18 أبريل، 2024 3:13 ص
Search
Close this search box.

صناعات التراث اليدوية .. شخصية العراق الشعبية تتلاشى !

Facebook
Twitter
LinkedIn

وكالات – كتابات :

تحظى صناعات التراث الشعبي بأهمية كبيرة في ذاكرة العراقيين، الذين يشعر كُثر منهم، منذ سنوات، بخطر تلاشيها، بعدما أعتادوا استخدامها أو رؤيتها في منازلهم ومواقع عملهم، خصوصًا تلك المصنوعة من أجزاء النخيل أو الطين والقصب، التي استبدلت اليوم بصناعات من خشب وزجاج وبلاستيك ومعادن أخرى.

إلى جانب تمثيلها ذاكرة الأجيال السابقة، دأبت الصناعات التراثية الشعبية على توفير عمل لنسبة كبيرة من المواطنين. وإذا أنبعثت حرفها مجددًا، ستساهم كثيرًا في التخفيف من البطالة في “العراق”، الذي يُعاني من تراجع كبير في اقتصاده، ما أثّر كثيرًا بمعيشة المواطنين.

وما يُزيد من تعلق محبي الصناعات التراثية بها، أن أغلبها كان يصنعه أفراد من عائلات في المنازل، وأبرزها تلك التي تستخدم فيها سعف النخيل، ما يجعلها لا تحتاج إلى موقع عمل مثل: الورش والمصانع.

ويتهم محبو الصناعات التراثية، الجهات الحكومية؛ بإهمال هذه المنتجات وتغيير العادات عبر سماحها بدخول تلك المستوردة، التي حلّت بدلاً منها، وبينها: البلاستيكية، التي تؤثر سلبًا بالبيئة، بسبب عدم تحلّلها، بخلاف الصناعات التراثية التي تعتمد على نباتات: “القصب وسعف النخيل والطين والخشب”، وكلها مواد تتحلل وتُصبح في النهاية غير مضرّة بالبيئة.

ثراء المخزون التراثي العراقي..

يقول الباحث في التراث العراقي، “محمد الأحمد”: “يُعجّ التراث الشعبي بصناعات توارثها العراقيون، منذ آلاف السنين، وطرأت عليها تطورات بمرور الوقت وتغيّر المجتمعات”، مشيرًا إلى أن: “أبرز هذه الصناعات؛ تلك التي تستخدم النسيج الذي دخل في صناعة الأقمشة والحياكة، ونبات الخيزران وسعف النخيل والفخار والطين والجلود”.

ويؤكد “الأحمد”؛ أن: “المخزون التراثي العراقي ثري جدًا بالصناعات المختلفة، لأن العراق شهد نشوء حضارات عدة وعميقة الثقافات. وبعض تراثها القديم لا يزال شاخصًا وذا ميزات فريدة، مثل: بيوت مبنية من قصب الخيزران في أهوار الجنوب، التي لا يزال يقطن فيها سكان مستنقعات الأهوار، وتُمثل إضافة إلى كونها حرفة عريقة وقديمة فنًا فريدًا يتضمن نقوشًا معمارية وهندسة عالية التقنية”.

وحتى سنوات قريبة؛ كانت أسواق “العراق” تُعجّ بصناعات تراثية تستخدم في الحياة اليومية؛ مثل: المفروشات والأَسِرّة والفخاريات والأثاث ومواد منزلية تُصنّع كلها بطرق بدائية، وتُجسّد فنًا عريقًا وحرفًا متوارثة. “لكن الطلب على هذه المنتجات شهد تراجعًا كبيرًا، بسبب توافر بدائل حديثة مستوردة، سبّبت أيضًا إندثار عدد منها”، بحسب ما يؤكد تُجار عراقيون بينهم، “صالح الزوبعي”.

أكثر أمانًا بيئيًا..

ويُشير “الزوبعي”؛ إلى أن: “الصناعات التراثية أكثر أمانًا للبيئة، لأنها كانت تُصنع من أخشاب الأشجار وسعف النخيل والطين، قبل أن تُطيحها الصناعات البلاستيكية المضرّة بصحة الإنسان والبيئة، لكونها لا تتحلل”.

توفر دخلاً ماليًا معقولاً..

ومن إنجازات الصناعات التراثية، توفيرها دخلاً ماليًا جيدًا لعائلات كانت تُنفذ مهمات تصنيع المنتجات في ورش داخل المنازل، مثل: المكانس ومراوح الهواء وتنور الخبز.

يتذكر “حمزة الكريعاوي”، أنه كان يُشارك والده وأعمامه في نقل المواد الأولية من سعف النخيل إلى 63 منزلاً لصنع مكانس وسلل مختلفة، وأن أكثر من 300 امرأة وفتاة، بأعمار مختلفة، كنَّ يعملن في هذه الصناعات داخل منازلهن.

ويقول “الكريعاوي”: “كنت أجمع مع أقاربي آلاف المكانس والسلال أسبوعيًا، ونوصلها إلى تجار في السوق. وكانت أية عائلة تستطيع مزاولة هذه المهن داخل المنزل، فيما كان السوق يستوعب أية زيادة في عدد الصناعات. من هنا مارست فتيات كثيرات المهنة في البيت مع الأهل أو الجيران خلال العطل المدرسية من أجل تحسين دخل عائلاتهن والحصول على مال. لكن غالبية الصناعات التراثية لم تُعد موجودة، ولم يُعد يعمل فيها اليوم إلا عدد قليل من الناس داخل بيوتهم نتيجة وجود بدائل حديثة، واعتبار أشخاص كثُر أنها صناعات قديمة لا تتوافق مع ذوقهم”.

فخار لطلب الأجر والثواب..

واللافت أن العراقيين أعتادوا، قبل نحو 20 عامًا فقط؛ نشر ما يسمونه: “الحِبّ”، وهو وعاء ماء كبير مصنوع من الفخار في أحياء سكنية، خلال فترة الصيف خصوصًا، كي يشرب منه المارة ويرووا عطشهم، وهي عادة قديمة تهدف إلى طلب الأجر والثواب.

وبقي “الحِبّ”، الذي يُعتبر من الصناعات التراثية المعروفة، موجودًا لفترة طويلة داخل البيوت وأسطح المنازل، رغم توافر ثلاجات وبرادات ماء كهربائية، بينما بات وجوده نادرًا جدًا، اليوم، ولا أثر له في الأسواق.

ويُطلب “الحِبّ”، اليوم، ومقتنيات أخرى من الفخار لاستخدامات أخرى مختلفة عن السابق، ما جعلها تختفي في شكل كبير من الأسواق والمنازل وأماكن أخرى، وفق ما يقول “كريم الحسون”، الذي ينتمي إلى عائلة أمتهنت صناعة الفخاريات.

وفيما كان يفترض أن يرث “الحسون” مهنة والده وأجداده، التي أحبها كثيرًا ومارسها في طفولته، توقف عن هذه المصنوعات بسبب انحسار الطلب عليها. يقول: “أمتلك والدي وأعمامي ورشة كبيرة لصناعة الفخار، غربيّ بغداد، وصنعوا أنواعًا مختلفة من القوارير والمنتجات بأحجام مختلفة واستخدامات متعددة تشمل شرب الماء والطهو وصنع المخللات وحفظها، استُخدم بعضها للزينة وتجميل البيوت والمكاتب والحدائق، لكن الوضع تغيّر اليوم من دون أن يمنع ذلك استمرار وجود عدد قليل جدًا ممن يُمارسون هذه المهنة، في حين أن الاستخدامات الحالية تشمل تزيين المنازل والحدائق”.

وصناعة الفخار؛ حرفة شعبية يعود تاريخها إلى الحضارة السومرية، كما أظهرت أعمال تنقيب عن الآثار في حضارة “وادي الرافدين”. وتُعَدّ من المهن اليدوية البسيطة التي لا تعتمد على ماكينات، وعرفت فترات إزدهار في “العراق”، خصوصاً بعد الاحتلال الأميركي للبلاد، باعتبار أن التراجع الملحوظ في إنتاج الطاقة الكهربائية، وغيابها عن المنازل أكثر من خمس ساعات يوميًاً، دفعا السكان إلى العودة لاستخدام أواني الفخار لحفظ الماء وتبريدها صيفًا، أو حفظ الأطعمة داخلها مع قطع من الثلج، أو حتى اعتمادها كفرن للخبز والشوي.

وتعتمد المهنة على “التراب الأحمر”، وهو تراب خاص مُشبع بماء المطر، ويؤخذ من مناطق خاصة لا زرع فيها ولا سكن، ولم تطأها قدم، أي بعيدة عن استخدام الإنسان والحيوان. ويجري تخمير هذه التربة بإضافة كمية من الماء، ثم تنشيفها عبر عرضها تحت الشمس.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب