يشارك آلاف المقاتلين السنة إلى جانب الحشد الشعبي والقوات الأمنية في معركة استعادة ما تبقى من مدينة بيجي، شمالي صلاح الدين،(170 كم شمال العاصمة بغداد)، من سيطرة (داعش)، وبالتزامن مع تكثيف الطائرات الأميركية ضرباتها على أهداف “منتخبة” في الحويجة القريبة.
وتهدف العملية العسكرية، التي انطلقت أمس الاثنين،(الـ12 من تشرين الأول 2015 الحالي)، إلى إكمال تحرير بيجي،(40 كم شمال تكريت)، المشهورة بمصفاتها النفطية، وبعض القرى والبلدات التابعة لها، وتأمين المنشأة النفطية التي يسيطر (داعش) على ثلث مساحتها، وقد يتطور الأمر للزحف على قضاء الحويجة،(55 كم غرب كركوك).
ويؤكد قادة ميدانيون، أن “المعارك بدأت بتوجيه ضربات تمهيدية من قبل الطائرات والمدفعية لتحصينات التنظيم، وقطع خطوط إمداداته”، ويتوقعون أن “يستغرق تحرير ما تبقى من مدينة بيجي أياماً معدودة فقط قبيل التوجه نحو الحويجة”.
وأعلن رئيس الحكومة، حيدر العبادي، الاثنين، انطلاق المرحلة الثانية لعمليات تحرير كامل محافظة صلاح الدين، بما فيها مصفى بيجي.
بيجي مقابل الرمادي
وذكرت فصائل بارزة في الحشد الشعبي، قبل أيام، أنها تستعد لشن “هجوم كبير” على بيجي، في الوقت الذي اضطر فيه الحشد إلى الانسحاب من معركة الرمادي بعد توسع الدور الأميركي فيها، بحسب قياديين في منظمة بدر.
وتقول مصادر مطلعة في حديث إلى صحيفة (المدى)، إن “صفقة عسكرية كانت وراء عمليات بيجي الأخيرة تقضي بتقاسم المهمات بين الرمادي وبيجي”.
وتضيف تلك المصادر، التي تحدثت شريطة عدم الكشف عن هويتها، أن “الصفقة تضمنت أن تتصدر القوات الأميركية المعارك في الرمادي مقابل خروج الحشد منها وفسح المجال أمامه لخوض معارك بيجي”.
ويتمتع الحشد الشعبي بعلاقة متميزة مع مسؤولين وزعماء عشائر في صلاح الدين، بعد عمليات ناجحة أسهمت في تحرير مناطق شرقي تكريت وجنوبيها.
وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعي فيلما يظهر رئيس منظمة بدر، هادي العامري، وهو يعطي ملاحظات لمجموعة من مقاتلي الحشد الشعبي في بيجي، ويحثهم على حماية أرواح المدنيين قبل انطلاق المعارك هناك.
ويؤكد الشيخ ونس الجبارة، وهو زعيم قبلي يقود مجموعة من المقاتلين في صلاح الدين، أن “هادي العامري، الذي يقود الحشد الشعبي في بيجي، ورئيس هيئة الحشد أبو مهدي المهندس زارا المدينة قبل انطلاق العمليات”، ويبين أن “زيارة قيادات الحشد كان لها تأثير كبير في رفع معنويات المقاتلين”.
خمسة آلاف مقاتل تكريتي
ويتابع الجبارة، أن “نحو خمسة آلاف مقاتل من مختلف عشائر صلاح الدين، يشاركون في عملية تحرير بيجي”.
ويقود الشيخ عشم السبهان، مجموعة من مقاتلي قبيلة الجبور في معارك بيجي، في حين انضمت إلى القوة المقاتلة أفواج من قبائل شمر والجيسات، التي يقودها الشيخ علي الحجاب، فضلاً عن فوج البو عبيد من تكريت، وأفواج أخرى من مناطق مكيشفة والحجاج والبو طعمة القريبة من بيجي.
ويكشف الجبارة، الذي يقود قوة (الشهيدة أمية)، عن “بدء معركة بيجي منذ صباح أمس الاثنين، بقصف مركز بالطائرات والمدافع على مواقع تحصينات داعش وقطع خطوط الامداد”.
ويذكر القائد العشائري، أن “ضربات المدفعية عالجت، ست عجلات مفخخة في بيجي”، ويوضح أن “طائرات التحالف الدولي بدأت بضرب مواقع داعش في الحويجة وأطراف بيجي”.
وفي الوقت ذاته، وصلت قوات جديدة من الفرقة الخامسة التابعة للجيش العراقي، وأخرى تابعة لقيادة عمليات دجلة، إلى مناطق شرق تكريت، وأربعة ألوية جديدة من الحشد الشعبي وأبناء العشائر، حيث التحقت هذه القوة بسابقتها المتواجدة في مناطق العمليات، استعدادا للهجوم على الحويجة التي تعتبر من أهم مناطق امداد (داعش) في بيجي بالسلاح والمقاتلين.
ويؤكد الجبارة، أن “الاستعدادات قد انتهت وننتظر أوامر قيادة العمليات لتحرير مناطق الرشاد والرياض والعباسي المتاخمة للحويجة”.
وبدأت كفة (داعش) ترجح مؤخراً من خلال سيطرته على بيجي، والتقدم داخل بعض الأحياء السكنية لانشغال القوات العراقية بمعارك الأنبار.
قوات عالية التدريب
وبرغم مرور أشهر على دخول قيادة عمليات صلاح الدين إلى بيجي، إلا أنها، تعاني من معارك كر وفر لا تثبت على منتصر واحد، بحسب مراقبين.
لكن الجبارة يعتقد أن “العملية الجديدة مختلفة نظراً لحجم تنسيق القوات مع الحشد الشعبي وعشائر المنطقة والرغبة الحقيقية في تحرير بيجي”.
وكتب الخبير في شؤون الجماعات المتطرفة، هشام الهاشمي، على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، بعد ساعات من انطلاق عمليات تحرير بيجي، قائلاً إنه “بعد الفتور والتلكؤ في إنهاء ملف شمالي تكريت وغربيها، دخلت القوات العراقية هناك في مرحلة تراجع حاد، حيث بدأت تعاني من انخفاض الروح المعنوية، ومن مشاكل في التدريب والانضباط، ونقص المعدات الحديثة، والفساد المستشري”.
لكن الهاشمي يؤكد أن “قوات الحشد الشعبي قادرة على ما يبدو، على إتمام مهماتها في تحرير كامل بيجي وما حولها وهذه هي معركتهم لإكمال طوق سامراء، وسيكون من الخطأ استخدام الانسحاب التكتيكي بعد هذه الحملة الواسعة للحشد كذريعة لتأخير القيام بخطوات مهمة وصولاً الى الشرقاط او التفرغ للحويجة”، معتبرا ان ذلك “يعد بمثابة تحد كبير للحشد الشعبي”.
ويكشف الخبير الأمني، عن معلومات مؤكدة تدل على “حصول فصائل الحشد الشعبي على شحنات أسلحة متطورة، ووجود فريق من المستشارين العسكريين والخبراء، وإرسال وحدات خاصة تدربت منذ شهور على قتال المدن والشوارع إلى بيجي وغرب سامراء”.
المصفى والصينية
ميدانيا، يقول عضو مجلس محافظة صلاح الدين، خزعل حماد، إن “الهجوم يهدف إلى تحرير كامل بيجي واعادة السيطرة على المصفى وناحية الصينية”.
ويضيف حماد، وهو من بلدة تقع جنوب بيجي، أن “تعزيزات عسكرية كبيرة وصلت إلى بيجي من دروع ومدافع بالإضافة إلى الغطاء الجوي المحلي والدولي”، ويكشف عن “توجه قطعات إلى منطقة الصينية الواقعة غرب بيجي”.
وتعد الصينية، المفتاح لتحرير بيجي، بحسب مسؤولين أمنيين، لأنها واحدة من “أهم مصادر تمويل داعش”، لجهة ارتباطها بسوريا عبر مناطق وعرة وصحراوية.
ويؤكد حماد، الذي يقود مجموعة تتكون من نحو مئة مسلح من مقاتلي عشيرة الجيسات، في بيجي، أن “العملية تهدف أيضا إلى الوصول لمصفى بيجي وتحريره بالكامل”.
وكان التنظيم المتطرف قد سيطر سنة 2014 المنصرمة، على أكثر من ثلث مساحة مصفى بيجي وتمركز في 40 برج مراقبة، ويصعب تحرير مدينة بيجي بالكامل ما لم تسيطر القوات على منفذ الفتحة الواقع إلى الشرق من تكريت، وتربط الفتحة بالحويجة التي تعتبر مركزا لتجنيد وتخزين سلاح (داعش) في صلاح الدين.
ويواصل حماد، أن تلك “المنطقة لا يمكن معالجتها إلا بالطائرات بعد أن قطعت بعض القناطر التي تعبر نهر دجلة إلا أن داعش يعيد إصلاحها بعد أيام ويستأنف تدفق المسلحين”.
وتعتبر منطقة الفتحة من المناطق الجبلية الوعرة، حيث يرى حماد أن “نزول قوات على الأرض فيها سيكون أكثر فعالية في السيطرة عليها”.
ويتطلب الوصول إلى منفذ الفتحة المرور بقرى (المسحك) و(الزوية)، وهي آخر مناطق بيجي وأخطرها من حيث كثافة وجود (داعش) الذي قام بنسف أغلب القرى في المنطقة لفرض مبايعته عليها منذ سنة 2014 المنصرمة.