وكالات – كتابات :
المبادرة الأمنية الواردة في “قانون إقرار الدفاع الوطني”، (NDAA)، الذي يتبنَّاه “مجلس الشيوخ” الأميركي؛ تُعد إحدى إستراتيجيات حقبة “الحرب الباردة” التي يجب محوها من مشروع القانون.
سلَّط موقع (ريسبونسيبل ستيت كرافت) الضوء على مشروع “قانون إقرار الدفاع الوطني”، لعام 2022، الذي يتبنَّاه “مجلس الشيوخ”، والذي يهدف من ورائه إلى إرسال مساعدات عسكرية لـ”إفريقيا”؛ بهدف محاربة الإكراه الذي يمكن أن يفرضه المنافسون شبه النظراء، “الصين وروسيا”، ضد الحكومات الإفريقية. وذلك في مقال لـ”سوبوكوي أودينغا”، أستاذ مساعد في الدراسات “الأميركية-الإفريقية” بجامعة “كاليفورنيا”؛ وحاصل على درجة الدكتوراة في العلوم السياسية.
وفي مستهل مقاله؛ يوضح الكاتب أن “قانون إقرار الدفاع الوطني”، (قانون فيدرالي يُحدد ميزانية وزارة الدفاع الأميركية ونفقاتها)، الذي يُعدِّه “مجلس الشيوخ”، لعام 2022، من شأنه أن يُمكِّن “وزارة الدفاع” الأميركية، (البنتاغون)، من إطلاق مبادرة منافسة إستراتيجية للقيادة الأميركية في “إفريقيا”. وإذا جرى تمرير مشروع القانون هذا فستكون هذه أول مبادرة أمنية يعتمدها “الكونغرس”، بكل وضوح منذ “الحرب الباردة”؛ لتوجيه مساعدات عسكرية إلى القوات الإفريقية لمواجهة “بكين” و”موسكو”. وتضع هذه المبادرة أساسًا قانونيًّا جديدًا لمحاولة طويلة الأجل لتوسيع النفوذ العسكري الأميركي في “إفريقيا”.
مبادرة تهدد العلاقات “الأميركية-الإفريقية”..
ويستدرك “أودينغا” قائلًا: لكن المبادرة الأمنية التي يُجيزها مشروع القانون ستواجه على الأرجح إهمالًا عسكريًّا ودبلوماسيًّا أميركيًّا، وستكون سببًا في نثر بذور عدم الاستقرار في “إفريقيا” وزعزعة العلاقات “الأميركية-الإفريقية”. ولذا يجب محو هذه المبادرة الأمنية من مشروع القانون قبل التوقيع على “قانون إقرار الدفاع الوطني”؛ لعام 2022.
ولفت الكاتب إلى أن المبادرة المقترحة تهدف إلى محاربة: “الإكراه الذي يمكن أن يفرضه المنافسون شبه النظراء”؛ ضد الحكومات الإفريقية من خلال تعزيز جيوشها، ومعالجة: “مصادر انعدام الأمن” التي لا تُعد ولا تُحصى في جميع أنحاء القارة السمراء. وفي حال إقرار هذه المبادرة، فإن الإجماع الكبير من الحزبين: “الديمقراطي” و”الجمهوري”؛ على كل من سياسة “الولايات المتحدة” تجاه “إفريقيا” والتهديد الذي تُشكله “الصين” و”روسيا”؛ سيُشير إلى أن نطاق المبادرة وتمويلها سيكونان على وشك الإقرار بسرعة.
وتتطلب هذه المبادرة مزيدًا من التدقيق العام أكثر مما تجده في الوقت الحالي، لا سيما بالنظر إلى أن “الولايات المتحدة” رسمت مسارًا مشابهًا خلال “الحرب الباردة”؛ وما زال الإصلاحيون الأفارقة يواجهون عواقب ذلك. ويُشير التاريخ الطويل إلى أن المساعدات العسكرية المقترحة لـ”إفريقيا” غالبًا ما تتفلت من تحت إشراف “الكونغرس”، في حين لا يبذل (البنتاغون) و”وزارة الخارجية” جهدًا كبيرًا لرصد هذه المساعدات وتفسير عواقبها ومآلاتها.
خلل في المراقبة والتقييم..
وألمح “أودينغا” إلى أنه قبيل نهاية “الحرب الباردة”، وفي حين أعلنت “وزارة خارجية”، “ريغان”، أن المساعدات العسكرية الأميركية لـ”إفريقيا”: “مدروسة ومعتدلة”، وصفت مذكرة سرية لـ (البنتاغون)، برامج المساعدات الرئيسة؛ بأنها: “مِزحة مأساوية”، وأنها: “بكل وضوح ليست ضرورية وغير مستدامة”، وأنها قائمة في: “الحس الداخلي والحكمة التقليدية”، وأنه لا يوجد: “أي دليل على نجاحها حتى الآن، وليس هناك من دليل يلوح في الأفق على نجاحها في المستقبل”.
إن التدريبات التي تُقدمها “الولايات المتحدة” لقادة الانقلاب في “مالي” و”غينيا”، وتمويل الكتائب الثائرة في “جمهورية الكونغو الديمقراطية” و”الكاميرون”، والمساعدات العسكرية للحكومات القمعية في “أوغندا” و”النيغر”؛ تروي لنا القصة نفسها إلى حد كبير. إن كل ذلك لا يعكس فقط دافع “الولايات المتحدة” لتقديم أولوية مكافحة الإرهاب على تحقيق السلام والديمقراطية في “إفريقيا”، ولكنه يعكس أيضًا المراقبة والتقييم غير المناسبين لبرامج: “التدريب والتجهيز” التي تتلقاها القوات المسلحة الإفريقية.
على سبيل المثال، نادرًا ما يفشل (البنتاغون) في الترويج للتدريب الذي يُقدمه للجيوش الإفريقية في مجال حقوق الإنسان. لكن “مكتب المساءلة الحكومية”، (GAO)، اعتبر مؤخرًا أن تقييمات (البنتاغون) لنطاق هذه التدريبات وجودتها تقييمات غير موثوقة. ولا يوجد لدى (البنتاغون) بروتوكول معمول به لتقييم الأثر الناتج عن التدريبات التي يقدمها في مجال حقوق الإنسان على: “السلوك أو الممارسات أو السياسات” الخاصة بالجيوش الإفريقية. إن (البنتاغون) ببساطة لا يعرف أثر تدريباته، وليس لديه وسيلة جيدة لاكتشاف ذلك.
والأنكى من ذلك أن “وكالة التعاون الأمني الدفاعي”، (دسكا)، لم تتمكن حتى من تقديم جرد دقيق للمعدات العسكرية التي نقلتها إلى البلدان الإفريقية، من عام 2017 إلى عام 2020؛ مما يُزيد من خطر استخدام هذه المعدات العسكرية ضد غير المقاتلين أو المدنيين أو نقلها إلى أعداء “الولايات المتحدة”. كما أن القيادة الأميركية في “إفريقيا” لم تُجرِ أنشطة إشرافية بانتظام لمنع حدوث ذلك.
ووفقًا لتقرير المفتش العام في (البنتاغون)؛ الصادر من خلال: “قانون حرية المعلومات الأميركي”، (FOIA)، تُعاني القيادة الأميركية في “إفريقيا” أيضًا من مشكلة: “مساءلة الأفراد”، وغالبًا ما يتعذر عليها تتبُع الأماكن والأحوال الخاصة بالعديد من المتعاقدين العسكريين الذين توظفهم في جميع أنحاء القارة السمراء.
وغالبًا ما تُشير الدراسات الاستقصائية التي تٌجريها “وزارة الخارجية”، بشأن المواد والخدمات الدفاعية الأميركية المرخَّصة للتصدير التجاري إلى “إفريقيا”، إلى وجود فرص جيدة لوقوع هذه المواد والخدمات الدفاعية في الأيدي الخطأ. وكشفت الدراسات الاستقصائية أثناء حكم إدارة “ترامب” عن ارتفاعات قياسية في النسبة المئوية لهذه الصادرات التي اعتُبِرت: “في غير محلها”، والسبب في ذلك أساسًا يتمثل في تسليمها إلى أطراف أجنبية: “غير مرخصة” أو “غير موثوق بها”.
وبالمثل غالبًا ما يكون لدى “وزارة الخارجية” معلومات قليلة عن الوجهة الأخيرة التي انتهت إليها المعدات العسكرية التي تتبرع بها “الولايات المتحدة” من خلال شراكة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء الكبرى. وبدلًا عن إجراء زيارات ميدانية أو الاعتماد على تكنولوجيا الأقمار الصناعية لتتبُع تلك المركبات المدرعة وغيرها من المعدات التي تبرعت بها “الولايات المتحدة” لدول مثل: “الكاميرون والنيغر”، غالبًا ما تعتمد “وزارة الخارجية” على وسائل التواصل الاجتماعي لتحديد مدى إساءة استخدام تلك المعدات.
وفي وقت سابق من هذا العام؛ أقر “مجلس النواب”؛ مشروع قانون إصلاح لهذه الشراكة الأمنية المتعثرة. وواجه مشروع القانون معارضة من جانب مجموعة من الخبراء الأميركيين في الشأن الإفريقي، وأعضاء “مجلس النواب” التقدميين؛ لأنه كان سيُجيز المبادرة رسميًّا أيضًا. وكُتِبت الإصلاحات والتعديلات الرئيسة على “قانون إقرار الدفاع الوطني”، لـ”مجلس النواب”، لعام 2022، لكنها ليست واردة في نسخة “مجلس الشيوخ”، وهناك حاجة ماسة إليها.
إرث من الإهمال..
ونوَّه “أودينغا”؛ إلى أن “قانون إقرار الدفاع الوطني”، لعام 2017، أقرَّ إصلاحات أوسع نطاقًا لتحسين مراقبة برامج التعاون الأمني الأميركية وتقييمها. وبعد ذلك بعامين اعتبرت “لجنة القوات المسلحة”، بـ”مجلس الشيوخ”، أن تقدم (البنتاغون) نحو هذا الهدف: “غير كافٍ على الإطلاق”. ومع ذلك طالبت إدارة “بايدن”، هذا العام؛ بإجراء تخفيضات على ميزانية هذه الأنشطة، من: 8.9 مليون دولار؛ إلى 07 ملايين دولار من ميزانية التعاون الأمني؛ التي تزيد عن: 6.5 مليار دولار.
ويجب وضع هذا الفراغ من الرقابة في الاعتبار عند تقييم إخفاقات السياسة الأمنية الأميركية في “إفريقيا”. كما يجب النظر بتمعن في هذا الفراغ من الرقابة أيضًا قبل مقتل الجنود الأميركيين خلال مهام التعاون الأمني في “إفريقيا”، وارتكاب القوات المدربة على يد “الولايات المتحدة” انتهاكات في مجال حقوق الإنسان، وإطاحة الحكومات.
واختتم الكاتب مقاله مؤكدًا أن المبادرة الأمنية الجديدة لـ”مجلس الشيوخ” سترث هذا الإرث من الإهمال. إنه سبب أكثر من كافٍ لتجاهُل المبادرة قبل وصول “قانون إقرار الدفاع الوطني”، لعام 2022، إلى مكتب الرئيس “بايدن”.