عام حافل بالتحديات للدول المصدرة .. قراءة في طالع الخليج المنتج لـ”النفط” خلال 2022 !

عام حافل بالتحديات للدول المصدرة .. قراءة في طالع الخليج المنتج لـ”النفط” خلال 2022 !

وكالات – كتابات :

نشر “المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية”، (ISPI)؛ تحليلًا، لـ”كارين يونغ”، مديرة برنامج الاقتصاد والطاقة في “معهد الشرق الأوسط”، في “واشنطن”، سلّطت فيه الضوء على توقعات أسعار “النفط”، في عام 2022، مُرجِّحة أنه سيكون عامًا حافلًا بالتحديات.

مرحلة مؤقتة من التكيُّف !

استهلت الكاتبة تحليلها بالقول؛ إنه في الوقت الذي استعادت فيه أسعار “النفط” عافيتها قبل ارتفاعها، منذ الوقت الذي تعرضت فيه لأعمق إنهيار؛ في ربيع عام 2020 – مع ارتفاع أسعار “نفط برنت” الخام من: 19 دولارًا للبرميل، في نيسان/إبريل 2020، إلى أعلى مستوى لها خلال ثلاث سنوات لتصل إلى: 86 دولارًا للبرميل، في تشرين أول/أكتوبر 2021 – فإن توقعات استمرار ارتفاع أسعار “النفط” لمنتجي الخليج العربي أمر غير وارد.

وفي ظل انتعاش الطلب العالمي على “النفط”، في أواخر عام 2021، كان تزامن مجموعة من الصعوبات بشأن توفير إمدادات أنواع أخرى من منتجات الطاقة: كـ”الغاز الطبيعي” و”الفحم”؛ سببًا في تضخم أسعار الطاقة على الصعيد العالمي إلى جانب ضغوط التضخم التي أثرت على كل شيء بدءًا من الغذاء وإنتهاءً بالمنتجات الاستهلاكية.

وفي حقيقة الأمر يتوقع عديد من المحللين ووزراء “النفط” في الدول الأعضاء في منظمة (أوبك +)؛ أن يُحقق سوق “النفط”؛ بحلول منتصف عام 2022، توازنًا أكبر وأن تتراجع أسعار “النفط”، حتى أنها قد تصل إلى حدود: 55 دولارًا للبرميل خلال العام المقبل.

وتوضح “يونغ” أن العالم يشهد، في الوقت الراهن؛ مرحلة مؤقتة من التكيُّف في ظل تعافي الاقتصاد العالمي من آثار تدابير الإغلاق وتقييد حركة الأشخاص والسفر أثناء تفشي جائحة (كوفيد-19)، لكن تعريف كلمة: “مؤقتة”؛ ضمن مرحلة تحوُّل أشمل في مجال الطاقة سيكون من الصعب فهمه فهمًا جيدًا. وفي حين أنه من المحتمل أن يشهد ​المسار الأطول أجلًا للطلب العالمي على “النفط” انخفاضًا خلال العقد المقبل، فإن الطلب العالمي الحالي على “النفط” يتطابق مع مستويات الإنتاج في مرحلة ما قبل جائحة (كوفيد-19)، والتي تجاوزت: 100 مليون برميل يوميًّا؛ وتظل اتفاقية التعاون بين كبار المنتجين – اتفاقية (أوبك بلس) السارية منذ كانون أول/ديسمبر 2016 – قائمة.

ومع ذلك؛ هناك فجوة آخذة في الاتساع بين هؤلاء الأعضاء تتعلق بمرونة قدرتهم الإنتاجية؛ إذ يُعد بعض المنتجين، مثل: “روسيا ونيجيريا”، أقل قدرة على زيادة إنتاج الطاقة الاحتياطية.

هل تعلم منظمة “أوبك” ما لا يعلمه غيرها ؟

تُلفت “يونغ” إلى أن الخلاف الذي دبَّ بين “الإمارات العربية المتحدة” و”المملكة العربية السعودية”، في تموز/يوليو 2021؛ أظهر بعض التناقضات بين كبار المنتجين في طاقاتهم الاحتياطية، بالإضافة إلى أشكال التضارب فيما بينهم بشأن إستراتيجياتهم للصادرات النفطية ضمن جدول زمني يُراعي أن يكون مزيج الطاقة العالمية أقل اعتمادًا على “النفط”، وعلاوةً على ذلك، تظل تقييمات منظمة (أوبك) للطلب على “النفط”، في عام 2022؛ تُشير إلى أنه يتسم بالبطء؛ مما يجعلنا نتساءل هل تعلم المنظمة شيئًا لا يعلمه غيرها.

وقد تؤدي الضغوط المتزايدة الناجمة عن تضخم الأسعار، والتساؤلات المطروحة بشأن استمرار موجات الإصابة بفيروس (كورونا) المستجد ومتغيراته في “آسيا” وغيرها من المناطق، بالإضافة إلى التعافي البطيء في “الولايات المتحدة”، إلى اقتصاد عالمي لا يتمتع بالعافية، وأضف إلى ذلك حالة عدم اليقين من قدرة “إيران” على زيادة صادراتها، (والتي تتضمن المبيعات الرئيسة للصين حتى في ظل العقوبات المفروضة)؛ وربما قدرتها على إنتاج جديد، إذا شهد أوائل عام 2022؛ تخفيفًا للعقوبات وعودة إلى “خطة العمل الشاملة المشتركة”.

وهناك تباين متزايد في سياسات الطلب على الطاقة، والذي دفع كلًا من “الولايات المتحدة” و”أوروبا” إلى التقليل من اعتمادهما على “النفط” و”الغاز”، بينما يُبالغان في تقدير تطلعاتهما نحو اقتصاد أكثر مراعاة للبيئة، ونتيجةً لذلك تُحاول الدول المنتجة لـ”النفط” في الخليج العربي، لا سيما “السعودية” تحديدًا، ضبط الإنتاج مع توقعات تحقيق الإيرادات والسياسة المالية، ومن وجهة نظر “السعودية”، ستكون التوقعات المالية لعام 2022 إيجابية جدًّا: خاصة أن إيرادات “النفط” آخذة في الارتفاع، وكانت الحكومة منضبطة في معدلات إنفاقها، واستمرار برامج الإصلاح؛ حتى خلال تفشي الجائحة في وقتٍ كان الضغط فيه لزيادة الحوافز والنفقات الاجتماعية هائلًا، وزادت الإيرادات غير النفطية، وإن لم تكن هذه الزيادة ناتجة بالضرورة عن نمو الأعمال التجارية الجديدة، لكنها ناتجة عن تطبيق تحصيل ضرائب جديدة وإنتعاش سوق المنتجات البتروكيميائية، (وهي المواد التي تُشكل أساسًا لتصنيع العديد من أنواع البلاستيك ومعظم المعدات الوقائية، ومنها الأقنعة والقفازات التي نستخدمها جميعًا بصورة يومية خلال العامين الأخيرين بسبب تفشي الجائحة).

وتُصنِّف الحكومة السعودية، المنتجات “البتروكيميائية”؛ على أنها صادرات غير نفطية، على الرغم من أنها مصنوعة من “النفط”؛ وسجلت فائضًا في الميزانية قدره: 6.7 مليار ريال سعودي، (1.8 مليار دولار)، في الربع الثالث من عام 2021، وكانت الزيادة السنوية في الإيرادات النفطية قد حققت نموًا كبيرًا، بارتفاعها إلى: 60% خلال عام 2020. وزادت الإيرادات الحكومية غير النفطية بنسبة: 30% على أساس سنوي في الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2021، وقد حقَّق قرار الحكومة السعودية بمضاعفة ضريبة القيمة المضافة ثلاثة أضعاف بمعدل: 15%، في آيار/مايو من عام 2020، إلى جانب نمو الطلب المحلي على السلع والخدمات؛ (خاصةً بالنظر إلى قيود السفر الشديدة المفروضة على المواطنين أثناء الجائحة)، إيرادات كبيرة لـ”السعودية” تقترب من: 88 مليار ريال سعودي، أو كما أفادت شركة “جدوى” للاستثمار، (التي تعمل تحت إشراف هيئة أسواق المال العربية السعودية)؛ أن ضريبة القيمة المضافة حققت إيرادات أكثر من: 70% من إيرادات الحكومة السعودية غير النفطية، في الربع الثالث من عام 2021.

“السعودية” وسياسات للتخفيف من الأعباء..

تؤكد “يونغ” أن الارتفاع الذي شهدته أسعار “النفط”، في أواخر عام 2021؛ قد يضغط على الحكومة لتخفيف تدابير التقشف المالية والبدء في إنفاق الأموال، لا سيما على المشروعات الضخمة؛ لكن “صندوق الاستثمارات العامة” السعودي بصدد توجيه: 40 مليار دولار سنويًّا إلى الإنفاق على التنمية المحلية، ومن المُرجح أن تكتسب وتيرة تنفيذ هذه المشروعات مزيدًا من السرعة، مثل المشروعات العملاقة في مدينة (نيوم)، كما توجد مخاوف من تخفيض المعدلات الضريبية الحالية، خاصةً إذا شعرت الحكومة بضغط من المواطنين والشركات لتنفيذ سياسات تخفيف الأعباء بعد التعافي العسير من الجائحة؛ في ظل إنتعاش خزائنها حاليًا من تدفق إيرادات صادرات “النفط”.

وكان ولي العهد، “محمد بن سلمان”، قد صرَّح في مقابلة أُجريت معه، في نيسان/إبريل 2021؛ أن ضريبة القيمة المضافة: “مؤقتة”؛ مما أدَّى إلى تزايد الضغوط عليه لإظهار الدعم لتطبيق تدابير التخفيف من أعباء المواطنين؛ وسيكون من الصعب التخلي عن الطابع ذي المنحى الاقتصادي الدوري للدول المصدرة لـ”النفط”، وخاصة الاقتصاد السعودي.

وتنوه الكاتبة إلى أن عام 2022 عمومًا؛ يجب أن يجلب معه بعض التخفيف من أعباء “السعودية” المالية، وإن كان بصورة مؤقتة ويظل التحدي الحقيقي متمثلًا في أن الاقتصاد العالمي لم يزل يتعافى من الجائحة، غير أنه أيضًا غير واضح إلى حد ما بشأن احتياجاته من الطاقة. ولا تُبشر آفاق تزايد معدلات التضخم، في شتى أنواع المنتجات، بالخير فيما يخص معدلات النمو أو فرص الحصول على رأس المال، مع احتمالية زيادة تكاليف الاقتراض لعديد من الدول، ومنها صادرات “النفط”.

وتُشير “يونغ” إلى أن قدرة الحكومات على التحلي بالمرونة في سياساتها المالية ومواصلة إلتزامها بالإصلاحات الضرورية، لا سيما حكومات الدول المصدرة لـ”النفط”؛ بشأن إصلاحات الدعم المالي في الطاقة والمياه وتحصيل الضرائب، ستزداد صعوبة. وقد لجأت “السعودية” إلى معالجة هذه المشكلة، أولًا: معايرة إنتاجها لـ”النفط” تدريجيًّا، مع الحرص على مراقبة العرض الزائد في الأسواق؛ في أواخر عام 2022. ثانيًا: تُركز “السعودية” تركيزًا شديدًا على توليد الإيرادات غير النفطية، ليس عن طريق تحصيل الضرائب فحسب، ولكن من خلال القدرة على جذب الاستثمار إلى مشروعات السياحة والطاقة المتجددة الجديدة كذلك.

وتختتم الكاتبة تحليلها بالقول إن جميع عوامل تقلبات أسواق الطاقة والتهديدات العالمية التي تُعيق آفاق النمو، سواء الناجمة عن الجائحة المتجددة ومتحوراتها، أو ضغوط التضخم المتزايدة، سيجعل عام 2022 يبدو حافلًا بالتحديات.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة