24 أبريل، 2024 2:04 م
Search
Close this search box.

صراع الأفيال .. الانتخابات الإيرانية وانفجار الجمهورية الإسلامية المرتقب

Facebook
Twitter
LinkedIn

كتب – محمد بناية :

رغم ترشح عدد كبير جداً للمنافسة على رئاسة السلطة التنفيذية في “إيران” – حتى اليوم الثاني من فتح باب الترشيحات – بينهم ست نساء في سابقة هي الأولى – رغم عدم حسم الجدل المتمثل في إمكانية ترشح النساء من عدمه – وترشح الرئيس السابق “أحمدي نجاد” – رغم نصيحة “خامنئي” له بعدم الترشح – يمكننا القول إن الصراع على انتخابات الرئاسة الإيرانية في دورتها ا لثانية عشر والمقررة في آيار/مايو المقبل، قد انحصر بشكل أساسي بين التيارين الأصولي ممثلاً في شخص رجال الدين “إبراهيم رئيسي”، المدعوم من “خامنئي”، و”الحرس الثوري”، أملاً في تجنب تفتيت أصوات أولئك الذين يتعطشون لما يعتبرونه إحياء لقيم الثورة الإسلامية عام 1979، والتيار الإصلاحي ممثلاً في شخص الرئيس “حسن روحاني” المنافس الوحيد للمرشح الاصلاحي المعتدل حتى الآن. وسنحاول فيما يلي استعراض أهمية هذه الانتخابات ومدى تأثيرها على الأوضاع في إيران.

“إبراهيم رئيسي” مرشح الحرس الثوري..

إبراهيم رئيسي

هو صهر آية الله “علم الهدى”، عُين بعد الثورة – وكان في العشرين من عمره – وكيل نيابة بالجهاز القضائي للكرج. ولم تكد تمر أشهر قليلة على عمله في النظام القضائي حتى أضحى رجل الدين الشاب “مدعى عام الكرج”. ثم عُهد إليه عام 1982 بمسؤولية “النائب العام في همدان” إلى جانب الكرج نظراً لدوره المؤثر في قمع المعارضة وإحكام غلق المجال السياسي للكرج. وبعد ثلاث سنوات عُين رئيسي، عام 1985، “نائب مدعى عام محكمة الثورة” بطهران. وكان أحد المتورطين الأربعة في ملف قتل المعارضة بالسجون الإيرانية. ولا يُعرف على وجه الدقة عدد السجناء المحكوم عليهم بالإعدام عام 1988 في محاكمات صورية غير قانونية استمرت عدة دقائق. وإن تحدث آية الله “منتظري” عن إعدام ما بين 2800 – 3800 شخص. يقول آية الله منتظري (قائم مقام المرشد آنذاك) في مذكراته: “كانت غرة شهر المحرم، وقلت للسيد نيري وكان القاضي الشرعي في آيفين والسيد أشراقي وكان المدعي العام والسيد رئيسي نائب المدعي العام والسيد پورمحمدي ممثل المخابرات، إنه شهر المحرم، توقفوا عن الإعدام على الأقل في شهر المحرم. فقال السيد نيري لقد أعدمنا حتى الآن 750 شخص في طهران، وبقى 200 آخرين عن البقية، وسوف نقوم بجمعهم ومن ثم كما تشاء”. وفي مقابل خلع منتظري من منصبه كقائم مقام المرشد، رُقى إبراهيم رئيسي إلى مدعى عام العاصمة – ولم يكد يبلغ الثلاثين – بقرار “محمد يزدي” رئيس السلطة القضائية آنذاك، وظل في المنصب مدة خمس سنوات. وبعد ذلك (عام 1994) شغل منصب رئيس هيئة التفتيش العام بالدولة مدة عشر سنوات. وترقي رئيسي تدريجياً، فقد شغل في الفترة من 2004 – 2014 (والتي شهدت قمع المظاهرات الرافضة لنتائج الانتخابات الرئاسية بشكل دموي)، منصب النائب الأول للسلطة القضائية. وله موقف شديد الصعوبة حيال رفع الحظر. ثم تولى رئيسي عام 2012 منصب مدعى عام المحاكمات الخاصة برجال الدين بأمر المرشد، قبل أن يترقى إلى منصب المدعي العام بالبلاد عام 2014. وحالياً عُهد إلى رئيسي بسدانة “أوقاف القدس الرضوي”، المؤسسة الخيرية الأكثر ثراءً في العالم الإسلامي، والمنظمة المسؤولة عن أكثر أضرحة إيران قدسيةً. مع هذا ورغم أن رئيسي لا يشغل أي مكانة عسكرية أو حكومية، لكنه كان يعقد الكثير من اللقاءات ويتخذ من المواقف ما يفوق بشكل واضح وزنه القانوني والسياسي. وكانت القيادات الشرطية والعسكرية تقدم تقارير مفصلة عن نشاطاتها إلى المرشح “إبراهيم رئيسي”. فحصل في وقت سابق على تقارير من قائد شرطة الحدود، والقادة عزيز جعفري (القائد العام للحرس الثوري) في بداية اللقاء المذكور تقريراً مفصلاً عن نشاط الحرس الثوري، وقاسم سليماني (قائد جيش القدس) تقريراً عن الأوضاع الإقليمية ومكانة استراتيجية النظام في التطورات الإقليمية، دون أن يكون لرئيسي أي مكانة عسكرية أو حكومية.. وبالتالي فإنَّ علاقات رئيسي بالحرس الثوري، ووكالات الاستخبارات، ودائرة خامنئي المقرَّبة، بما في ذلك ابنه “مُجتَبى” تجعله الأوفر حظاً في سباق الانتخابات الرئاسية، خاصة مع تسخير عدد كبير من المؤسسات (لاسيما هيئة الإذاعة والتليفزيون ومؤسسة الكرامة، والتي تعتبر حلقة اتصال رئيسي بالحرس الثوري)، في إيران للترويج للسيد رئيسي.

التحذير من المال القذر وتزوير الانتخابات..

وصف “مجيد أنصاري” النائب القانوني للرئيس حسن روحاني، عملية التصديق على لائحة “شفافية التكاليف المالية في القضايا الانتخابية” بالضرورية لأن لائحتها تفرض على المرشحين والأحزاب المشاركين في الانتخابات توضيح مصادرهم وميزانياتهم المالية، للحيلولة بشكل قانوني دون انتشار ظاهرة “الأموال القذرة” في الانتخابات.

وحول هذا الموضوع كتب الموقع الإخباري “انصاري” ما نصه: “إن التصديق على اللائحة يحمل مزية مهمة، وهي عدم إساءة استغلال الأموال العامة وأموال بيت المال. كذا لا تتعرض الأفراد والأحزاب والتيارات المشاركة في الانتخابات للتشويه إذا ما حصلت على دعم مالي من الأعضاء”.

بدوره حذر “عبد الرضا رحماني فضلي” وزير الداخلية في كلمته إلى وحدة مكافحة المخدرات من انفاق المهربين أموالهم في دعم وتأييد المرشحين الانتخابيين والتأثير على العملية الانتخابية بغرض الحصول على الحوزات السياسية.

مرشد الثورة الايرانية

وقد نشرت مؤخراً وكالة آنباء “فارس” تقريراً مصوراً عن زيارة إبراهيم رئيسي إلى مناطق “خوزستان” الأكثر فقراً وتوزيع “مؤسسة الكرامة” برئاسة العميد “حسين يكتا” القائد السابق في قاعدة خاتم الأوصياء “طحين البركة” على البسطاء. والمعروف أن هذه المؤسسة تعمل ضمن مجموعة لجنة تنفيذ قرارات الإمام والتي تخضع لإشراف آية الله خامنئي. وتركز المؤسسة بشكل أساسي على محافظة خوزستان خاصة بعد التلوث التي شهدتها المحافظة مؤخراً. ويرى مراقبون أن زيارة رئيسي إلى المحافظة تعد مقدمة وتمهيد لاستغلال دور المؤسسة في المحافظة، خاصة بعد الحملة الدعائية التي دشنتها المؤسسة للسيد رئيسي وهو يتفقد الأسر الفقيرة بالمحافظة.

على صعيد متصل وفي إطار تسخير مؤسسات الدولة لصالح رجل الدين “إبراهيم رئيسي”، عزفت هيئة الإذاعة والتليفزيون، في خطوة غير طبيعية، عن البث المباشر لكلمة الرئيس روحاني في مؤتمر “اقتصاد المقاومة والتنمية الريفية”، والتي قال فيها: “إن كل قرية قد تمثل وسيلة إعلام للحكومة الحادية عشر المظلومة”. وهو الأمر الذي يعكس استراتيجية الهيئة حيال حكومة روحاني لاسيما على مشارف انتخابات رئاسة الجمهورية، بينما تهتم في المقابل بنقل أخبار رئيسي.

في المقابل تعرض روحاني إلى هجوم من قبل “صادق آملي لاريغاني” رئيس السلطة القضائية،  اتهمه خلالها بتلقي الدعم المالي في حملته الانتخابية الماضية عام 2013 من “بابك زنغاني” الملياردير الشهير، الذي حكم القضاء الإيراني بإعدامه بعد اتهامه بسرقة أموال وفساد، يصل إلى مليارات الدولارات. كما تعرض روحاني لهجوم من قبل “محسني أغئي” المتحدث باسم السلطة القضائية، دعا فيه إلى مساءلة روحاني عن مصادر تمويل حملته الانتخابية في 2013.

الموقف على الصعيد الإصلاحي..

كانت وفاة “هاشمي رفسنجاني” رئيس تشخيص مصلحة النظام، بمثابة صدمة للتيار الإصلاحي الذي كان يعتمد بشكل أساسي على قوة ومكانة رفسنجاني داخل إيران. كان معظم المهتمين بالشأن الإيراني يراهن على دور هاشمي رفسنجاني في السياسة الإيرانية في مرحلة ما بعد خامنئي. وبرحيل رفسنجاني يخسر روحاني أهم داعم له في الانتخابات الرئاسية المقررة العام الجاري، كما يواجه التيار الاصلاحي عموماً موقفاً حرجاً بعد خلاء الساحة للأصوليين من أهم داعمي الاصلاحيين. ناهيك عن رفض المرشد على خامنئي لـ”مبادرة المصالحة” التي دعا من خلالها الرئيس الأسبق “محمد خاتمي” إلى: “سيادة مناخ المصالحة الوطنية على البلاد، وإيجاد الوحدة والانسجام بين كافة الكوادر والتوجهات لمواجهة التهديدات الخارجية”.

وقد كشفت المبادرة عن رغبة التيار الإصلاحي في التواصل مع هرم السلطة ـ المرشد على خامنئي ـ جراء رحيل الأب الروحي للتيار “هاشمي رفسنجاني”، والذي كان يعتبر حلقة الوصل بين هذه الجبهة والتيار المحافظ. بعدها قام الرئيس روحاني بجولة خليجية شملت عمان والكويت بهدف الحصول على الدعم الخليجي في مواجهة الأصوليين والحرس الثوري خاصة بعد تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية.

في الوقت نفسه هاجم الرئيس روحاني القوات الأمنية والعسكرية ودعا إلى مواجهة التدخلات الأمنية في العملية الانتخابية، وهى ليست المرة الأولى التي يهاجم فيها الرئيس “روحاني” سيطرة الحرس الثوري على كل شئ في إيران. أضف إلى ذلك، جهود التيار المحافظ الرامية إلى تشويه حكومة روحاني ووصفه بالفاشل لاسيما على الصعيدين الاقتصادي والعلاقات الخارجية.

وقد استفاد رئيسي من انتقاد المحافظين لسجل روحاني، قائلين إن الرئيس “يراهن بشدة على التقارب مع الأعداء ولم يفعل شيئاً يذكر في الداخل لتحسين الاقتصاد”.

ومع تصاعد وتيرة الصراع والتهم المتبادلة حول ملفات الفساد الكبيرة في أجهزة الدولة ومؤسسات النظام، بين حكومة روحاني وأقطاب التيار المحافظ المقربين من المرشد الأعلى، “علي خامنئي”، هدد المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور ضمنياً “روحاني” بسحب الثقة منه في الانتخابات القادمة.

من كل ما سبق تتضح نية المرشد على خامنئي والحرس الثوري والباسيج في احتكار السلطة وإغلاق كافة المجالات السياسية في إيران، وهو ما عبر عنه خامنئي بقوله: “نتائج الانتخابات ستكون ملزمة للجميع”. بعبارة أخرى سيكون الرئيس روحاني أول رئيس للجمهورية الإيرانية لفترة واحدة.. لكن ما هي النتائج المحتملة المرتبة على هذه العملية ؟!

حسن روحاني

سيناريوهات ما بعد الانتخابات..

1 – المقاطعة: دعا “الحزب الاشتراكي” في إيران إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية كرد فعل على عزم الحرس الثوري التوغل على السلطة التنفيذية بمباركة وتأييد من المرشد “علي خامنئي”. وكان الدكتور “محمد ملكي” أول رئيس لجامعة طهران بعد الثورة الايرانية، قد دعا في حوار صحافي إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية الايرانية، معللاً بسرعة تغير الأوضاع العالمية قائلاً: “أرجو من الشعب أن لا يتأثروا بأي وضعية يخلقونها لهم وألا يشاركوا في هذه الانتخابات”. مضيفاً: “اقترح أن يتجمع كل من لا يشارك في الانتخابات في مكان موحد كميدان الحرية”.

2 – الثورة: دعا “رضا بهلوي”، نجل الشاه محمد رضا بهلوي آخر ملوك الأسرة البهلوية في إيران، إلى ثورة في إيران بسبب طبيعة النظام غير القابلة للإصلاح. وقال في تصريحات لوكالة “أسوشيتد برس”: “تخلى الإيرانيون عن فكرة الإصلاح، ويعتقدون بوجوب حدوث تغيير أساسي.. والآن كيفية حدوث هذا التغيير هو السؤال الكبير… ورأى أن الشباب الإيرانيين يتطلعون بشكل متزايد إلى ماضي إيران… ويجب أن تبدأ الثورة بإضراب النقابات العمالية في عموم البلاد، وطمأنة أعضاء الحرس الثوري على حيواتهم”.

والحقيقة أن الأوضاع في إيران لا سيما في الفترة الأخيرة تنذر بالانفجار. وقد حلت إيران في المرتبة 106 على “مؤشر السعادة العالمي”، فالشعب الإيراني ساخط على النظام خاصة بعد شيوع الفقر وتنامي معدلات البطالة والإقبال على المخدرات بل إن البعض لجأ إلى بيع اعضاءه الجسدية مقابل المال. أضف إلى ذلك اندلاع المظاهرات الغاضبة في إقليم “الأحواز”، بعد تسريب وثيقة سرية تكشف دور الحكومة الإيرانية في تدمير البيئة بالإقليم، ومقتل شابين أحوازيين وجرح ثلاثة آخرين بمدينة الفلاحية على أيدي قوات الأمن، وعجز الحكومة عن حل مشكلات الإقليم والتعامل مع أزمة الغبار والقطع المستمر للماء والكهرباء، وسرقة مياه نهر “كارون” ونقلها إلى المدن الفارسية. واستياء أبناء الطائفة “الآذرية” من احتقار السلطة الدائم لهم، وكذلك رغبة الأكراد في الانفصال.

لكن الأهم “كما أكد نجل الشاه”، هو موقف الشباب من النظام، إذا تغيرت العقول ولم يعد الشباب يقدس النظام والجمهورية الإيرانية كالسابق، وهو ما برز في مظاهرات 2009 واحراق الشباب صور “الخميني وخامنئي”. ولعل المظاهرات التي شدتها جنازة “هاشمي رفسنجاني” في كانون ثان/يناير الماضي وما شهدته من شعارات تندد بالنظام ومؤسساته لهو خير دليل على قوة احتمالات اندلاع ثورة جديدة في إيران.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب