خاص : كتبت – نشوى الحفني :
يبدو أن الوجود الإيراني في “العراق” بات متأزمًا؛ وهو ما تظهر انعكاساته بشكل واحد على تشكيل الحكومة الجديدة واختيار رئيس الجمهورية، وهو ما جعل بدائل الحل في أروقة ودوائر الحكم تطفو على السطح، فبحسب مصادر سياسية عراقية مطلعة؛ فإنه تجري الآن اتصالات بين أغلب الفرقاء السياسيين تهدف إلى وضع أرضية للتوافق تُفضي إلى استمرار السلطات الحالية بشكل مؤقت إلى حين حل أزمة الفراغ الدستوري الناجمة عن غياب النُصاب القانوني لاختيار رئيس للجمهورية يكون قادرًا على تكليف رئيس للوزراء لعرض تشكيلته أمام البرلمان.
وكشفت المصادر عن تشكيل تحالف سياسي جديد بعيد عن نتائج الانتخابات؛ من خلال تقارب سُنّي مع (الإطار التنسيقي) وكتلة (الاتحاد الوطني الكُردستاني) وعدد من نواب الكتل الصغيرة والمستقلين بهدف دفع البرلمان إلى التمديد للرئيس؛ “برهم صالح”، وكذلك رئيس الوزراء؛ “مصطفى الكاظمي”، ولو بشكل مؤقت ولمدة لا تتجاوز ستة أشهر، بغْية الحفاظ على عمل المؤسسات الدستورية، وإعطاء الصلاحيات لحكومة تصريف الأعمال ووزرائها لتوفير الخدمات الضرورية للعراقيين، وكذلك الإيفاء بالإلتزامات الخارجية للبلاد.
توافق للضرورة بسبب تهرب “الصدر”..
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن هذا التوافق هو توافق ضرورة وناجم بالأساس عن تهرّب زعيم (التيار الصدري)؛ “مقتدى الصدر”، من تحمل مسؤولية قيادة المرحلة الجديدة لكون تياره قد حاز على الكتلة الأكبر في البرلمان، وأن دعوة خصومه إلى تشكيل حكومة خلال أربعين يومًا لم تكن سوى مدخل للانسحاب؛ لكن من دون تسليم المهمة إلى تحالف برلماني جديد، وهو ما يفتح الباب أمام فراغ دستوري ومؤسساتي طويل المدى.
مطالب بمعالجة الانسداد السياسي..
وكان قادة “العراق” الثلاثة قد دعوا؛ الثلاثاء الماضي، من بينهم: “برهم صالح” و”الكاظمي”، ورئيس البرلمان؛ “محمد الحلبوسي”، إلى معالجة حالة الانسداد السياسي، والعمل بثقة متبادلة من جميع القوى السياسية لتشكيل الحكومة المقبلة.
وأجمع القادة على أن البلاد في حاجة إلى خطوات لمعالجة الانسداد السياسي وحلّ الخلافات السياسية وألا يتحول الخلاف السياسي بين الفرقاء إلى أداة تهديد للدولة، مطالبين بالتكاتف لمعالجة الأخطاء والسلبيات التي رافقت العملية السياسية في البلاد.
الحل الوحيد في الوقت الحالي..
المراقبون اعتبروا أنه لا خيار أمام العراقيين في الوقت الحالي؛ سوى التمديد لـ”برهم صالح” و”الكاظمي”؛ لكونهما يحوزان على ثقة الحد الأدنى من العراقيين؛ خاصة “برهم صالح”، في الوقت الذي لا توجد فيه أيّ أرضية للتوافق حول المرشح الكُردي الآخر؛ “ريبر أحمد”، ولا على “جعفر الصدر”؛ رئيس الحكومة المقترح من (التيار الصدري) وحلفائه، محذرين من أن إصرار “الصدر” على فرض؛ “ريبر أحمد”، مرشح “مسعود بارزاني”؛ رئيس الحزب (الديمقراطي الكُردستاني)، ومرشحه الشخصي، وأحد أبناء عمومته؛ “جعفر الصدر”، سيعني استحالة الوصول إلى تسوية، أولاً لغياب النُصاب القانوني في البرلمان الذي يُتيح تزكيتهما، ومع مرور الوقت سيفقد تحالف (إنقاذ وطن) البرلماني دعم النواب مع تصاعد الانتقادات الموجهة إليه، وثانيًا أن الرجلين غير معروفين ولا يمتلكان خبرات ذات قيمة لقيادة دولة في حجم “العراق”؛ وفي ظل ظروفه الصعبة.
ولتجنب الفراغ الرئاسي قررت “المحكمة الاتحادية” تمديد مهام الرئيس؛ “برهم صالح”، إلى حين التوصل إلى تسوية الخلاف السياسي، وقد أثار القرار جدلاً بين خصوم؛ “برهم صالح”، الذين اعتبروا أن قرار المحكمة: “سياسي” ويصبّ في صالحه، وبين من رأى أنه ضرورة للحيلولة دون فراغ في رأس هرم السلطة.
ومع التمديد لـ”برهم صالح”، باتت قوى (الإطار التنسيقي) الشيعية ترى في الإبقاء على حكومة “الكاظمي”، مع إجراء تعديلات وزارية عليها، الخيار الأكثر واقعية والأنسب في ظل الانسداد السياسي الراهن؛ لا سيما مع عدم إبداء (التيار الصدري) أيّ تعاون أو استجابة للمبادرة التي طرحها الإطار لتشكيل الكتلة النيابية الأكبر.
القبضة الإيرانية باتت أقل تأثيرًا..
ويرى الكاتب “حسن فحص”؛ في مقال تحت عنوان: “بوادر حلول هل تقترب من الجدية ؟”، بموقع (إندبندنت عربية)، أن أزمة الحكم التي يعيشها “العراق”، أثبتت أن القبضة الإيرانية التي كانت تتحكم بمفاصل القرار وتوجهات القوى السياسية المُسيطرة على المشهد السياسي لم تعُد فاعلة، أو قادرة على حسم الموقف بالسرعة التي كانت تحدث في الفترات الماضية.
لافتًا إلى أن النفوذ الإيراني في “العراق” كان قادرًا على التأثير في مواقف جميع القوى، ولم يكُن محصورًا فقط داخل القوى والأحزاب والفصائل الموالية لـ”طهران”، أو تلك التي تدور في فلكها أو تتحالف معها إستراتيجيًا وتكتيكيًا. بل كان يشمل جميع المكونات الأخرى، الكُردية والسُنية بمختلف أطيافها وتوجهاتها، الصديقة والمخالفة.
موضحًا أن مقتل “سليماني” كان نقطة التحول الأساسية في المشهد العراقي، حيث أن غياب ضابط الإيقاع دفع كل القوى العراقية، من مختلف المكونات، بخاصة داخل المكون الشيعي، إلى إعادة ترتيب أولوياتها، وتحصين مكتسباتها وتثبيت مصالحها، انسجامًا مع تداعيات هذا الاغتيال؛ وما سيؤدي إليه من إرباك نتيجة غموض الرؤية الإيرانية في التعامل مع هذا المستجد، على الأقل في المدى المنظور الذي تفرضه عملية اختيار البديل لـ”سليماني” والسياسات التي سيعتمدها في التعامل مع الساحة العراقية بخاصة، والساحات الإقليمية التي تُشكل المدى الإستراتيجي للنفوذ الإيراني عامة.
صراع مصالح ووجود..
ورأى أن المرحلة الانتقالية ما بين اغتيال “سليماني” واستلام خلفه؛ “إسماعيل قاآني”، مسؤولية قوة (القدس) بما فيها “العراق، أدخلت القوى الموالية لـ”إيران” والمختلفة معها أو تلك المتمايزة عنها، في صراع واضح كان بمثابة صراع وجود واستمرار، إنطلاقًا من محاولة كل طرف تكريس مكتسباته ومصالحه بغض النظر وبعيدًا من أخذ المصالح الإيرانية في الاعتبار، ما أدى إلى ما يشبه القطبية أو الثنائية التي أعطت الصراع والمعركة على البقاء والاستمرار داخليًا، الأولوية على أي بعد آخر، بما في ذلك العمق الإقليمي الذي بدأ يأخذ ملامحه الواضحة، بتوزّعه بين العمق الإيراني والعمق المشترك “العربي-التركي”.
الأمر الذي أوصل الأمور إلى انسداد حقيقي في العملية السياسية، ظاهرها المعركة على حقوق المكونات والجهة التي تُريد الاستحواذ على موقعي رئاسة الجمهورية داخل المكون الكُردي، ورئاسة الوزراء داخل المكون الشيعي، على الرغم من الشعار الذي أديرت به هذه المعركة بين توجه لإقامة حكومة غالبية وطنية تمسك بها التحالف الثلاثي، بخاصة “الصدر”، وبين حكومة غالبية رفعها (الإطار التنسيقي)، متذرّعًا بالدفاع عن حقوق المكون الشيعي ككتلة موحدة في تسمية رئيس الوزراء.
صراع القوى الإقليمية..
ورغم الانقسامات بين المكونات السياسية، يرى “فحص” أنه في حين أن حقيقة الأزمة كانت في مكان آخر، ملعبها صراع القوى الإقليمية، “طهران” من جهة، والعمق العربي واتهام دولة “الإمارات” بالإمساك بمفاصل هذا التوجه بالاعتماد على ما تربطها من علاقات وطيدة بالقيادة الكُردية من ناحية، ومع رئيس البرلمان “الحلبوسي” عن المكون السُني من ناحية أخرى، إضافة إلى ما تملكه من تأثيرات في التوجهات العربية لزعيم (التيار الصدري)، وهو اتهام يشمل أيضًا الدور التركي مع هذين المكونين بالتنسيق مع “أبوظبي”.
بوادر تفاهمات بين “إيران والإمارات وتركيا”..
واستطرد قائلاً ما يتسرب في الأيام الأخيرة من داخل الأروقة العراقية، وجود بوادر على تفاهمات بين: “طهران وأبوظبي وأنقرة”، على تمرير الاستحقاقات العراقية، وفتح طريق أمام تفاهمات تُساعد على كسر الانسداد الذي وصلت إليه الأمور، بالاعتماد على نوع من الليونة بدأت بالظهور في الموقف الكُردي، إلى جانب استعداد لدى تحالف (السيادة) بالتعاون الإيجابي للخروج، في حين يبقى الرهان على موقف “الصدر” الذي قد يكون أمام واحد من احتمالين، إما التمسك بموقفه بالدفاع عما يعتبر استحقاقًا لتياره في تشكيل الحكومة بعيدًا من قوى الإطار، وما يعني إمكانية الذهاب إلى المعارضة في حال تم التوافق الداخلي والإقليمي على التسوية، وإما أن يذهب إلى الشراكة مع الإطار وتشكيل حكومة توافقية على أنقاض حكومة الغالبية السياسية.
ويبدو أن الأيام العشرين المقبلة، وإنتهاء الاعتصام الكلامي الذي إلتزمه “الصدر”؛ حتى التاسع من الشهر المقبل، ستكون حافلة بجهود إنضاج هذه التسوية وكسر الانسداد القائم، وكلها ستكون رهن التسويات والتفاهمات الإقليمية والدولية بين المؤثرين في الساحة العراقية من “واشنطن”، مرورًا بـ”أبوظبي”، وصولاً إلى “أنقرة” و”طهران” !