6 مارس، 2024 3:17 م
Search
Close this search box.

ظاهرة سرطانية .. زواج القاصرات من الشيوخ ينخر مجتمع الصعيد بجنوب مصر

Facebook
Twitter
LinkedIn

كتب – أيمن الجرادي :

زهرات صغيرات يختطفن من سن البراءة وتكوين الحلم.. ليتحولن بين ليلة وضحاها إلى ربات منازل مسؤولات عن شؤون كبيرة وثقيلة اخفها أطفال رضع، فيصبح المشهد الذي يتكرر حولنا باستمرار “أطفال يحملن أطفالاً” وأمهات بلا مقومات الأمومة الحقيقة.

ظاهرة “سرطانية”

ظاهرة تسللت مؤخراً إلى مجتمع الجنوب المصري “الصعيد”، وخاصة إلى داخل المناطق الريفية منه والشعبية الفقيرة، وهي زواج الفتيات القاصرات من المسنين والشيوخ بالاحتيال – في احيان كثيرة – على الإجراءات والقوانين الخاصة بتنظيم الأحوال المدنية والشخصية. مثيرة تلك الظاهرة الكثير من الجدل بقدر ما أثارته من التعجب من زواج فتيات يتراوح اعمارهن بين الـ15 و18 عاماً من أزواج في سن الـ50 و80 عاماً.

في البداية يؤكد المحامي المصري “محمد حسين”، والذى عمل على حل الكثير من المشكلات الناجمة عن مثل تلك الزيجات، في حديثه مع (كتابات)، على الكيفية التي يراها لمواجهة تلك الظاهرة، بوجوب فرض عقوبات مشددة على “المأذون” أو الموظف المختص الذي يقوم بتزويج الفتيات قبل السن القانونية، وضرورة وقفه عن مزاولة عمله بالإضافة إلى إيقاف المحامين ايضاً الذين يقومون بالمشاركة فى مثل تلك الزيجات، وشطب عضويتهم من جداول نقابة المحامين.

ويلتقط طرف الحديث مفتش آثار بمحافظة سوهاج “أيمن محمد ” 39عاماً، مقترحاً ضرورة توفير فرص تعليمية مناسبة وكاملة لجميع الفتيات وإلحاقهن ببرنامج “محو الأمية” لمن تسرب منهن من التعليم، والعمل على الحد من التسرب من التعليم ، “لان التعليم له تأثير كبير في تقليص تلك الظاهرة، وتوعية الوالدان بمخاطر زواج الفتيات المبكر وأثره على الفرد والمجتمع”.

اما الناقد الأدبي المصري الدكتور “محمد عبيد “، فيتساءل متعجباً: “كيف تواجه تلك الزوجات الصغيرات اللاتي لا يحسن التصرف فى كثير من الأحيان، مصاعب الحياة بعد وفاة أزواجهن، وخاصة لو ترك لهن ذرية بعد تلك الحياة القصيرة بينهن”، مؤكداً على ان تلك الحياة الأسرية غير المتكافئة قد ينتج عنها مشاكل أسرية ومجتمعية كبيرة قد تنتهي بالطلاق، وتزويد المجتمع بشاب غير سوى.

الفقر.. وإرضاء للوالدين

“سالمة علي” 19 عاماً، من أحدى قرى محافظة سوهاج، تروي لـ(كتابات) تجربتها، مؤكدة على انها تزوجت من رجل يدعى “حسن فاهم” 70 عاماً ، رغبة في إرضاء والديها، وعدم تقدم اي شاب مناسب يطلب الزواج منها، وايضاً نظراً لضيق حال أسرتها التي تعاني الفقر الشديد الذى يحيط بالأسرة، ورغبة منها فى الانتقال الى أي بيئة غير التى نشأت وترعرعت بها، حيث ترى أنها بيئة سيئة من كل الجوانب التى تحيط بها.

وتقول والدة سالمة وهي “بخيته. م” 55 عاماً، أنها زوجت ابنتها “أشجان” البالغة من العمر 19عاماً، لرجل يكبرها، لان “زواج البنت سترة كبيرة”، وكل أم تتمنى أن ترى أبنتها تنعم بالستر في بيت زوجها، موضحة بان ابنتها ليست على القدر المناسب من الجمال والحسن الذي يجذب إليها شاب مناسب مادياً وإجتماعياً، لذا ترى ان زواج ابنتها من رجل مسن يجعل ابنتها في وضع افضل كثيراً من عدم زواجها و”ستر عرضها”.

من جانبه يضيف أخيها “حسن. م” 33 عاماً، انه قبل بزواج شقيقته من رجل مسن للأسباب التى ذكرتها والدته، مشيراً إلى ان شقيقته غير متعلمة، وتلك نقيصة لا يرغبها كثير من الشباب فى الزواج، لان الشباب يرغب فى الإقتران بالفتيات المتعلمات، أو على الأقل من تجيد القرأة والكتابة، للمساعدة فى تعليم الأبناء بالمنزل.

العجز عن المشاعر الطبيعية

تحكي “هانم. ع” 60 عاماً، وتعيش بقرية “قاو النواورة” بمركز البدارى بجنوب محافظة أسيوط، والدة “هيام. ن” 18 عاماً، ان ابنتها تزوجت منذ عام ونصف من “همام. ح” 80 عاماً، يعيش بمركز طما، يعمل مقاول، وتعيش ابنتها حياة أسرية طبيعية فى بدايه حياتها، ولا توجد مشاكل إلا مشادات عابرة بين الزوجين، وذلك لعصبية الزوج المتزايدة، ولم تذهب إلى بيت أبيها غاضبة إلا مرة واحدة، ولكن الحال تبدل فى اوخر الأيام. لافتة إلى انها قبلت بهذا الزوج لإبنتها لانه ميسور الحال وغني صاحب ثروة وقادر على اسعاد ابنتها وتلبية جميع متطلباتها، وان ابنتها وافقت عليه بعد إقناعها به، بالاضافة لندرة من تقدم إليها للزواج من الشباب المناسب لها ولأسرتها، معلقة على ما آلت إليه ابنتها من حال بانه في النهاية “أي بنت ليس لها من الدنيا سوى بيت زوجها”.

وتشير “هانم. ع”، إلى ان فقدان زوجها وضع على عاتقها “حمل كبير لا تتحمله الجبال” على حد قولها، حيث لا هم لها سوى البحث عن ستر بناتها مثل بنات الجيران، حيث الأخت الصغرى لهيام تزوجت واصبح لديها بيت وأسرة، وان بقاء البنت ليس محبوب فى عادات القرية وتقاليد الصعيد المصري.

وبالتواصل مع ابنتها “هيام. ن” أكدت، لـ(كتابات)، على أنها تعيش حياة غير مستقرة، حيث بدأت تنشب المشاكل بينها وبين أبناء أسرتها الكبيرة، من زوجات ابناء زوجها وأحفاده، بالاضافة إلى انها تلقى أيضاً معاملة سيئة ومشاكل من ابنائه الكبار بسبب رغبتها في الإنجاب على عكس رغبتهم، مضيفة انها تفتقد بعض المشاعر التى لا يمكن لأحد ان يعوضها إياها إلا زوجها، زيعجز عنها لتقدمه في السن وعدم اعترافه بالمشاعر والأحاسيس والحب والرومانسية، لذا تحاول جاهدة ألا تفكر بها وتنتظم فى العبادات وقراءة القرآن الكريم.

يقر “السيد. ع” 52 عاماً، بانه قام بتزويج ابنته “سماح” 17 عاماً، لرجل يبلغ من العمر 62 عاماً. زاعماً بانه يتبع اقوال مشايخ ودعاة المساجد حينما قالوا له ان “السيدة عائشة تزوجت من النبى (ص) وهي عند التسعة سنوات”.. لذا فهو لا يرى في زواج ابنته وهي حالياً اكبر من 9 سنوات من رجل مسن لا يعيب أو يضر باحد.

مشيراً إلى انه وافق علي هذا الرجل المتقدم في العمر زوجاً لابنته نظراً لكونه ميسور الحال مادياً، وقادر على إعاشة ابنته عيشة كريمة رغدة في بيت مستقل بهما افضل كثيراً من منزله الذي شبهه بالخرابة، مثل جميع منازل الفقراء التي لا تصلح للسكن الأدمي، نظراً لكونها بنيت من الطوب الطيني والأبيض الجيري عديمة المرافق الاساسية من صرف صحي ومياه نقية للشرب والكهرباء تصلها بشكل عشوائي وغير مرخص.

ظل رجل.. ولا ظل حيطة

اما عن “سماح “، أحدى الزوجات القاصرات، فبادرت قائلة شعارها المحبب إليها “ظل رجل.. ولا ظل حيطة”، مضيفة في لا مبالاة بان اي وضع سيان لها كزوجة طالما تجد ما تأكله وما تشربه، على اعتبار ان كل أنسان له نصيب مقدر من هذه الدنيا لا ولن ينال غيره.

وبسؤال الأزواج عن سبب زواجهم من فتيات قصر، أكد جميعهم على أنهم رجال قادرون على المعيشة والتعايش، وقال بعض منهم انه تزوجها “لتقوم على خدمته وخدمة ابنائه.. وتربيتهم لظروف مرض زوجته السابقة”، أو اختلافهما، وأنهم رجال يستطيعون فتح أكثر من منزل والصرف عليها، وان الرجل لايعيبه شئ إلا جيبه وعدم مقدرته المالية، وانهم قادرون على الإنجاب ان رغبوا فى ذلك، وأكد كثير منهم على انه يتزوج من القاصرات رغبة منه فى المتعة والعيش حياة سعيدة .

يقول “الداخلى كاى” يعمل مدرس وأمام بمعهد ازهري، أن الأب يقوم بتزويج ابنته مبكراً ويقوم بتأمين تلك الزيجة من وجهة نظره بإيصالات امانة موقعة “على بياض” أو نظير مبالغ كبيرة، حتى يتم بلوغ الفتاة 18 عاماً ويعقد عليها رسمياً لدي الموظف المختص “المأذون” شرعاً، وهذا من وجهة نظري غير حسن وغير مقبول، وعلل ذلك بان طفلة تزوجت من مسن وقبل إتمامها السن القانونى توفى وكانت حامل، وبالتالي وقع أهلها فى مشكلة كبيرة، وحدثت أزمات كثيرة استمرت لسنوات طويلة، بين الفتاة وأهلها وبين أبناء زوجها الذى توفى، على الميراث وتسجيل المولود باسم من وغيرها من المشاكل، فلماذا نضع انفسنا فى مثل تلك المواقف ونظلم أبنائنا؟.. ونحرمهن من التعليم.

في السياق ذاته يعلق “فتحى عبد العال”، ويعمل مدرساً، “ان العادات والتقاليد السيئة والفقر الشديد، وزيادة عدد الفتيات، وقلة التعليم والثقافة لدى الكبير والصغير، تلك العوامل المنتشرة بصعيد مصر وخاصة بمحافظة سوهاج، من الأسباب الرئيسة وراء زواج القاصرات. حيث لا يستطيع أب مجاراة متطلبات أسرة مكونة من 9 أو 10 افراد وخاصة ان كان لا يمتلك دخل ثابت ومستقر، فيضطر فى أول فرصة إلى تزويج ابنته لتخفيف العبء عن كاهلة، ولتفسح الطريق لأخواتها من بعدها.

يلفت الدكتور “سامح عبدالمنعم ” طبيب أطفال بمستشفيات الشرطة محافظة سوهاج، إلى أنه قد يترتب على زواج القاصرات من المسنين  حالة من القلق والخوف ومشاعر الإحباط التي قد تؤدي إلى الانتحار لدى الفتاة، عوضاً عن كره الأهل والهروب والتمرد على قيم المجتمع، لأنها تشعر بأن المجتمع منافق قد تخلى عن أبسط مشاعر الإنسانية، بالإضافة إلى المخاطر الجسيمة والخطيرة التى قد تلحق بها نتيجة صغر سنها.

مضيفاً أن من أهم المشاكل التى تواجه تلك الفتيات، “العنف الجنسي والعلاقات غير الشرعية والإيذاء البدني وحرمانها من التعليم أو إستكماله وحرمانها من طفولتها بشكل طبيعي وانحراف بعضهن”، مما قد يؤدى إلى استغلالهن في أعمال منافية للآداب خاصة من سبق لهن الزواج وطلقن من خلال الاتجار بهن وممارسة الرذيلة، وفقد البعض منهم لحقوقهم الشرعية نتيجة لعدم توثيق الزواج بطريقة قانونية.

يقول “محمد عبد الرحمن” مأذون شرعى بمحافظة سوهاج، انه يجب معاقبة الأب الذى يقوم بتزويج ابنته قبل بلوغها السن القانونية، لأنه بذلك يهدر حقاً فى حياة أسرية سعيدة، ومتكافئة، بالإضافة الى المخاطر الصحية التى قد تلحق بهن فى بعض الأحيان، لعدم اكتمال نموهن.

كما ظهرت العديد من المنظمات الأهلية والحكومية في الآونة الأخيرة تطالب بمنع الزواج المبكر، ومعاقبة المسؤولين عن ذلك، وقد لاقت قبولاً شديداً بين أفراد المجتمع، حيث قالت “حسناء طاهر”باحثة بمؤسسة أصدقاء الشيخ عبد الله الخيرية بسوهاج، والمشرفة على مشروع المساهمة فى الحد من الزواج المبكر بالمؤسسة، ان المشروع لاقى قبولاً واستجابة عالية من المواطنين، حيث تم تثقيف الأمهات وأبنائهن من مخاطر الزواج المبكر والغير متوافق مع الآخرين، “وتم بالفعل إيقاف العديد من حالات الزواج المبكر قبل إتمام الزواج”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب