23 ديسمبر، 2024 1:05 م

صفقات “الانتخابات الإيرانية” (5) .. تهميش الأحزاب السياسية سلب النظام من عنصر القوة !

صفقات “الانتخابات الإيرانية” (5) .. تهميش الأحزاب السياسية سلب النظام من عنصر القوة !

خاص : ترجمة – إبراهيم السيد فتحي وحسن عماد :

وبدأ الزخم الانتخابي داخل الواقع السياسي الإيراني يأخذ تفاعله المعهود من تصارعات وتفاهمات ومهادنات وصفقات بين القوتين الفاعلتين داخل المشهد الإيراني من إصلاحيون وأصوليون، عاقدين الآمال على دور أكثر تأثيرًا في المشهد الكلي عبر الظفر في الانتخابات المقبلة.. فحسب الاتفاق المبرم بين “مجلس صيانة الدستور” و”وزارة الداخلية”، فسوف تُعقد الانتخابات البرلمانية في دورتها الحادية عشر، والانتخابات النصفية لـ”مجلس خبراء القيادة”، بدورته الخامسة، يوم الجمعة الموافق 21 آذار/مارس 2020.

ونظرًا لما تضفيه الظروف الإقليمية والدولية الحالية، من اشتعال الصراع “الإيراني-الأميركي” وتصاعده بشكل شبه يومي وما تعكسه أحداثه من تبعات على دول المنطقة، على تلك الانتخابات الإيرانية المقبلة من أهمية؛ أرتأت (كتابات) رصد إرهاصاتها وتحليل قواها المحركة من داخل المشهد السياسي الإيراني…

رسالة المرشد للمستقبل : الإعتماد على الشباب..

يقع مكتبه في غرب “طهران”، لكنه لا يشبه مكتب سياسي. وتوجد الكثير من المجلات في غرفة الاجتماعات، لكنها مجلات تخص شركة “ماهان” للطيران ومجموعة “كرمان” لصناعة السيارات. وهما شركتان معروفتان تتبعان محافظ “كرمان” الأسبق وعضو اللجنة المركزية لـ”حزب كوادر البناء”.

حسين مرعشي

وبمجرد دخول، “حسين مرعشي”، غرفة الاجتماعات بدأ الجلسة على الفور. وهو بالأساس يبتسم أحيانًا أثناء الحوارات الجادة، لكن هذه الابتسامة تحمل معنى لا يقل جدية عن المتحدث.

وفيما يلي نص حوار مراسل وكالة أنباء (فارس) الإيرانية؛ التابعة لـ”الحرس الثوري”، مع “حسين مرعشي”، المتحدث باسم “حزب كوادر البناء”..

وكالة أنباء “فارس” : أشتمل بيان المرشد الأعلى للثورة، بخصوص المرحلة الثانية، على عدد من المحاور المختلفة.. ما هي في رأيكم أهم نقاط هذا البيان وما هي إنطباعاتك العامة ؟

“حسين مرعشي” : أمثالي على علم بأفكار مقام المرشد، وأعلم أن بيانه بشأن خطوة الثورة التالية إنما يشمل كل مواقفه السابقة، لكن الملاحظة الأبرز في البيان هي فكرة الإعتماد على الشباب.

وتواجه “الجمهورية الإسلامية” تهديدًا محتملاً بتقدم المدراء والقيادات في السن. فالشخص يتذكر برؤية بعض الأفراد في “الاتحاد السوفياتي” السابق، وكيف تولى المسؤولية كبار السن قبل أن ينتقلوا إلى الرفيق الأعلى بعد ستة أشهر فقط. ثم ينتقل المنصب إلى أمثالهم. لكن أن يتقدم النظام بإتجاه تحديث الوجوه والأفراد فهذا عمل شديد الذكاء.

يجب أن نرى وجوه أكثر شبابًا في النظام للحيلولة دون تقدم هذا النظام في العمر. وأنا أعتقد أن بيان الخطوة الثانية؛ كان بمثابة هو تلخيص المرشد وهو على مشارف العقد الخامس للثورة، والإعتماد على الشباب رسالته إلى المستقبل.

يجب قبول الأحزاب السياسية كجزء من النظام..

“وكالة أنباء فارس” : أشرتم إلى تأكيد المرشد على الإعتماد على الشباب في بداية العقد الخامس للثورة. إلى أي مدى نجحت الأحزاب، باعتبارها مصنع الكوادر، في هذه المسألة.. وهل تنجح في ذلك ؟

“حسين مرعشي” : في “إيران”، حتى الآن، لا يُقبل بالأحزاب باعتبارها جزء من النظام، وفقط تستطيع أداء دور مكمل في الأنظمة السياسية.

ورغم وجود عدد 200 حزب تنشط في “الجمهورية الإيرانية”، فقد تراجعت النسبة حاليًا إلى 140 حزب. لكن حتى لو كان لدينا 14 حزب ناشط في “إيران”؛ فهذا في رأيي عدد كبير، فليس لدينا أكثر من 6 إتجاهات فكرية أو ميول سياسية.

ولو نريد تصنيف وإحصاء الجميع بحسب التوجهات، فلن يزيد العدد عن 6 إتجاهات فكرية وسياسية. وحين يتواجد هذا العدد من الأحزاب في الدولة؛ فهذا يعني أننا لا نمتلك في الحقيقة أحزاب.

وأول مسألة يجب حلها، فيما يخص مسألة الأحزاب، أن يقبل “نظام الجمهورية الإيرانية”، باعتباره نظامًا شعبيًا، بفكرة أن الأحزاب جزء من البناء السياسي الإيراني. ويجب أن تعتبر الأحزاب جزءً من النظام السياسي بنفس قوة بعض المؤسسات مثل الوزرات المتعددة والحكومة و”الباسيغ” و”مجلس الخبراء” والسلطة القضائية و”الحرس الثوري” وغيره.

فإذا كان من المقرر فصل الأحزاب عن النظام، فالطبيعي ألا تتشكل أحزاب قوية. على سبيل المثال: على فرض أن أحدهم حصل على عضوية أحد الأحزاب، فقد تحول بهذه العضوية من الحالة الفردية إلى الاجتماعية، حيث تقوى مكانة الفرد في التجمع، لكن مكانة أعضاء الأحزاب في المجتمع ليست فقط ضعيفة؛ وإنما حُرم معظم أعضاء الأحزاب من مكانتهم السابقة وعجز الحزب أيضًا عن الدفاع عنهم.

ومتى حصل الفرد على عضوية أحد الأحزاب حتى تزداد حساسية الأجهزة الأمنية والقضائية نحوه، ويكون قبول هذه العضو الحزبي في المسؤوليات الاجتماعية والاقتصادية أصعب من باقي أفراد المجتمع. أذكر أن أحد أعضاء اللجنة المركزية بـ”حزب كوادر البناء” كان قد تنحى عن الحزب فترة، وجلست ساعات أتفاوض معه وبالنهاية أخبرني: “لو لم أكن عضو حزب كوادر البناء، لكانت أوضاع عملي أفضل من كوني عضو الحزب. أنا أفضل محو هذه السابقة بحيث أستطيع متابعة حياتي العادية”.

تلك هي المشكلات التي تعانيها معظم أحزاب الدولة. ورغم كل مناطق العوار والقوة في قانون الانتخابات، فإنها المرة الأولى التي يُلتفت فيها للتحالفات الحزبية في الانتخابات، وتلك نقطة إنطلاق جيدة جدًا، لكنها لا تكفي.

لابد من قبول المبدأ على مستويات النظام العليا. وتقوم الأحزاب في الكثير من الأنظمة الديمقراطية المتقدمة بما يقوم به حاليًا، “مجلس صيانة الدستور”، من العمل على رفع مستوى جودة البرلمان والسيطرة على عملية حصول غير اللائقين على عضوية البرلمان.

بعبارة أخرى، يجب على “حزب كوادر البناء”، مثلاً، إدراك حقيقة أن ترشيح من يفتقرون إلى الجدارة إنما يضر بمستقبل الحزب، وبالتالي لا يجب ترشيحهم. وفي هذه الحالة سوف تتواجد السيطرة ذاتيًا داخل الأحزاب. والواقع أنا أرى دور الأحزاب في أي من الأمور الجادة مثل بناء الكوادر أو المساعدة في إدارة الدولة. وبلا شك لن يقع أي حدث خاص في السياسة الإيرانية لو لا تتشكل الأحزاب.

فقر الإمكانيات الحزبية..

“وكالة أنباء فارس” : قلتم لابد من وجود 6 أحزاب في الدولة.. أضرب لنا أمثلة ؟

“حسين مرعشي” : هذا على الأكثر.. ويمكننا مثلاً الاتفاق على أربعة أحزاب بسهولة هي: “الأصوليون، والإصلاحيون، وجبهة الثبات، وتيار الإعتدال”. لكن بمقدور الأصوليون والإصلاحيون إمتلاك توجهين تحت مظلته.

“وكالة أنباء فارس” : وهل سعى “حزب كوادر البناء” لتحقيق هذه المقولة ؟

“حسين مرعشي” : بذلنا جهدنا، لكن ثمة أعمال لا يمكننا القيام بها. وبالنهاية فإن سياستنا الواضحة كحزب داخل مجموعة النظام هي المساهمة في تقوية الأحزاب بالدولة والحيلولة دون الإفراط والتفريط والمتشددين والمدمرين.

وقد قمنا بما في استطاعتنا. كذلك ليس سهلاً أن ينجح حزب في المحافظة على نفسه بضع وعشرون عامًا، وقد حققنا النجاح أيضًا على مستوى بناء الكوادر؛ وأتصور أن يبلغ عدد أعضاء “حزب كوادر البناء”، في الدورة الجديدة، حوالي 8 آلاف شخص، وقد بلغنا حتى اللحظة 6 آلاف شخص، وتحقق ما يوازي 75% من هدفنا.

مدى التحالف مع “الإعتدال” من عدمه..

“وكالة أنباء فارس” : من المحتمل تحالف “حزب كوادر البناء” مع “حزب الإعتدال والتنمية”، في الانتخابات البرلمانية الحادية عشر، نظرًا للتقارب الفكري.. إلى أي مدى تؤيد هذه الاحتمالات ؟

“حسين مرعشي” : اعتبر الجميع عند تشكيل “حزب الإعتدال والتنمية”؛ أنه الجناح الأصولي للمرحوم، “هاشمي رفسنغاني”. وكان السيد “حسن روحاني” مشاركًا كذلك.

“وكالة أنباء فارس” : هم يعتبرون السيد، “حسن روحاني”، الأب الروحي لـ”الإعتدال والتنمية” ؟

“حسين مرعشي” : عليهم أن يقولوا السيد، “نوبخت”. لا أعلم إذا كان السيد “روحاني” قام بهذا الدور أم لا ؟.. لكن بالنهاية الأصدقاء الذين اجتمعوا في “حزب الإعتدال والتنمية” هم من الأصوليون وكانوا مقربون من المرحوم، “هاشمي رفنسغاني”، لكن اختلافهم مع “كوادر البناء”؛ أن الأخير أثر في “الجبهة الإصلاحية”.

بعبارة أخرى، يتمتع “كوادر البناء” بمكانة في “الجبهة الإصلاحية”، تجعله شريكًا في أي تحالف بين الإصلاحيون. وبالتالي يستطع “حزب كوادر البناء” أن يكون ذا دور إيجابي ويكافح السلبية. لكن المشكلة في “حزب الإعتدال والتنمية” أن أعضاء الحزب ما استطاعوا مطلقًا إمتلاك مكانة في “الجبهة الأصولية”، بمعنى أنهم لم يحققوا أهدافهم. ولم تعبأ “الجبهة الأصولية” إطلاقًا بـ”حزب الإعتدال والتنمية”، بل أفتقد الحزب حتى لأبسط تواجد في الجبهة.

وفي رأيي؛ فقد انفصل “حزب الإعتدال والتنمية” عن أهدافه. ويحتاط الحزب من الإنضواء تحت “الجبهة الإصلاحية”، رغم أن الجبهة قد تتقبله كحزب وسط. لكن أعضاء الحزب أنفسهم أكدوا أنهم لا ينتمون للتيار الإصلاحي.

أما مطلب “كوادر البناء” الأساس هو أن يُعرف بـ”الإصلاحي”؛ ولا يفقد مكانته ويتحالف مع حزب لا هو من الوسط ولا يحظى بمكانة بين الأصوليون. لكن ماذا سيحدث إن نتحالف مع “حزب الإعتدال والتنمية” ؟.. يجب أن نحصل على شيء أكبر مما سوف نخسر بهكذا تحالف. لأن تشكيل تيار ثالث في بلدنا ليس مسألة سهلة.

فرص التيار الثالث..

“وكالة أنباء فارس” : هل “حزب الإعتدال والتنمية” بصدد تشكيل تيار ثالث في البلاد ؟.. ولماذا الموضوع صعب ؟

“حسين مرعشي” : لأن البيئة السياسية تبلورت.. صحيح أن الأحزاب في بلادنا ضعيفة، لكن الجبهات موجودة بقوة. يعني حين تقول يسار ويمين أو إصلاحي وأصولي؛ يتضح الأثر حتى في عمق الريف الإيراني.

فإذا ذهبنا، على سبيل المثال، إلى قرية (كلمرز كهنوغ)، فالكل يعلم من يتبع تيارات اليسار واليمين أو الإصلاحي والأصولي. ولو استطاع شخص في “إيران” بناء جبهة ثالثة، لكان “حزب كوادر البناء”؛ قد استطاع بزعامة المرحوم، “هاشمي رفسنغاني”، القيام بهكذا عمل، وبالتأكيد لم نستطع. وعليه فقد أتضح دورنا سريعًا في “جبهة الإصلاح”.

“وكالة أنباء فارس” : لكن أليس ممكنًا ؟

“حسين مرعشي” : المجتمع لا يسأل لماذا تبلور بهذا الشكل ؟.. فلقد تشكل اليسار واليمين، منذ البرلمان الثاني، وكل النشطاء يعرفون دورهم.

و”حزب الإعتدال والتنمية” نفسه؛ حين عجز عن الإنضمام إلى “الجبهة الأصولية”، رغب في تشكل جبهة ثالثة بالدولة، وهذا غير ممكن. فقد خلف أداء حكومة السيد “روحاني”؛ الضعف على الساحات السياسية والاقتصادية والإدارية، وهو ما أثر على ضعف المكانة الاجتماعية لتلكم الحركة أكثر من ذي قبل. ولو أن حكومة “روحاني” كانت قد نجحت في المحافظة على “الاتفاق النووي”، كما نجحت في إبرامه، حينها ربما توفرت الأجواء اللازمة لتشكيل نِحلة وحوار جديد باسم “الإعتدال”.

لقد حقق السيد “روحاني” الكثير من الإنجازات في حكومته الأولى، لكنه فشل في المحافظة عليها، وعليه؛ ولذلك في حكومته الثانية لم يكن موفقًا وخسر سريعًا إنجازات في الحكومة الأولى، من ثم فقد أجواء نمو تيار فكري ثالث.

“وكالة أنباء فارس” : بناء على إجابتكم على السؤال الأول: هل تؤكد أننا يجب أن نولي اهتمامًا أكبر بالأحزاب؛ ونحن على مشارف الخطوة الانتخابية الثانية ؟

“حسين مرعشي” : خلق الكوادر الشبابية ينبع من قلب الأحزاب. ونحن نعتقد بالنسبة للخطوة الثانية أننا خضنا الكثير من التجارب الجيدة على مدى الأربعين عامًا الماضية؛ فيما يتعلق بالمشكلات الاجتماعية وكذلك جربنا الكثير من الطرق المختلفة ونتائجها جديرة بالتقييم.

وقد عشنا تجربة موضوعات الهياكل الإدارية ومكافحة الفساد في السياسة الداخلية والخارجية. لدينا، على مدار العقود الأربع الماضية، الكثير من التجارب ومن ثم يمكننا القول ماذا سنفعل إذا سلمونا “الإذاعة والتليفزيون” أو “الأوقاف” مدة ساعة واحدة.

كان لدينا وقت أربعين عامًا؛ وكانت لدينا أمانينا الرفيعة وقلنا وفعلنا وحصدنا النتائج، وإن لم تكن في رأيي النتائج المطلوبة. ولو أقترح فإني أقول: يجب في المرحلة الثانية أن نقيم الماضي بشكل واقعي، والتخطيط للمستقبل بناء على هذا التقييم. أي لا يمكن التخطيط للمستقبل بدون تقييم الماضي.. على سبيل المثال في العقد الأول للثورة غيرنا “مجلس القضاء الأعلى” إلى “رئيس السلطة القضائية”.

كان لدينا مرشد ورئيس جمهورية ورئيس للوزراء، فألغينا منصب رئيس الوزراء. وبحسب تجربة سنوات الإصلاح العشرة؛ فقد أتضحت اليوم، وبعد مرور ثلاثين عامًا على تلكم التجربة، الكثير من المسائل. ونحن بحاجة إلى إعادة النظر في ثلاث قطاعات، الأولى: القطاعات الهيكلية في النظام. لدينا قاضي وديوان عالي مستقل، لكن هذا لا يجب أن يعني مناقشة السياسات القضائية العليا، والتقنينية، والقوات المسلحة، والثقافة والأمن في أماكن أخرى وأن يجلس الوزراء للتصديق فقط على اللوائح.

وهذا الضعف تسبب في تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 5,1%، بدلاً من 8%، التي كنا نتطلع إليها في رؤية “إيران 2025”. فلو أننا، (إيران)، قمنا بتصدير 4 مليون نفط بدلاً من 5.2 مليون برميل، وحققنا ناتج إجمالي بقية 2000 مليار طومان بدلاً 400 مليار دولار، وبلغت عوائد الصادرات 300 مليار دولار لما عاقبونا بهذه السهولة.

ومما لا شك فيه فالعقوبات لا تقتصر على الشق الاقتصادي فقط، ولكن جوانب سياسية أيضًا. كان من المفترض بعد توقيع المرشد على وثيقة رؤية “إيران 2025” أن نكون القوة الأولى بالمنطقة؛ وما يستدعيه من تحقيق نمو بنسبة 8% وتضاعف اقتصادنا وغازنا بمقدار ثلاثة أضعاف.

والسبب الرئيس في عدم تحقيق ذلك أننا نحبط بعضنا البعض. فتتقدم مجموعة باسم الحكومة في حين يمسك تفتيش عام الدولة بتلابيب الحكومة. لكن كلنا يعمل على إحباط الآخر، ولم نحقق شيئًا على الساحات السياسية والاجتماعية وإنعدم التضامن والعظمة والوحدة القديمة.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة