وكالات – كتابات :
يسعى “الاتحاد الأوروبي” لتقريب المواقف بين “إيران” و”الولايات المتحدة” بهدف العودة إلى “الاتفاق النووي” الأصلي، فماذا تعني تلك العودة المحتملة لأسعار النفط العالمية ؟
كانت أسعار النفط قد أخذت في الارتفاع بصورة متسارعة منذ مطلع العام الجاري، ثم قفزت قرب: 140 دولارًا للبرميل مع بدء الهجوم الروسي على “أوكرانيا”؛ يوم 24 شباط/فبراير الماضي، الذي تصفه “موسكو” بأنه: “عملية عسكرية خاصة”، بينما يصفه الغرب بأنه: “غزو”.
ومع فرض العقوبات على “روسيا”، والحديث عن ضرورة حرمان “موسكو” من عائداتها الضخمة من تصدير “الغاز والنفط”، ارتفعت المخاوف عالميًا من أن تتخطى أسعار برميل “النفط” حاجز: الـ 200 دولار، بل تحدث مسؤولون وخبراء طاقة أن الأسعار قد تصل إلى: 300 دولار للبرميل.
من جانبها؛ سعت إدارة الرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، إلى إقناع كبار مُنّتجي النفط، وبخاصة “السعودية”، لكنها فشلت، مع استمرار الطلب على النفط والغاز في الارتفاع بعد عودة النشاط الاقتصادي إلى مستويات ما قبل جائحة (كورونا)، التي كانت قد أطاحت بأسعار النفط تمامًا قبل نحو عامين.
أين وصلت مفاوضات إحياء “الاتفاق النووي” ؟
على مدى أكثر من 16 شهرًا، سعت إدارة “بايدن” إلى إعادة إحياء “الاتفاق النووي”، الذي كان الرئيس السابق؛ “دونالد ترامب”، قد انسحب منه عام 2018. وأجريت جولات متعددة من المفاوضات في “فيينا”، بحضور جميع أطراف الاتفاق الموقع عام 2015، وهي: “إيران والولايات المتحدة والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا”، دون أن يكون هناك تفاوض مباشر بين الإيرانيين والأميركيين.
لكن المفاوضات لم تؤدِّ إلى نتيجة، في ظل تمسك “طهران” بأن تُقدم “واشنطن” ضمانات بأن ما فعله “ترامب”؛ (الانسحاب من الاتفاق)، لن يتكرر، ورفض الإدارة الأميركية تقديم تلك الضمانات، أو عدم قدرتها على ذلك، فحتى يأخذ “الاتفاق النووي” شكل المعاهدة الدولية لابد أن يُصدق عليه “الكونغرس”، وهو أمر مستحيل بسبب الانقسام الحزبي في “الولايات المتحدة”، وعدم امتلاك حزب “بايدن” الديمقراطي أغلبية كافية للتصديق منفردًا على الاتفاق، بعيدًا عن دعم الجمهوريين. لكن هناك تفاصيل أخرى كثيرة ومتشعبة، منها ما يتعلق بطلبات “إيران” الأخرى كرفع (الحرس الثوري) من قائمة الإرهاب الأميركية، وهو ما ترفضه إدارة “بايدن”.
شهدت الأسابيع الأخيرة، على أية حال، تقديم “الاتحاد الأوروبي” لمشروع اتفاق يقوم بالأساس على الرجوع مباشرة إلى الاتفاق الأصلي الذي انسحب منه “ترامب”، وأبدت “طهران” انفتاحًا على المقترح الأوروبي وتدرسه إدارة “بايدن”.
ونشرت وكالة (بلومبيرغ) الأميركية تقريرًا عنوانه: “ما الذي سيُعنيه الاتفاق النووي الإيراني بالنسبة لأسواق النفط ؟”، يرصد كيف أدت المحاولة الأخيرة من جانب “أوروبا”؛ لإحياء “الاتفاق النووي” الإيراني، إلى إثارة التكهنات حول احتمالية غمر الأسواق العالمية بملايين البراميل النفطية. وربما تكون العودة سريعةً بناءً على السوابق التاريخية لـ”طهران” في العودة إلى الأسواق.
وفي حال التوصل إلى اتفاق بالفعل، فسوف تعمل “إيران” على زيادة مبيعاتها من “النفط” سريعًا في غضون أشهر، لترتفع إمداداتها بمئات الآلاف من البراميل قبل أيامٍ من نهاية العام، وذلك وفقًا لـ”وكالة الطاقة الدولية”. مما قد يُساعد في تخفيف الاختناق عن السوق العالمية، التي تُعاني بالفعل نتيجة الهجوم الروسي على “أوكرانيا”.
كان إنتاج الخام الإيراني قد عاد بسرعة أكبر وأكثر اكتمالاً من توقعات المحللين، وذلك بعد تخفيف العقوبات الأممية والأميركية في أعقاب توقيع “الاتفاق النووي” عام 2015. ومن المحتمل أن يتكرر الأمر مرةً أخرى في غياب أي أدلة على تضرر الحقول أو المنشآت النفطية. كما تمتلك الدولة الفارسية قرابة الـ 100 مليون برميل من “النفط الخام”، ومتكثف “الغاز” في المخازن بحسب التقديرات، ويمكن إطلاق هذه الكمية في الأسواق بشكلٍ شبه فوري.
مخزون من “النفط” لدى “إيران”..
كانت “طهران” قد ردت خلال الأسبوع الجاري؛ على مقترحٍ “نهائي” بإعادة إحياء اتفاق عام 2015، بينما يتشاور “الاتحاد الأوروبي”؛ حاليًا، مع “الولايات المتحدة” حول: “سُبل إحراز التقدم”. إذ يُنظر إلى المسودة باعتبارها آخر بارقة أمل لإنقاذ الاتفاق، حيث تستهدف تقييد النشاط النووي الإيراني في مقابل تخفيف العقوبات، بما في ذلك العقوبات النفطية.
ويُمثل الخام المخزن بالفعل لدى “طهران” ما يتراوح بين: 40 مليون؛ و45 مليون برميل، من أصل: الـ 100 مليون برميل الموجودة في المخازن، بينما يُمثل متكثف “الغاز” بقية الكمية. وأوضحت “إيمان ناصري”، المديرة الإدارية لشركة استشارات الطاقة (FGE)، لوكالة (بلومبيرغ) الأميركية؛ أن متكثف الغاز هو عبارة عن نفط خفيف يجري ضخه مع الغاز.
وبمجرد الإفراج عن مخزون النفط، سيكمن التحدي الأكبر في إعادة إحياء حقول النفط الخاملة وترتيبات العقود، والسفن، والتأمين اللازمة لشحن تلك البراميل. لكن “إيران” واصلت الحفاظ على العديد من حقولها النفطية – وعلاقات العملاء الأساسيين – خلال سنوات إبعادها عن التجارة العالمية.
وأوضحت “إيمان” أن “إيران” تستطيع زيادة إنتاجها بمقدار: 900 ألف برميل يوميًا في غضون ثلاثة أشهر من تخفيف العقوبات، وربما تصل إلى قدرة ضخها الكلية بواقع نحو: 3.7 مليون برميل في غضون ستة أشهر.
وتُنتج “إيران” حاليًا نحو: 2.5 برميل من الخام يوميًا؛ وفقًا لبيانات وكالة (بلومبيرغ) الأميركية. واستغرقت نحو ثلاثة أشهر فقط بعد اتفاق عام 2015 حتى تتمكن من زيادة إنتاجها بمقدار: 700 ألف برميل يوميًا، ثم استعادت قدرة إنتاجها بالكامل في غضون عام. لكن هذه الترتيبات إنهارت بعد انسحاب؛ “دونالد ترامب”، من الاتفاق عام 2018.
وسيُراقب الجميع عن قرب مدى سرعة عودة “نفط طهران” مرةً أخرى، في ظل انتعاش الطلب على النفط بعد الجائحة، وتخلي العديد من المشترين عن إمدادات النفط الروسية، ومعاناة غالبية الدول الأعضاء في (أوبك+) من أجل زيادة الإنتاج.
ماذا يعني ذلك لأسعار النفط ؟
لا شك أن احتمالية العودة السريعة للإمدادات الإيرانية ساعدت في الحفاظ على سعر خام “برنت” القياسي تحت مستوى: الـ 100 دولار للبرميل خلال الشهر الجاري، وهو المستوى الذي تجاوزه البرميل كثيرًا منذ بداية الحرب الأوكرانية؛ في شباط/فبراير 2022.
فأسعار النفط هشة للغاية وتتأثر، أكثر من غيرها، بالأحداث عمومًا، وخاصة الحروب والاضطرابات والكوارث الطبيعية التي يحتمل أن تتسبب في اضطراب الإنتاج أو طرق الشحن.
وخلال الأيام القليلة الماضية، انخفضت أسعار “النفط” إلى أدنى مستوى لها في ستة أشهر، إذ طغت المخاوف من احتمال حدوث ركود عالمي من شأنه أن يُضعف الطلب على تقرير أظهر انخفاض مخزونات النفط الخام والبنزين في “الولايات المتحدة”.
وانخفضت العقود الآجلة لخام “برنت”: 44 سنتًا، أو 0.5%، إلى: 91.90 دولار للبرميل بحلول الساعة 0815 بتوقيت غرينتش، الأربعاء 17 آب/أغسطس. وكانت انخفضت في وقت سابق إلى أدنى مستوى لها منذ شباط/فبراير؛ عند: 91.64 دولار للبرميل. وتراجعت العقود الآجلة لخام “غرب تكساس الوسيط”: تسعة سنتات، أو 0.1%، إلى: 86.44 دولار للبرميل.
“ستيفن برينوك”؛ من (بي. في. إم) للسمسرة في النفط، قال لـ (رويترز): “سوق النفط تُكافح للتخلص من مخاوف الركود، وليس هناك ما يُشير إلى أن هذا سيتغير في أي وقت قريب”.
ونالت الأسعار؛ في وقتٍ سابق، دعمًا من تقرير أظهر انخفاض مخزونات الخام والوقود الأميركية. وقالت مصادر مستندة إلى أرقام “معهد البترول الأميركي”؛ الثلاثاء 16 آب/أغسطس، إن مخزونات الخام تراجعت بنحو: 448 ألف برميل والبنزين بنحو: 4.5 مليون برميل. وتصدر بيانات المخزونات الرسمية من إدارة معلومات الطاقة في الساعة: 1430 بتوقيت غرينتش.
وخلال العام الجاري، ارتفع النفط ليقترب من أعلى مستوى له على الإطلاق عند: 147 دولارًا في آذار/مارس؛ بعد الهجوم الروسي على “أوكرانيا”، مما أدى إلى تفاقم المخاوف بشأن الإمدادات. وانخفضت الأسعار منذ ذلك الحين مع تلاشي هذه المخاوف بفعل احتمالية حدوث ركود.
وقال “كريغ إيرلام”، من شركة (أواندا) للسمسرة؛ لـ (رويترز): “هناك مخاطر نزولية متزايدة نتيجة لتوقعات النمو وعدم اليقين المستمر بشأن القيود التي تفرضها الصين لاحتواء تفشي (كوفيد-19)”.
وفي الوقت نفسه، يتابع السوق عن كثب محادثات إحياء “الاتفاق النووي” الإيراني المُبّرم مع القوى العالمية عام 2015. وقد يؤدي التوصل إلى الاتفاق في هذا الخصوص إلى زيادة صادرات النفط الإيرانية.
لكن المحادثات بين القوى العالمية تتواصل للشهر: الـ 18 على التوالي تقريبًا. إذ تعثرت المحادثات في مختلف المراحل نتيجة الخلافات السياسية حول عقوبات الإرهاب، ومطالبات “إيران” بضمانات ألا تتخلى “الولايات المتحدة” عن الاتفاق مرةً أخرى، والهجوم الروسي على “أوكرانيا”، والتفتيشات النووية. ولهذا لا تزال إعادة إحياء الاتفاقية أمرًا غير مؤكد على الإطلاق.