”، “أصيل شاهين آغا”، أكدت وجود عوامل تُعيّق عودة النشاط السياحي إلى المدينة، أهمها عدم جدية الحكومة في إعادة إعمار المرافق السياحية والأثرية التي تُعد العنصر الأهم في جذب السياح.
وقالت “آغا”؛ إنه: “رغم ضخامة الأموال التي دخلت إلى المدينة منذ التحرير، إلا أننا لم نجد حتى الآن أي مبادرات على أرض الواقع لإعادة إعمار الفنادق الرئيسة في الموصل؛ ذات التصنيف الخمس نجوم، رغم أن هنالك عددًا من المستثمرين ورجال الأعمال والشركات قد عبروا عن رغبتهم بالمشاركة في إعمارها، ولم يفلحوا بسبب ضعف قانون الاستثمار والإجراءات الروتينية المطولة والمعقدة والشروط الصعبة، وعمليات الابتزاز والمسّاومات من عصابات فساد منظمة التي يتعرض لها رجال الأعمال وإجبارهم على دفع نسّب مئوية معينة من الأموال لقاء منحهم اي مشروع، فضلاً عن تأخر صرف التعويضات لأصحاب الفنادق الأهلية الذين يرغبون بإعادة إعمار فنادقهم”.
وأضافت أن: “الموصل؛ في الفترة الأخيرة، يُقبّل عليها السياح من بلدان مختلفة لما لها من شهرة عالمية اكتسّبتها خلال وبعد تحريرها من (داعش)”.