خاص : كتبت – نشوى الحفني :
متاهة جديدة تقف عائقًا أمام إمكانية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، فيبدو أن الاجتماعات الأخيرة، التي شهدها منزل زعيم تيار (الحكمة) في العراق، “عمار الحكيم”، مؤخرًا، بين قادة الكُتل الشيعية وبرئاسة رئيس الحكومة المُكلف، “عدنان الزرفي”، أثارت جدلًا واسعًا، حيث أعلنت تلك الكُتل صراحة رفضها تكليف “الزرفي”، مُعللة ذلك بآلية اختياره من قِبل رئيس الجمهورية، “برهم صالح”.
ولم تكن نتائج الاجتماعات بمستوى طموحات الجهات الرافضة للتكليف الجديد، ولم يُصدر عن المجتمعين بيان واضح لموقفهم من الرئيس المُكلف، وسط طموحات بأن يُعلن عن الإعتذار قريبًا.
إلا أن “الزرفي”، المُكلف، بدوره اعتبر أن ردود الأفعال هذه بخطوة لم يُقدم عليها المرشح السابق لتشكيل الحكومة، “محمد توفيق علاوي”، تتمثل بعقد “الزرفي” مشاورات علنية مع جهات خارجية وداخلية، بانتظار إتخاذ الكُتل الشيعية موقفًا حاسمًا للموافقة على تمريره تحت قبة “مجلس النواب” العراقي.
دعم أممي..
وكان “الزرفي” قد عقد، بعد تكليفه من قِبل رئيس الجمهورية، “برهم صالح”، لقاء مع ممثلة “الأمم المتحدة” في العراق، “جينين بلاسخارت”، التي أكدت على أهمية تشكيل حكومة عراقية، في خطوة فسرها البعض على أن “الزرفي” تلقى دعمًا أمميًا، كما التقى المُكلف بتشكيل الحكومة، السفيرين المصري والكويتي، إضافة إلى لقاء جمعه مع وزير المالية في الحكومة الاتحادية، “فؤاد حسين”، والتي اعتبرها البعض تمهيدًا للقاءات مُقبلة مع “الحزب الديمقراطي الكُردستاني”.
الكُتل تتفق على الرفض..
وكانت الكُتل الشيعية قد اتفقت، الجمعة الماضي، على تشكيل لجنة لتبليغ رئيس الجمهورية، “برهم صالح”، رفض رئيس الوزراء المُكلف، “عدنان الزرفي”، وذلك بحسب ما أفاد مصدر سياسي لوسائل إعلام محلية.
وأضاف أنه تم الاتفاق، بعد إنتهاء الاجتماع في منزل “الحكيم”، على تشكيل لجنة سباعية لتبليغ رئيس الجمهورية، “برهم صالح”، برفض تكليف “عدنان الزرفي” بتشكيل الحكومة وانتخاب آخر بدلًا منه.
تباين ردود الأفعال..
يُذكر أن كُتلة (تحالف القوى العراقية)؛ الذي يرأسه رئيس البرلمان العراقي، “محمد الحلبوسي”، كانت قد رحبت بتكليف “الزرفي” رئيسًا للوزراء، معتبرة أن الزرفي: “يعي جيدًا” ما يحتاجه “العراق” بحكم تجاربه السابقة.
فيما فضل تحالف (سائرون)، الحياد، حيث قال إن رئيس الوزراء المُكلف مُطالب بإقناع القوى السياسية برؤيته في تقديم البرنامج الحكومي. أي أن التحالف لم يُرحب ولم يرفض.
بينما رفض تحالف (الفتح)؛ بقيادة “هادي العامري”، التكليف واعتبر الخطوة التي قام بها رئيس الجمهورية بتكليف الزرفي: “غير دستورية”.
ملفات شائكة بانتظاره..
يُذكر أيضًا أن تكليف “الزرفي”؛ جاء بعد إعتذار “محمد توفيق علاوي”، عن تشكيل الحكومة، وتعذر إيجاد توافق سياسي في “البرلمان العراقي” المُنقسم، حيث لا تزال حكومة “عادل عبدالمهدي”، المستقيل منذ كانون أول/ديسمبر الماضي، مستمرة بتصريف الأعمال.
و”الزرفي”؛ مسؤول سابق في الإدارات التي تتابعت على “العراق”، منذ 2003، بعد الإطاحة بنظام “صدام حسين”. كما يتزعم (ائتلاف النصر)، في البرلمان، الذي ينتمي له رئيس الوزراء السابق، “حيدر العبادي”.
ومن المفترض أن تنتظر “الزرفي” ملفات شائكة عدة، فهو يملك 30 يومًا لتشكيل الحكومة ونيل ثقة البرلمان، وبعدها عليه تنظيم انتخابات نيابية مبكرة، وتمرير موازنة يتوقّع أن تكون بعجز كبير جدًا، والأهم من ذلك قص أجنحة الميليشيا الإيرانية التي باتت تتحكم بمفاصل حساسة في الدولة العراقية، والتي كانت واحدة من أهم الأسباب التي أدت لإندلاع احتجاجات شعبية واسعة في العاصمة، “بغداد”، ومحافظات الوسط والجنوب، منذ تشرين أول/أكتوبر الماضي، مطالبة بحل البرلمان، وتعديل الدستور، وإلغاء المحاصصة الطائفية، وإقامة انتخابات نيابية مبكرة لاختيار مرشح يُقدم من الشعب حصرًا، وطبعًا إلغاء هيمنة النفوذ الإيراني على البلاد.
ضربتين موجعتين للنفوذ الإيراني..
تزامنًا مع تلك التجاذبات السياسية، يرى مراقبون ومحللون أن شبكة نفوذ “إيران” في “العراق” تعرضت لضربتين موجعتين مؤخرًا؛ بعد أن أعلنت أربعة فصائل شيعية رئيسة انسحابها من وحدات (الحشد الشعبي)، المدعومة من “إيران”.
ويُشير تقرير نشره “معهد أبحاث الشرق الأوسط للإعلام”، ومقره “واشنطن”؛ إلى أن هاتين الضربتين لوكلاء “إيران”، في “العراق”، جاءتا في وقت لم يتعافوا فيه بعد ضربة قاصمة تعرضوا لها مطلع هذا العام بخسارة قائد (فيلق القدس)، “قاسم سليماني”، ونائب رئيس هيئة (الحشد)، “أبومهدي المهندس”، في ضربة أميركية قرب “مطار بغداد”.
خلافات داخلية واعتراض على تزايد نفوذ إيران..
ووفقًا للتقرير؛ فإن سبب انسحاب الفصائل الأربعة، وهي كل من (لواء أنصار المرجعية) و(لواء علي الأكبر) و(فرقة العباس) القتالية وتشكيلات (فرقة الإمام علي) القتالية، يعود إلى خلافات داخلية واعتراضهم على تزايد نفوذ “إيران” داخل هيئة (الحشد الشعبي).
يُضيف التقرير؛ أنه في 18 آذار/مارس الجاري، أعلنت هذه الفصائل، الموالية للمرجع الشيعي الأعلى، آية الله العظمى “علي السيستاني”، الموافقة على دمج مقاتليها في المنظومة الأمنية العراقية الرسمية.
وجاءت هذه الأنباء، بحسب المعهد الأميركي، بعد اجتماع عُقد في “وزارة الدفاع” العراقية بين قادة الفصائل الأربعة ووزير الدفاع، “نجاح الشمري”، لمناقشة آلية تنفيذ الإندماج، حسبما أفادت تقارير محلية.
وبحسب وسائل إعلام محلية؛ فقد شدد الحاضرون في الاجتماع على: “حاجة فصائل (الحشد الشعبي) إلى الإبتعاد عن تأثير المحاور الدولية والإقليمية وتركيز اهتمامهم على محاربة تنظيم (داعش)؛ وأن يكونوا ضمن سلطة الدولة العراقية”.
ويتابع التقرير؛ أن قادة هذه الفصائل الأربعة كانوا قد إلتقوا، في وقت سابق، مع نظرائهم من الفصائل المدعومة من “إيران” لإبلاغهم رسميًا بقرارهم بالانفصال عن (الحشد الشعبي)، وجاء هذا الأمر مباشرة بعد أن حصلوا على موافقة الشيخ، “عبدالمهدي الكربلائي”، أحد أبرز مساعدي “السيستاني”.
إنهاء لفتوى “السيستاني”..
ويُشير انسحاب هذه الفصائل المُدربة والمُجهزة جيدًا من وحدة (الحشد الشعبي) إلى ما يظهر أنه قرار من قِبل “السيستاني” لإنهاء فتواه التي أطلقها، في عام 2014، وطلب فيها من كل عراقي قادر على حمل السلاح الدفاع عن البلاد ضد تهديد تنظيم (داعش) الإرهابي.
وقد استعملت هذه الفتوى الشهيرة، فيما بعد، كغطاء شرعي من قِبل الفصائل المدعومة من “إيران”؛ لتعزيز سلطة الميليشيات المسلحة على حساب سلطة الدولة العراقية. واتهمت الفصائل المدعومة من “إيران” المنضوية في (الحشد الشعبي)، منذ ذلك الحين؛ بإرتكاب جرائم حرب في المناطق “السُنية”، التي كانت تحت سيطرة (داعش)، ومهاجمة قوات التحالف بقيادة “الولايات المتحدة”.
وكان رئيس الوزراء العراقي المستقيل، “عادل عبدالمهدي”، قد أصدر مرسومًا، في تموز/يوليو 2019، يأمر جميع قوات (الحشد الشعبي) بالإندماج بشكل كامل في قوات الأمن العراقية، ولكن لم يتم إتخاذ أي خطوات عملية لتنفيذ القرار.
رفض ترشيح “أبوفدك”..
ويُلفت تقرير “معهد أبحاث الشرق الأوسط للإعلام”؛ إلى أن انسحاب الموالين لـ”السيستاني”، من (الحشد الشعبي)، يأتي بعد أنباء عن تصاعد التوتر مع الفصائل المدعومة من “إيران” بشأن اختيار نائب جديد لرئيس هيئة (الحشد الشعبي) ليحل محل، “أبومهدي المهندس”.
وكانت الفصائل الأربعة قد أصدرت، في 22 شباط/فبراير الماضي، بيانًا مشتركًا رفضت فيه ترشيح القيادي في (كتائب حزب الله) العراقية، “أبوفدك المحمداوي”، لهذا المنصب، وهددت بالانسحاب في حال لم تعمد الحكومة على الحد من النفوذ الإيراني داخل الحشد.
استمرار لحالة التشظي والفوضى..
وتزامنت هذه التحركات مع الجهود التي بذلها الرئيس العراقي،” برهم صالح”، والكُتل البرلمانية المناهضة لـ”إيران”، للدفع بترشيح “الزرفي” لرئاسة الوزراء. وأثار ترشيح “عدنان الزرفي”، للمنصب، رد فعل غاضبة بين السياسيين المدعومين من “إيران”، الذين يرون في علاقاته الوثيقة مع “الولايات المتحدة” تهديدًا لأجندة “طهران” في “العراق”.
ويُشير التقرير إلى أن الخلافات بين القوى الموالية لـ”إيران”، التي تلت ترشيح “الزرفي”، تُشير إلى استمرار حالة التشظي والفوضى التي يعاني منها الموالون لـ”إيران” منذ مقتل “سليماني” و”المهندس”. ويتابع أن ترشيح “الزرفي” حصل، في ذات اليوم الذي أعلنت فيه الفصائل الموالية لـ”السيستاني” الانسحاب من هيئة (الحشد الشعبي). ويُمثل ترشيح “الزرفي” ضربة للكُتل المدعومة من “إيران”، التي تضغط من أجل إبقاء “عادل عبدالمهدي”، رئيسًا للوزراء، برغم تقديمه للاستقالة، في كانون أول/ديسمبر الماضي، على خلفية الاحتجاجات الشعبية المناهضة لحكمه.