إن كنت نازحاً من إحدى المحافظات الساخنة نحو بغداد فلن تشعر بالجوع، فالكثير من محلات الخبز رفعت لافتات على واجهاتها كتبت عليها “الخبز مجاناً لمن لا يملك ثمنه”. أمام أحد المخابز في حي الجامعة وقفت طوابير الناس تنتظر خروج الخبز الساخن من التنور فيما كانت يد الخباز تتحرك بخفة مذهلة لفرد بعض كرات العجين المتراكمة أمامه ووضعها في التنور الساخن المحاط باللهب.
وبين المصطفين في طابور انتظار شراء الخبز تقف إمرأة ترتدي ملابس رثة تبدو عليها ملامح التعب جمعت عشرة أرغفة من الخبز في كيس صغير وتلفظت بكلمات الشكر لأصحاب المخبز دون أن ينتبه الواقفون في الطابور إلى الأمر.
تقول أم عبدالله بعد خروجها من الطابور “نحن من نازحي محافظة الأنبار، ولجأنا إلى هذه المنطقة لأن أقاربنا هنا”. وتضيف “لا نملك سعر الخبز، لكن توفير ثمنه سيمكننا من شراء أمور أخرى نحتاجها وقد لا نجدها مجاناً”.
واعتاد حسن محمد صاحب المخبز أن يرى بعض الأشخاص وهم يتقدمون لأخذ عدد من الأرغفة دون دفع ثمنها في مشهد يتكرر كثيراً أمام عينيه.
يقول حسن “الكثيرون من الناس يأتون هنا لأخذ الخبز مجاناً لاسيما في شهر رمضان، فالفقراء كثيرون والنازحون أكثر”، بحسب ما نقل عنه موقع نقاش الاخباري. ويضيف “في سنوات عملي في المخابز كنت أرى أصحاب المخابز وهم يقومون بتقديم الخبز مجانا للفقراء واليوم هناك الكثيرون ممن لا يملكون سعر الخبز لاسيما النازحون ولذلك قمت بتعليق لافتة على الفرن ليتمكن هؤلاء من الحصول على الخبز”.
هذه اللافتة شجعت الكثير من أهالي المنطقة على دعم مبادرة أصحاب المخبز، فالبعض يشتري الخبز الإضافي ليتركه في جانب خاص من المحل ليتسنى للمحتاجين أخذه دون ثمن، في حين يلجأ البعض الآخر إلى شراء الخبز وأخذه إلى أسر نازحة أو محتاجة.
يقول أبومحمد “أشتري بألف دينار لأسرتي.. وبألف آخر لأسرة نازحة تقطن في الجوار”. ويضيف ان “أهالي المنطقة اعتادوا على تقديم ما يمكن تقديمه لإخوانهم النازحين من مناطق المحافظات التي تشهد توترات أمنية وعمليات عسكرية”.
لا تقتصر هذه المبادرة على صاحب هذا المخبز أو المخابز الأخرى بصورة عامة ،إذ أن من يتجول في شوارع العاصمة بغداد وأحيائها يسمع الكثير عن المبادرات المشابهة.
ففي حي السيدية قام محل صغير للحلاقة الرجالية بوضع لافتة كتب عليها (الحلاقة بخمسة آلاف دينار للضيوف) في إشارة إلى ضيوف الحي من النازحين وهو نصف الثمن الذي يتقاضاه مقابل الزبائن اليوميين.
يقول أحمد سعد العامل في محل الحلاقة “لا يوجد شيء نستطيع تقديمه للنازحين في منطقتنا سوى هذا الأمر، لأننا لا نستطيع تقديم المال لهم بسبب محدودية دخلنا، لكن عندما نقوم بهكذا أمر فهو مساعدة بسيطة لهم وهو أيضا مساعدة لنا إذ أنه عمل إضافي نقوم به مقابل أجور أقل”.
وفي جامع عمر المختار في منطقة اليرموك ببغداد أطلق إمام الجامع مبادرة لجمع التبرعات وتوزيعها على النازحين.
داخل الجامع هناك أعداد كبيرة من صناديق المواد الغذائية الجافة وأكياس الفرشات والأغطية وبعض المواد الكهربائية التي لا تزال بحالة جيدة كالمبردات الهوائية والمراوح والثلاجات وغيرها، فضلا عن صندوق لجمع التبرعات المالية وآخر للأدوية الفائضة عن الحاجة.
يقول محمد إبراهيم أحد العاملين في هذه المبادرة “نقوم بتوزيع المساعدات بشكل يومي منذ وقت الضحى وحتى وقت صلاة العشاء”.
ويضيف إبراهيم “يأتي هنا المئات يومياً من النازحين، بعضهم من المحافظات التي تشهد أزمة أمنية مثل ديالى والأنبار ونينوى وصلاح الدين وكركوك وبابل والبعض الآخر من النازحين السوريين الذين استقروا في هذه المنطقة أو مناطق مجاورة.
يقول عبد الكريم العاني وهو نازح من الأنبار “نأتي هنا لأخذ وجبات الطعام بشكل يومي كما أننا وعدد كبير من الأسر النازحة تمكنا من توفير مستلزمات الحياة اليومية كالأثاث والدواء نتيجة هذه المبادرة”.
في مكان آخر من المنطقة ذاتها يقوم الحاج جمال الجبوري وهو صاحب شركة أهلية للحج والعمرة بجمع التبرعات لإغاثة النازحين سواء من العراقيين أو من السوريين.
يقول الجبوري “لا يكلفني الأمر شيئاً سوى وضع هذا الصندوق المخصص لجمع التبرعات للنازحين فيما يقوم زبائننا بوضع مبالغ مالية مهما كانت صغيرة أو كبيرة فهي في جميع الأحوال تمثل مساعدة كبيرة لمن يحتاجها”. ويضيف ” نعرف عائلات كثيرة نزحت إلى هذه المنطقة ولدينا شخص قائم على هذا الأمر يوزع المبالغ المالية على هذه الأسر حسب احتياجاتها”.
وتؤكد بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) إن أعداد النازحين في العراق بلغت خلال حزيران/يونيو الماضي أكثر من مليون نازح بسبب الأوضاع الأمنية الراهنة، خصصت الحكومة المركزية والحكومات المحلية لهم مبالغ مالية ومساعدات عينية ومادية.