خاص : كتبت – نشوى الحفني :
يبدو أن الأمر يزداد تعقيدًا على الجوانب المختلفة بين “أميركا” و”إيران”، وإن كان التصعيد العسكري بات أكثر هدوءًا بعد تنفيذ ضربتيهما، حيث تلجأ الأولى إلى طرق أخرى للحصول على هدفها، فأوصلت “طهران”، أمس، إلى انتقاد الخطوة الأوروبية بتفعيل “آلية فض النزاع”، التي تفتح الباب على نهاية القرار (2231)؛ وإعادة العقوبات الأممية على “طهران”.
وأقر الرئيس الإيراني، “حسن روحاني”، اليوم، بتوسيع بلاده معدلات تخصيب (اليورانيوم) بما يفوق “الاتفاق النووي”، رافضًا مقترحًا بريطانيًا لإبرام اتفاق جديد، أُطلق عليه اسم “اتفاق ترامب”، بهدف حل النزاع النووي، وصرح بأن عرض رئيس الوزراء البريطاني، “بوريس غونسون”، غريب، قبل أن ينتقد الرئيس الأميركي، “دونالد ترمب”، واصفًا إياه بأنه: “دائم النكوص عن تعهداته”.
وأوضح “روحاني” أن الجندي الأميركي اليوم في المنطقة “يعيش حالة اللاأمن، ومن الممكن أن يعيش الجندي الأوروبي أيضًا حالة اللاأمن في المنطقة غدًا”.
وقال مخاطبًا، “الولايات المتحدة” وحلفاءها الأوروبيين: “نريد أن ترحلوا عن المنطقة، طبعًا ليس عبر الحرب، نريد رحيلاً عقلانيًا من المنطقة. إنه في صالحكم”.
“اتفاق ترامب”..
وكان رئيس الوزراء البريطاني، “بوريس غونسون”، قد دعا، أول من أمس، إلى تأييد خطة الرئيس الأميركي، “دونالد ترمب”، لصياغة اتفاق جديد يحل محل “الاتفاق النووي”، المبرم عام 2015، لضمان عدم إمتلاك “إيران” سلاحًا نوويًا.
وبعد ساعات؛ قال “ترامب” إنه اتفق مع “غونسون” على أن “اتفاق ترامب”، ينبغي أن يحل محل “الاتفاق النووي”. وكتب في تغريدة على (تويتر): “رئيس وزراء المملكة المتحدة، بوريس غونسون، قال: علينا أن نبدل الاتفاق النووي بـ (اتفاق ترامب) … أنا موافق !”.
وانتقد “روحاني”، الأوروبيين، لعدم وقوفهم في وجه “ترامب”. وتتهمهم “إيران” بالنكوص عن تعهداتهم بإيجاد سبيل للتحايل على “العقوبات الأميركية”.
وطالب الرئيس الإيراني، خلال اجتماع الحكومة الإيرانية، “واشنطن”، بالعودة إلى “الاتفاق النووي”، الذي انسحبت منه في 2018.
وقال: “لا أعلم كيف يفكر السيد رئيس الوزراء هذا في لندن … يقول دعونا نترك الاتفاق النووي ونفعّل (خطة ترامب)”. وتابع: “إذا إتخذتم الخطوة الخطأ فسوف تضركم. اختاروا الطريق الصحيحة. الطريق الصحيحة هي العودة إلى الاتفاق النووي”.
تمارس سياسة “الضغط القصوى”..
ويدعو الاتفاق إلى رفع العقوبات الدولية المفروضة على “إيران” مقابل الحد من برنامجها النووي. وأعادت “واشنطن”، منذ انسحابها من الاتفاق، فرض عقوبات لوقف صادرات “إيران” النفطية في إطار سياسة “الضغوط القصوى”. وتقول “الولايات المتحدة” إن هدفها هو إجبار “طهران” على قبول اتفاق أشمل يضع قيودًا أكبر على نشاطها النووي، ويقلص برنامجها للصواريخ (الباليستية)، ويُنهي حروبها بالوكالة في المنطقة.
وأخذت “إيران”، منذ آيار/مايو من العام الماضي، خطوات تدريجية للتراجع عن إلتزاماتها بموجب الاتفاق في إطار الانسحاب التدريجي من “الاتفاق النووي”، مما دفع “بريطانيا وفرنسا وألمانيا” إلى تفعيل بند “آلية فض النزاع”، بعد أشهر من مطالبة “إيران” بوقف إنتهاكاتها لـ”الاتفاق النووي”.
ويأتي هذا التصعيد، في الدبلوماسية النووية، في وقت بلغت فيه المواجهة العسكرية بين “واشنطن” و”طهران” ذروة جديدة. وقتلت “الولايات المتحدة” المسؤول الأول عن عمليات “إيران” الاستخباراتية والعسكرية، “قاسم سليماني”، بضربة جوية بطائرة مُسيرة في “بغداد”، في 3 كانون ثان/يناير الحالي، وردّت “طهران”، قبل أسبوع، بضربات صاروخية على أهداف أميركية بـ”العراق”. ولم يُصب أي أميركي في هذه الضربات.
زعزعة الأمن بالشرق الأوسط..
وألقى “روحاني” باللوم على “الولايات المتحدة” وحلفائها؛ في “زعزعة الأمن” بالشرق الأوسط. وقال إن من بين “أخطاء” الولايات المتحدة “قتل سليماني والتدخلات في العراق واليمن، وقرارها الانسحاب من الاتفاق النووي وفرض عقوبات على صادرات النفط الإيرانية”.
وأضاف: “نقول للجميع: التوتر الأمني في المنطقة ليس في صالح العالم … ليس في صالح أوروبا، وليس في صالح آسيا”.
أوروبا تتعرض لتنمر واشنطن..
بدوره؛ قال وزير الخارجية الإيراني، “محمد جواد ظريف”، الذي بدا غاضبًا من الخطوة الأوروبية، إن “الاتفاق النووي” ما زال قائمًا، متهمًا القوى الأوروبية بإنتهاك الاتفاق، مضيفًا أن “أوروبا” تتعرض لـ”تنمّر” واشنطن.
وصرح “ظريف”، للصحافيين في “نيودلهي”؛ بأن الأوروبيين “لا يشترون النفط منا، وانسحبت جميع شركاتهم من إيران، ولذلك فإن أوروبا تنتهك” الاتفاق، الذي أكد أن مستقبله “يعتمد على أوروبا”، مضيفًا أن “الاتحاد الأوروبي” هو “أكبر اقتصاد في العالم. فلماذا تسمحون للولايات المتحدة بأن تتنمر عليكم ؟”.
وتعليقًا على مقترح بريطاني لاستبدال “الاتفاق النووي”، قال إن: “الولايات المتحدة لم تُنفذ إلتزاماتها، (بموجب الاتفاق القائم) … ثم انسحبت منه. لدينا اتفاق أميركي إنتهكته الولايات المتحدة. إذا أصبح لدينا اتفاق يبرمه ترامب، فإلى أي مدى يمكن أن يستمر، 10 شهور أخرى … ؟”.
وقال “ظريف” إنه سيرد على خطاب من الدول الأوروبية الثلاث بشأن تفعيل “آلية فض النزاع”.
وتابع أن إيران “مهتمة بالدبلوماسية، ولكن ليس بالتفاوض مع الولايات المتحدة”، منوهًا بأن الاتفاق القائم “من أفضل الاتفاقات” التي يمكن تصورها.
وفي السياق نفسه؛ قال “ظريف”، لوكالة (رويترز)، على هامش مؤتمر في “نيودلهي”: “لا. لم يمت … لم يمت”.
تهديد أميركي بفرض رسوم جمركية..
حول هذا؛ ذكرت صحيفة (واشنطن بوست) الأميركية، أمس الأربعاء، أن إدارة “ترامب” هددت بفرض رسوم جمركية على واردات السيارات من “أوروبا”؛ إذا لم تتهم “بريطانيا وفرنسا وألمانيا” رسميًا، “إيران”، بخرق “الاتفاق النووي”، الموقع في 2015.
وكانت قد أعلنت “فرنسا وبريطانيا وألمانيا”، الثلاثاء، أنها قامت رسميًا بتفعيل “آلية فض النزاع”، المنصوص عليها في “الاتفاق النووي” مع “إيران”، وهو ما يرقى إلى اتهام رسمي بحق “طهران” بخرق بنوده.
وقالت الدول الأوروبية إنها تحركت لتفادي حدوث أزمة بشأن الانتشار النووي؛ مما يزيد مواجهة متصاعدة في الشرق الأوسط.
وذكرت “روسيا”، وهي دولة أخرى موقعة على “الاتفاق النووي”، أنها لا ترى وجود أساس لتفعيل “آلية فض المنازعات”، الواردة في الاتفاق، ورفضت “إيران” هذه الخطوة بوصفها: “خطأ تاريخيًا”.
وأشارت الدول الثلاث إلى أنها لا تزال تريد نجاح “الاتفاق النووي” مع “إيران”؛ ولم تنضم إلى حملة “الضغط الأقصى”، التي تُشنها “الولايات المتحدة”، التي انسحبت من الاتفاق، في 2018، وأعادت فرض عقوبات اقتصادية على “طهران”.
لدفع إيران للتمسك بإلتزاماتها النووية..
فيما يقول مفوض “الاتحاد الأوروبي” للسياسة الخارجية، “جوزيب بوريل”؛ أنه يجب إيجاد سُبل لدفع “إيران” مجددًا للتمسك بإلتزاماتها في “الاتفاقية النووية”. ويأمل “بوريل” أنه من خلال تفعيل آلية التحكيم المنصوص عليها في الاتفاقية؛ أن ينفتح الباب أمام نقاشات جديدة مع الحكومة في “طهران”.
والتصريحات الأخيرة في “طهران” لإتخاذ الخطوة الأخيرة للخروج من الاتفاقية النووية، “مثيرة للقلق”، كما قال “بوريل” أمام “البرلمان الأوروبي”. وأوضح أن: “الأمر لا يتعلق بالنسبة إلينا بعقوبات”، فالأوروبيون يريدون فقط التوصل إلى حلول لتحريك البلاد من أجل العودة إلى إلتزاماتها. وهنا يرتبط الأمر بعدد أجهزة الطرد المركزي التي يتم بها تخصيب (اليورانيوم) وكثافة التخصيب وكمية (اليورانيوم) التي يحق تخزينها؛ وقد تنصلت “إيران” من جميع هذه الإلتزامات. وقبل الاجتماع الخاص لوزراء خارجية “الاتحاد الأوروبي”، يوم الجمعة الماضي، أعلن وزير الخارجية الفرنسي، “جان إيف لودريان”، أن “إيران”، في ظل هذه الظروف؛ بإمكانها في غضون سنة أو سنتين إمتلاك المواد النووية اللازمة لإنتاج أسلحة نووية.