وكالات – كتابات :
منذ دخول “المغرب” في مسار التطبيع مع “إسرائيل” رسميًا، بدا جليًا أن هناك انتهاكًا كبيرًا في الدفع باتجاه تكثيف التعاون العسكري والأمني بين الطرفين، وهي خطوة أقلقت السلطات الجزائرية التي تتوجس من انعكاسه على موازين القوى بينها وبين “الرباط”؛ بحسب تقرير تحليلي نشرته صحيفة (الغارديان) البريطانية.
وحتى الآن، لم توقّع أي دولة عربية أخرى علنًا اتفاقية عسكرية مع “إسرائيل”.
وجاءت زيارة رئيس الأركان الإسرائيلي؛ اللفتنانت جنرال “أفيف كوخافي”، إلى “المغرب”، قبل أيام؛ لتؤكد أن الطرفين دخلا مرحلة الشراكة الإستراتيجية.
وأعلن الجيش الإسرائيلي عن الزيارة في بيان، وقال إنها تُضاف إلى: “اللقاءات ومجالات التعاون التي تحققت في الفترة الأخيرة، في إطار تعزيز التعاون العسكري والأمني بين إسرائيل والمغرب”.
فهل سيؤدي هذا النشاط إلى تسريع وتيرة سباق التسلح مع “الجزائر” ؟.. وما هي أهداف هذا التعاون ؟.. ومن المستهدف منه ؟.. وما هي تداعياته الأمنية على المنطقة ؟
تعاون قديم جديد..
ذكرت صحيفة (هاآرتس) الإسرائيلية؛ عشية زيارة رئيس الأركان الإسرائيلي إلى “المغرب”، أن “إسرائيل” و”المغرب” لديهما: “علاقات أمنية سرية منذ عشرات السنين”؛ وأن “الرباط” تلقت مساعدة من مستشارين عسكريين إسرائيليين لمساعدتها في حربها ضد (جبهة البوليساريو).
وفي السياق؛ عدّدت صحيفة (هاآرتس) منظومات الأسلحة التي باعتها؛ “إسرائيل”، لـ”المغرب”، في السنوات الأخيرة، من طائرات من دون طيار إلى برامج سايبر هجومية ومنظومات دفاعية وبرامج هجوم سيبرانية، (مثل برنامج بيغاسوس).
وتسارعت وتيرة التقارب بين “المغرب” و”إسرائيل”؛ منذ التطبيع الدبلوماسي في إطار “اتفاقيات إبراهام”، بين “إسرائيل” وعدة دول عربية، بدعم من “واشنطن”.
ففي تشرين ثان/نوفمبر 2021، وقع وزير الدفاع الإسرائيلي؛ “بيني غانتس”، مذكرة تفاهم في “الرباط” لتنظيم العلاقات الأمنية مع “المغرب”.
وتنص الاتفاقية بشكلٍ خاص على التعاون بين أجهزة الاستخبارات، وتطوير الروابط الصناعية، وشراء الأسلحة والتدريب المشترك.
وهي خطوة توقع خبراء أن تُساعد “الرباط” في سعيها لتعزيز القدرات الدفاعية النوعية.
وذكرت صحيفة (غلوبس) الاقتصادية الإسرائيلية؛ في شباط/فبراير الماضي، أن شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية المملوكة للدولة؛ ستبيع لـ”المغرب”، نظام (باراك) للدفاع الجوي والصاروخي في صفقة قيمتها: 500 مليون دولار. ولم تؤكد أي من الدولتين أو الشركة ذلك بشكل علني.
كما كشف الجيش الإسرائيلي أنه استضاف وحدة (كوماندوز) مغربية في تدريبات متعددة الجنسيات؛ في تموز/يوليو 2021، وأقام علاقات عسكرية مباشرة مع “الرباط”، في آذار/مارس 2022، واستضاف الشهر الماضي ضباطًا مغاربة كبارًا للاتفاق على برنامج عمل مشترك لمدة عام.
مَن المستهدف ؟
يبدو اهتمام “إسرائيل” بالتوقيع على اتفاقية عسكرية علنية مع “المغرب” واضحًا ظاهريًا؛ لأنه يهدف إلى تعزيز علاقاتها ومكانتها في الشرق الأوسط بشكلٍ عام؛ وضد “إيران” بشكل خاص.
أما الرغبة المغربية فهدفها تحقيق تفوق عسكري على جارتها “الجزائر”، التي دعمت على مدى عقود حركة (البوليساريو).
هذه الشراكة الإستراتيجية والعسكرية، التي تحظى بموافقة “واشنطن”، تُثير قلق الجارة؛ “الجزائر”، وقد انتقدت أن “إسرائيل” باتت على مقربة منها.
ويأتي الاتفاق الأمني بعد عام من تطبيع البلدين علاقاتهما بمقتضى اتفاق ثلاثي تعترف بموجبه؛ “الولايات المتحدة”، بسيادة “المغرب” على الصحراء، المُتنّازع عليها مع جبهة (البوليساريو)؛ المدعومة من “الجزائر”.
وعلّق موقع (تايمز أوف إسرائيل) الإخباري حينها؛ بالقول: “هو أول اتفاق من نوعه بين تل أبيب ودولة عربية على الإطلاق”.
في 24 آب/أغسطس 2021، أعلن وزير الخارجية الجزائري؛ “رمطان لعمامرة”، قطع العلاقات الدبلوماسية مع “المغرب”.
وللوهلة الأولى، بدا القرار الجزائري مستقلاً ونتيجة مباشرة للعلاقات الإشكالية التي تدهورت على مر السنين.
لكن “العمامرة” نفسه؛ هو الذي قدم سياقًا أوسع، متهمًا جزئيًا؛ “إسرائيل”، بالتعاون مع “المغرب” ضد “الجزائر”.
وردت “تل أبيب” على الاتهامات الجزائرية ووصفتها بأنها: “لا أساس لها”، معتبرة أن: “إسرائيل والمغرب هما جزء أساس من محور عملي وإيجابي قائم في المنطقة بمواجهة محور يسير في الاتجاه المعاكس يضم إيران والجزائر”.
وفي حديثه في مؤتمر صحافي بـ”الدار البيضاء”، قال وزير الخارجية الإسرائيلي؛ “يائير لابيد”: إنه يُشاطر نظيره المغربي؛ “ناصر بوريطة”: “بعض القلق بشأن دور الدولة الجزائرية في المنطقة، التي اقتربت أكثر من إيران وتُشن حاليًا حملة ضد قبول إسرائيل في الاتحاد الإفريقي كمراقب”.
فتش عن “إيران”..
تذكر صحيفة (المونيتور) الأميركية؛ أن الخلاف الدبلوماسي الأخير بين “المغرب” و”الجزائر” ليس مجرد قضية محلية، بل من الواضح أنه يعكس اتجاهًا أوسع نطاقًا للمواجهة الدبلوماسية المحتملة بين “إسرائيل” و”إيران” حول النفوذ في “إفريقيا”.
أما صحيفة (معاريف)؛ فزعمت في مقال في أعقاب توقيع الاتفاق الأمني؛ في نهاية تشرين ثان/نوفمبر 2021، أن: “ارتباط إسرائيل بالمغرب يبدو اليوم عمليًا أكثر، خاصة بعد اتهام الرباط؛ لطهران و(حزب الله)، بمساعدة محافل تعمل تجاهها”، مضيفة أن: “المسألة الإيرانية لا توجد في مركز العلاقات بين المغرب وإسرائيل، وفي تل أبيب يتخذون جانب الحذر الشديد في العرض العملي للمصالح الإسرائيلية في هذه النقطة”.
ولفتت (معاريف) إلى أنه: “في ضوء تعزز قوة إيران و(حزب الله) في إفريقيا، فإن جهاز الأمن الإسرائيلي يرى أهمية كبيرة في تعزيز العلاقة مع المغرب”.
وقبيل مغادرته إلى “المغرب”، اتهم وزير الدفاع الإسرائيلي؛ “غانتس”، “إيران”؛ بأنها: “تطمح لأن تُصبح قوة إقليمية مُهيمنة ومن ثم قوة عالمية”.
وكان “المغرب”؛ قد أعلن في آيار/مايو 2018، قطع علاقاته الدبلوماسية مع “إيران”؛ متهمًا “طهران” وحليفها اللبناني جماعة (حزب الله)، بدعم جبهة (البوليساريو)، عن طريق السفارة الإيرانية في “الجزائر”، لكن “وزارة الخارجية” الجزائرية رفضت هذه الاتهامات وأبلغت السفير المغربي استنكارها: لـ”محاولة إقحامها بشكل غير مباشر في الأزمة بين المغرب وإيران”.
ويشي قرار “الجزائر”؛ قطع العلاقات الدبلوماسية مع “المغرب”، في الواقع إلى مواجهة مستقبلية بين “إسرائيل” و”إيران” حول النفوذ في “إفريقيا”.
وبالتالي، يمكن النظر إلى تطور قطع العلاقات هذا إلى ما وراء مثلث: “إسرائيل والمغرب والجزائر”، خاصة أن “إيران” تعتبر القارة الإفريقية ساحة مهمة في كفاحها من أجل النفوذ.
وبالتوازي مع الجهود الإيرانية في القارة، عمقت “إسرائيل”؛ في السنوات الأخيرة، علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية والتعاونية والأمنية في “إفريقيا”.
في العام 2020، على سبيل المثال، نجحت “تل أبيب” في تطبيع العلاقات مع “السودان”. وفي خطوة أخيرة، في 23 تموز/يوليو، وافق “الاتحاد الإفريقي” على إدخال “إسرائيل” كدولة مراقبة.
وذكر “لابيد”: “جاءت هذه الخطوة الأخيرة على الرغم من الجهود الجزائرية لمنعها”.
كما أن “جنوب إفريقيا ونيجيريا” – وهما دولتان تنشط فيهما “إيران” – انضمتا أيضًا إلى الحملة ضد قبول “إسرائيل” كمراقب.
ويعني هذا أن التوترات بين “إسرائيل” و”إيران”؛ بشأن “إفريقيا”، قد تتصاعد في المستقبل.
سباق تسلح محموم بين “الجزائر” و”المغرب”..
بحسب تقرير حديث لمعهد “ستوكهولم” الدولي لأبحاث السلام، تجاوز الإنفاق العسكري العالمي؛ في سنة 2021، لأول مرة عتبة تريليوني دولار متخذًا منحى تصاعديًا.
وشكلت بلدان “شمال إفريقيا” أكثر من نصف الإنفاق العسكري للقارة السمراء المقدر: بـ 40 مليار دولار.
ومن بين دول “شمال إفريقيا” يبرز البلدان: “الجاران اللدودان”، “المغرب” و”الجزائر”، كأكثر المُنفقين على السلاح، حيث أفردت “الجزائر” ميزانية بلغت: 9.1 مليار دولار لشراء العتاد العسكري والأسلحة في عام 2021، بينما أنفق “المغرب”: 4.3 مليار دولار للغرض نفسه في السنة ذاتها.
يرى مراقبون ومحللون، أن هذا التسابق بين البلدين نحو شراء الأسلحة ليس وليد السنة الماضية، بل هو تراكم لسنوات خلت نتيجة نزاع الصحراء، والسعي نحو الزعامة الإقليمية، لكن التطورات الأخيرة في المنطقة سرَّعت من وتيرة سباق التسلح.
فقد اشترت القوات المسلحة الملكية المغربية؛ خلال الأشهر القليلة الماضية، أنظمة عسكرية وأمنية دفاعية من “إسرائيل”، كما أبرمت صفقة لشراء فرقاطات وسفن حربية مع “إسبانيا”، وأقتنت صواريخ نفاثة متطورة من “الولايات المتحدة الأميركية” من نوع (JSOW)، إضافة إلى “درونز” (بيرقدار تي. بي-2) التركية.
من جهتها، أبرمت “الجزائر” صفقات عسكرية ضخمة مع “روسيا”، مزودها الرئيس بالأسلحة والعتاد الحربي، تتسلم بموجبها طائرات (سوخوي-57) و(سوخوي-34)، و(سوخوي- 32)، فضلاً عن شراء دبابات روسية، وصواريخ (إسكندرE) الباليستية قصيرة المدى وعدد من الغواصات، فضلاً عن طائرات مُسّيرة من “الصين”.
وتسير “الجزائر” و”المغرب” في اتجاه زيادة الإنفاق العسكري في 2022، حيث تظهر تفاصيل السنة المالية 2022؛ لكل من “المغرب” و”الجزائر”، خططًا لتخصيص: 12.8 مليار دولار؛ و9.7 مليار دولار على التوالي للإنفاق العسكري. وكان قد عُرض مشروع ميزانية “المغرب” 2022 على لجنة المالية والتنمية الاقتصادية؛ في تشرين أول/أكتوبر الماضي، حيث زادت ميزانية الدفاع بنسبة: 4.77% عن ميزانية الدفاع لعام 2021، فضلاً عن ذلك استحوذ “المغرب” على نظام دفاع جوي إسرائيلي مضاد للطائرات بدون طيار.
مزيد من التوتر..
يبدو أن منطقة “المغرب العربي” قد دخلت فترة جديدة وأكثر خطورة من التوترات الجيوسياسية. فالتصعيد الأخير بين “الجزائر” و”المغرب” تعبير جديد عن التنافس القديم الذي لم يُعد بالإمكان تجاهله. وقد تُصبح استدامة عدم الاستقرار الإقليمي ناجمة عن هذه التوترات.
يُكرس الإنكباب على الإنفاق العسكري؛ بهذه الوتيرة، حالة من الشك وعدم اليقين في العلاقات المغاربية، لا سيما العلاقات بين الجارين، “الجزائر” و”المغرب”، ويُمعن في تعميق الفرقة، ويولد لدى الأجيال الحالية والمقبلة ضغائن مصطنعة تتجاوز مختلف المقومات المشتركة للبلدان المغاربية.
ويُشكل الحضور الإسرائيلي في “المغرب” عاملاً جديدًا في زيادة التوتر بالمنطقة.
وتُشير التقارير إلى تغير في سياسات “الجزائر” الخارجية؛ مع وصول الرئيس الجزائري؛ “عبدالمجيد تبون”، للحكم، حيث يبدو أن سياساته الداخلية والخارجية أكثر جرأة وإفصاحًا عن المواقف دون تحفظ.