وكالات – كتابات :
قال “أليكس فاتانكا”؛ في مقال على موقع (معهد دراسات الشرق الأوسط)، إنه منذ أواخر أيلول/سبتمبر 2021، عندما وصلت العلاقات بين “إيران” و”أذربيجان” إلى أدنى مستوياتها، انخرطت “طهران” و”باكو” في عملية خفض التصعيد. انصب جزء كبير من التركيز على توسيع التعاون الاقتصادي ودفع الخطط لإنشاء روابط نقل إقليمية، مثل ممر السكك الحديدية بين الشمال والجنوب؛ الذي يربط “الهند” بـ”روسيا”، عبر “إيران” و”أذربيجان”.
وقد أشاد “فاتاكا” بهذه الجهود، لأنها تعمل على تحسين الرفاه الاقتصادي الجماعي لمنطقة “جنوب القوقاز”. ومع ذلك، لا تزال التوترات الجيوسياسية الكامنة عاملًا ويمكن أن تُعرقل محاولات التكامل الاقتصادي في أي لحظة. في هذا السياق، فإن المنافسة “الإيرانية-التركية” على النفوذ في “جنوب القوقاز”؛ هي القضية الأكثر إلحاحًا التي تحتاج إلى إدارة.
مخاوف “إيران” من “تركيا”..
من وجهة نظر “طهران”، فإن انتصار “أذربيجان”؛ في حرب عام 2020، ضد “آرمينيا” لم يكن ليتحقق لولا الدعم التركي والإسرائيلي وعجز “روسيا” عن منع هزيمة “آرمينيا”. في هذه القراءة الإيرانية، تشجعت “باكو” وترى إستراتيجيتها العسكرية الدبلوماسية مبررة. ويشمل ذلك قرارها اختيار؛ “تركيا” و”إسرائيل”، شريكين خارجيين أساسيين لها.
يؤكد “فاتاكا” أنه من وجهة نظر “طهران”، فإن هذا الإحساس بإثبات صحة السياسة في “باكو” يُمثل تحدياتها الخاصة. “إسرائيل”، هي أكبر خصم إقليمي لـ”إيران”. منذ منتصف التسعينيات، كان على الإيرانيين الانخراط في عملية توازن دقيقة حتى لا يسمحوا للتعاون العسكري الأمني الوثيق بين “باكو” و”تل أبيب” أن يُفسد تفضيل “طهران” للحفاظ على علاقات ودية مع “أذربيجان”.
ومع ذلك؛ فإن المخاوف الإيرانية بشأن الخطط التركية لتوسيع نفوذها في “أذربيجان” و”جنوب القوقاز”؛ قد تُثير توترات جديدة وتؤدي إلى فصل جديد في تاريخ المنطقة. باختصار، تخشى “طهران” من أن إستراتيجية “أنقرة” لتوطيد العلاقات مع “باكو” هي سياسة تعتمد بشكل كبير على رسالة قومية تركية تهدف إلى الاستفادة من اللغة والتاريخ والثقافة المشتركة للمتحدثين بالتركية الذين يعيشون عبر منطقة شاسعة، من “تركيا” شمالي “إيران” إلى القوقاز وآسيا الوسطى وعلى طول الطريق إلى “الصين”.
إن أكثر ما يُقلق الإيرانيين هو النزعة القومية التركية. وفي الوقت نفسه، فإن “روسيا”، التي لديها أقليات تركية خاصة بها وتُشارك “إيران” مخاوفها بشأن القومية التركية، لديها يد ضعيفة في المنطقة بفضل غزوها لـ”أوكرانيا” والتداعيات السلبية لذلك على قدرة “موسكو” على الاستمرار في لعب دورها التاريخي كسمسار قوي في “جنوب القوقاز”؛ بحسب مزاعم الكاتب.
لا توجد بيانات رسمية، ولكن حوالي: 20% من سكان “إيران”، البالغ عددهم: 85 مليون نسمة هم من أصل أذربيجاني. إنه مجتمع مندمج بعمق في نسيج الأمة الإيرانية، وليس هناك ما يُشير إلى نزعات انفصالية واسعة النطاق. ومع ذلك، لا يزال المسؤولون والمحللون في “طهران” حساسين للغاية لهذه القضية، ولا سيما أي تطلعات تركية لتحريض الأذربيجانيين الإيرانيين على أي تصعيد في التوترات “الإيرانية-التركية”.
وبالتالي، فإن الحجة التي كثيرًا ما نسمعها من المسؤولين الإيرانيين هي أن التفاهم “التركي-الأذربيجاني” لاستخدام الورقة التركية ضد “إيران” يحظى بدعم “إسرائيل” بشدة. اتهام “طهران”؛ لـ”باكو”، بأنها توفر ملاذات آمنة للانفصاليين من أصل أذربيجاني، رفضه الرئيس؛ “إلهام علييف”، بشدة. على أي حال، مع استنزاف “روسيا” بسبب حربها في “أوكرانيا”، يتوقع البعض في “طهران” أن توسع “أنقرة” و”باكو” دعمهما للوحدة التركية، وهذا سيضعهما دائمًا في مسار تصادمي مع “طهران”.
“إيران” و”تركيا” وسباق العبور..
يرى “فاتاكا” لهذه المنافسة “الإيرانية-التركية”؛ في “جنوب القوقاز”، أبعادًا اقتصادية أيضًا. لطالما أكد المسؤولون الإيرانيون أن الموقع المركزي للبلاد يسمح لها بالعمل كجسر بري لطرق العبور التي تربط غرب “آسيا” بكل من “أوروبا” و”شرق آسيا”. هذه حقيقة لا يمكن لأحد أن ينكرها إذا نظر المرء إلى الخريطة. ما لا يمكن إنكاره أيضًا هو أن “الولايات المتحدة” و”إسرائيل” عارضتا؛ وما زالتا تعارضان، مشاركة “إيران” في المشاريع الإقليمية التي ستُفيدها اقتصاديًا.
في المقابل، لم تفعل “طهران” شيئًا تقريبًا للبحث عن طرق لتقليل مثل هذه المعارضة لأن القيام بذلك سيتطلب إعادة توجيه سياستها الخارجية الشاملة وتخفيف التوترات مع “الولايات المتحدة” و”إسرائيل”. بدلاً من ذلك، انصب تركيز “طهران” على دول مثل “تركيا”، التي تتطلع إلى الاستفادة من عدم قدرة “إيران” على العمل باعتبارها مركزًا إقليميًا للتجارة والعبور.
وبينما يدرك الإيرانيون عيوبهم، فإنهم كانوا بطيئين في التصرف لتصحيح الوضع. هذا النقص في الزخم هو أمر يجب أن تندم عليه “طهران” بالفعل عندما ينظر المرء إلى السرعة التي تمضي بها “تركيا” لجعل نفسها مركز العبور الإقليمي لكل “غرب آسيا”، بما في ذلك “جنوب القوقاز” و”آسيا الوسطى”. وعليه، فإن جهود “تركيا” الأخيرة، بما في ذلك الكشف عن خطط الارتباط بـ”آسيا الوسطى” عبر “بحر قزوين”، يُنظر إليها على أنها تحدٍ مباشر للمصالح الإيرانية.
لنأخذ على سبيل المثال؛ مبادرة الممر عبر “بحر قزوين-الشرق-الغرب-الأوسط” التركية، والتي تُشير إليها “أنقرة” أيضًا باسم: “الممر الأوسط”. إنها تربط “تركيا” بـ”القوقاز”؛ عبر “جورجيا وأذربيجان” ثم عبر رابط بحري يعبر “بحر قزوين” إلى “آسيا الوسطى والصين”. يُسمي التسويق التركي هذا إحياءً لـ”طريق الحرير”، وهو كذبة منذ أن سار طريق الحرير التاريخي عبر ما يعرف الآن بـ”إيران”.
يُشدد “فاتاكا” على أن أحد المكونات الفرعية لهذه الجهود التركية هو اتفاقية ممر العبور بين “تركيا وجورجيا وأذربيجان وتُركمانستان وأفغانستان”، والمعروفة أيضًا باسم: “اتفاقية اللازورد”. ومرة أخرى، فإن الخاسر الصافي في تطوير طريق يربط بين “آسيا الوسطى وأفغانستان”؛ بـ”البحر الأسود” و”البحر الأبيض المتوسط”، هو “إيران”، التي سترى نفسها محرومة من شبكة عبور إقليمية ربما تكون مهمة. كما سيُعرض العلاقات التجارية الإيرانية مع “أفغانستان” ودول “آسيا الوسطى” للخطر؛ لأن المزيد من التدفقات التجارية سيعني مزيدًا من المنافسة لأسواق التصدير نفسها التي تعتمد عليها “طهران” حاليًا.
ومع ذلك، لا تزال “إيران” بطيئة في التصرف. في “طهران”، تحتاج البيروقراطية فيما يتعلق بالتجارة الإقليمية وسياسة العبور إلى الإصلاح والتبسيط. في تشرين أول/أكتوبر 2021، عندما مرت شاحنتان باكستانيتان تحملان البضائع عبر “إيران” إلى “تركيا”، واجهت تأخيرات بيروقراطية كبيرة على الحدود – تأخيرات لم يتم حلها إلا بعد وساطة من قبل كبار مسؤولي الجمارك في “طهران”. كشفت الحادثة عن نظام متهالك لا يجذب التجارة الدولية على نطاق واسع. تحتاج “إيران” أيضًا إلى توقيع اتفاقيات عبور ثنائية ومتعددة الأطراف مع جيرانها وخارجها حتى تُصبح طريق عبور رئيس.
البدائل المطروحة..
باختصار، تخوض “إيران وتركيا” حاليًا منافسة خفية، ولكن أعمق من أجل النفوذ في “جنوب القوقاز”، بما في ذلك مجال مشاريع العبور الجديدة المحتملة. يعلم الإيرانيون أن رفع العقوبات أمر بالغ الأهمية لقدرتهم على أن يصبحوا مركز عبور إقليمي. وهو مصدر دخل ترحب به “إيران”. يقال إن عائدات كل طن من البضائع التي تمر عبر “إيران” هي نفسها من كل برميل نفط مُصدَّر.
لكن مأزق “طهران” أكبر من عدم قدرتها على تحويل جغرافيتها إلى مصدر دخل من خلال التحول إلى مركز عبور – يستدرك “فاتاكا”. على الرغم من الجهود الأخيرة التي بذلتها “باكو” و”طهران” للتركيز على التعاون الاقتصادي المفيد للطرفين، هناك حاجة إلى حوار سياسي أوسع. وفوق كل شيء، تحتاج “إيران” إلى بذل المزيد من الجهد للترويج للدور البناء الذي يمكن أن تلعبه باعتبارها وسيطًا بين “أذربيجان” و”آرمينيا”.
ليس هناك شك في أن “طهران” أصيبت بالصدمة بسبب الحرب التي استمرت: 44 يومًا بين “آرمينيا” و”أذربيجان”، في أواخر عام 2020، للسيطرة على “إقليم ناغورنو كاراباخ”، المتنازع عليه. كما صُدم الإيرانيون بنفس القدر من مدى تورط “تركيا” و”إسرائيل” خلال القتال وفي أعقاب وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه “موسكو”، لكن “أنقرة” كانت – على عكس “طهران” – طرفًا في المفاوضات.
وكما قال وزير الخارجية الإيراني السابق؛ “جواد ظريف”، في كانون ثان/يناير 2021، فإن نية “طهران” هي البحث عن وسائل مختلفة يمكن من خلالها لدول المنطقة العمل معًا لإنهاء أزمة “ناغورنو كاراباخ”؛ وتحسين وضع السلام والاستقرار. هذا ما أشار إليه الإيرانيون والأتراك: بـ”الاتحاد السداسي” بين “آرمينيا” و”أذربيجان” و”جورجيا” و”إيران” و”روسيا” و”تركيا”. الوقت وحده هو الذي سيُحدد ما إذا كانت “إيران” قادرة على استعادة أي أرض خسرتها في “جنوب القوقاز”، لكن لا شك أن “إيران” كانت مهملة للغاية لأهمية المنطقة بالنسبة لمصالحها الجيوإستراتيجية والاقتصادية.