خاص : ترجمة – حمدي جمال محمد :
وبدأ الزخم الانتخابي داخل الواقع السياسي الإيراني يأخذ تفاعله المعهود من تصارعات وتفاهمات ومهادنات وصفقات بين القوتين الفاعلتين داخل المشهد الإيراني من إصلاحيون وأصوليون، عاقدين الآمال على دور أكثر تأثيرًا في المشهد الكلي عبر الظفر في الانتخابات المقبلة.. فحسب الاتفاق المبرم بين “مجلس صيانة الدستور” و”وزارة الداخلية”، فسوف تُعقد الانتخابات البرلمانية في دورتها الحادية عشر، والانتخابات النصفية لـ”مجلس خبراء القيادة”، بدورته الخامسة، يوم الجمعة الموافق 21 آذار/مارس 2020.
ونظرًا لما تضفيه الظروف الإقليمية والدولية الحالية، من اشتعال الصراع “الإيراني-الأميركي” وتصاعده بشكل شبه يومي وما تعكسه أحداثه من تبعات على دول المنطقة، على تلك الانتخابات الإيرانية المقبلة من أهمية؛ أرتأت (كتابات) رصد إرهاصاتها وتحليل قواها المحركة من داخل المشهد السياسي الإيراني…
الإصلاحيون على مفترق طرق..
لطالما أظهر الإصلاحيون أنفسهم كأنصار للصندوق؛ إلا في بعض الفترات الزمنية الخاصة، وطلبوا من الجماهير الدعم، من خلال المشاركة في الانتخابات، للحصول على جزء من السلطة التنفيذية والتشريعية.
ولم يبدي “التيار الإصلاحي” رغبة المشاركة في الانتخابات للمرة الأولى مع إنطلاق مارثون انتخابات البرلمان السابع؛ بسبب رفض صلاحية الإصلاحيون، من الصف الأول، وحادث اعتصام نواب البرلمان السادس، ومن ثم حصل التيار المنافس، (الأصوليون)، على الأغلبية في البرلمان.
وبعد ذلك لم تكن مشاركة الإصلاحيين في الانتخابات البرلمانية قوية، وقد طُرحت فكرة المقاطعة في انتخابات البرلمان التاسع. حينها لم يبدي الإصلاحيون، بسبب احتجاجات 2009، رغبة في المنافسة على السلطة التنفيذية، ناهيك عن رفض “مجلس صيانة الدستور” السماح لهم.
بالتالي قاطع “التيار الإصلاحي” الانتخابات؛ ولم يشارك سوى بعض الشخصيات مثل؛ رئيس حكومة الإصلاح، “محمد خاتمي”.
وعليه؛ وبالنظر إلى ضعف الإقبال ورؤية النواب المتشددة للقضايا السياسية، فقد واجهت الدولة الكثير من المشكلات الإدارية، لاسيما خلال السنوات الأولى والثانية من عمر حكومة الرئيس، “حسن روحاني”، وكسب ثقة البرلمان على التشكيل الحكومي.
لكن؛ وبإقترابنا من الانتخابات البرلمانية الحادية عشر؛ ظهرت فكرتان مختلفتان تمامًا تتعلقان بمشاركة الإصلاحيين في الانتخابات.
المشاركة المشروطة..
كانت “المشاركة المشروطة”؛ من الأفكار الأساسية المطروحة لكيفية تعامل الإصلاحيين، وأكد “سعيد حجاريان”، المحلل البارز والمفكر الإصلاحي، أنه يتعين على الإصلاحيين إبداء موقفهم إزاء الانتخابات بشكل صريح وكامل.
وأكد على أنه: “ربما يكون البحث في أكثر الاستراتيجيات عقلانية، وهي (المشاركة المشروطة)، والاستفادة من فرصة الانتخابات، لكن لأن الشروط المطروحة لم تتحقق فإن التخلي عن التعاطي مع الانتخابات؛ هو الموقف الأقرب”.
وتأكيدًا على تعريف التوجه العام للإصلاحيين في المدى المتوسط؛ والمنصوص عليه مؤخرًا في “منظومة القوانين التأسيسية”، كتب “جحاريان”: “يبدو ذلك صعبًا وأحيانًا مستحيل على المدى القصير؛ بسبب الظروف المعقدة والحديث عن المشاريع الأساسية”.
وقد ظهر داخل “التيار الإصلاحي” من يؤيد هذه الفكرة، لكن وفي الوقت نفسه علا صوت المعارضين، وفي هذا الصدد شدد، “مصطفى تاجرزاده”، القيادي الإصلاحي، على ضرورة مقاطعة الإصلاحيين للانتخابات، وقال: “الإصلاحيون الموافقون على المشاركة بالانتخابات مجموعتين، الأولى تستدعي مصالحها البقاء في السلطة بأي ثمن، والأخرى تضم أصحاب التحليلات الخاطئة ممن يعتقدون أن البقاء في السلطة قد يكون ذا تأثير”.
ووصف المناقشات مع المجموعة الأولى، بـ”غير المجدية”، بينما علق على المجموعة الثانية؛ بالقول: “يمكن إجراء مناقشة مع هؤلاء وإقناعهم بضرورة مقاطعة الانتخابات مهما كان الثمن، لأننا يجب أن نشارك في الانتخابات التي نتأكد أن بمقدور قائمتنا التي ستحصل على أصوات أداء العمل”.
مشاركة بلا قيد أو شرط..
لكل انتخابات ظروفها الخاصة، لكن تعاطي بعض الإصلاحيين مع مقولة الانتخابات مختلف؛ حيث يفضلون المشاركة والحصول على جزء من السلطة.
وقد تحدث “سيد حسين مرعشي”، المتحدث باسم “حزب كوادر البناء”، عن إنعدام البديل وضرورة مشاركة الإصلاحيين في الانتخابات قدر المستطاع، خوفًا من تكرار الأداء السيء للتيار المنافس، وقال: “لا يمكننا تسليم البلاد بسهولة لأعضاء جبهة الثبات؛ إذ نحيط جيدًا بأخطائهم وماذا سوف يجلبون للدولة، ومن جهة أخرى لا يمكننا إثارة يأس الشعب من النظام السياسي ككل وتسليم الجماهير للقوى التي تحالفت مع العدو. بالتأكيد لن نسلمهم الدولة”.
والواقع أن الأداء السيء للتيار المنافس يستدعي دراسة منفصلة، لكن بالنسبة لـ”التيار الإصلاحي”؛ الذي فاز بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحليات، إلى أي مدى كان التناسب بين الوعود والأداء ؟.. وما الذي قد يطرأ على الاستثمارات الإصلاحية الشعبية لو يتطور الوضع على نفس المنوال الحالي ؟.. ومن يستطيع إجابة الاستثمارات الشعبية المفقودة ؟..
لقد تسببت الرؤية الشعبية السلبية حيال ترشيحات التيار المتشدد خلال الدورات الانتخابية السابقة في فوز قائمة الإصلاح بالبرلمان ومجالس البلديات؛ دون الإلمام الكافي بطبيعة المشاركين في هذه القائمة. وبالتأكيد لا يمكن تكرار هذه الفوز الحاسم باستراتيجية متكررة، فلم يعد الشعب على استعداد للثقة في أفراد لا يعرفهم وسيرتهم الذاتية غير واضحة، لمجرد الخوف من المنافس.