19 أبريل، 2024 4:13 م
Search
Close this search box.

صراخات العراقيين مطالبة بحقهم في أموال العراق.. “جرس إنذار”

Facebook
Twitter
LinkedIn

لم يك يصدق العراقيون يوماً أن يعايشوا في واقعهم أحداث الفيلم المصري “عايز حقي”، المنتج عام 2003 وتدور قصته حول بطله المواطن المصري البسيط الذي يطالب بحقه ونصيبه من المال العام بحسب مادة في الدستور تقول إن المال العام هو ملك لكل مواطن في الدولة وأن الاهرامات وكل شيء في مصر قابل للبيع وتوزيع أمواله على المصريين.. لينعكس ذلك على الواقع العراقي ويأتي اليوم السابع والعشرين من شباط/فبراير 2017 ويطالب المواطن العراقي “فراس اللهيبي” بحقه من الدولة.

الرجل رفع دعواه القضائية ضد رئيس مجلس النواب ورئيس الوزراء ورئيس الجمهورية العراقي، يطالب فيها بما وصفه بحقوقه من موازنة العراق الإتحادية منذ عام 2003 وحتى الآن.

الدخان يتصاعد
الإجراء يجب ألا يؤخذ على محمل السخرية.. فهو إن دل فإنما يدل على حال العراقيين اليوم، وكيف أن غالبيتهم اصبحوا يعيشون ضنك إقتصادي لم يعد في قدرتهم تحمله، إن مثل هذه الخطوات تعطي إنذاراً شديد اللهجة، وعلى الرئاسات الثلاثة ولكل سلطة في العراق أن تفهم ما بين سطور هذه الرسالة.. فمن هنا يبدأ الدخان في التصاعد وتأتي بعده النيران التي تأكل الأخضر واليابس، والعراق فيه ما يكفيه من هموم.

المواطن العراقي قال إنه يطالب الرئاسات الثلاثة بتسديد مبلغ مليارين و210 مليون دينار عراقي، هي مجموع إستحقاقه من موازنات العراق، كمواطن عراقي له نصيب من دخل بلاده.

ولأن القدر دائماً ما يعطي الدروس.. فإن الدعوى تتزامن مع تنظيم عدد من الناشطين في البصرة، في ذات اليوم الموافق 27 شباط/فبراير 2017، وقفة إحتجاجية قرب ديوان المحافظة تعبيراً عن رفضهم لأية زيادة في رواتب أعضاء مجلس النواب.

برلمان يستفز شعبه
وقال المحتجون ما يجول في خاطر أغلب العراقيين الآن، إذ أكدوا على أن “وقفتهم جاءت لرفض واستنكار قيام مجلس النواب بإستفزاز مشاعر غالبية المواطنين من خلال زيادة رواتب أعضائه”، ملمحين إلى أن سلوك مجلس النواب بهذا الصدد يجعل من الحديث عن التقشف مجرد “أكذوبة”، وأنه من غير المعقول والمقبول أن يتم الإستقطاع من رواتب الموظفين البسطاء، ومن ثم يتفاجأ الجميع بزيادة في رواتب النواب، هذه هي سخرية القدر في العراق اليوم.

ومن هنا يبدأ الغضب في الإنتشار بين أطياف العراقيين، ويتمدد من بسطاء الشارع إلى شباب المقاهي إلى المثقفين والنخب، حتى تحين لحظة قد تتزلزل الأرض من تحت أقدام أعتى المسئولين فيها، وهو ما يوضحه نشطاء عراقيون من أن “محاولة زيادة رواتب النواب يجب أن لا تمر مرور الكرام”، معتبرين أن “مجلس النواب في وادٍ والشعب العراقي في وادٍ آخر”، وأن مجلس النواب إذا كان حريصاً على تحسين الوضع المعيشي للعراقيين فعليه تشريع قوانين تحقق ذلك، وأن يلزم الحكومة بتنفيذها من منطلق دوره الرقابي، بدلاً من إنشغاله بتحقيق منافع ضيقة لأعضائه.

توجيه الغضب لن يُجدي
إن مرحلة توجيه الغضب التي تنتهجها أغلب الأنظمة الديكتاتورية أو تلك التي لا تعيش إلا في مستنقعات الفساد لن تستمر طويلاً، فالمسكنات السياسية والأمنية إلى زوال، وتعود الشعوب للبحث عن قوتها وتفتش وتسعى وراء ناهبيه.

فيكفينا هذا التناقض الذي يعيشه العراق اليوم.. فالبرلمان ذاته الذي سعى لرفع رواتب نوابه “القادرين مادياً” بأكثر من 25% في شباط/فبراير 2017، هو نفسه الذي صوت على إستقطاع 3.8% من رواتب الموظفين والمتقاعدين “الكادحين محدودي الموارد” في كانون أول/ديسمبر 2016، أي قبلها بـشهرين فقط، فإلى أي منطق يستندون وإلى أي حسابات يعتمدون.

لقد كشف أحد النواب عن زيادة الراتب “الإسمي” لأعضاء مجلس النواب من أربعة إلى خمسة ملايين دينار اعتباراً من شباط/فبراير 2017، وكان المبرر أنه منذ شهر آب/أغسطس عام 2015 تعتمد الرواتب بحسب الشهادة الحاصل عليها النائب، حيث يبلغ راتب النائب الحائز على شهادة الإعدادية أربعة ملايين و600 ألف دينار، فيما يصل راتب النائب الحائز على شهادة الدكتوراة إلى أكثر من تسعة ملايين دينار، وأنه لمعالجة ذلك التباين تقرر المساواة بين رواتب النواب.. ما أعظمه من مبرر لو كانت الأغلبية من النواب العراقيين حاصلة على الدكتوراة، لقلنا وقتها إنهم يضحون برواتبهم من أجل قلة قليلة من النواب الحاصلين على الإعدادية، لكن العكس هو الصحيح.. فالقرار جاء لصالح الأغلبية.

يتمنى العراقي لنوابه راتباً ممتازاً.. لكن في المقابل على النواب إدراك أهمية توفير الأجر الذي يحفظ الكرامة ويؤمن كل أسرة عراقية.

مؤامرات الخيال
وكالعادة المؤامرات لا تنقطع إذا ما كان هناك حديث عن فساد أو محسوبية أو تفضيل لفئات إجتماعية على حساب أغلبية الشعب.. فعلى الفور، وفي ذات يوم رفع الدعوى المطالبة بحق العراقيين في موازنة دولتهم منذ عام 2003 وهو أيضا ذات اليوم الذي يقرر فيه البرلمان رفع رواتب نوابه – 27 شباط/فبراير 2017 –، يقول رئيس المجلس “سليم الجبوري” إن البرلمان يتعرض لهجمة شرسة وخاصة بشأن رواتب النواب، مبيناً ان الراتب الإجمالي للنائب هو سبعة ملايين و200 ألف دينار، وياليته ظل صامتاً فقد أكد على أن الرقم أعلى من الخمسة ملايين دينار.

قروض الإلهاء
ولأن الشعب هو الترس الأضعف في عجلة المصروفات والطلبات والإهتمام، لا مانع من الضحك عليه وإلهائه عن زيادة رواتب النواب، وكثير من المعاناة بالموافقة على سُلف وقروض للموظفين، وهو ما أعلنته وزارة المالية في نفس اليوم أيضا – 27 شباط/فبراير 2017 -، وتوجيهها مصرفي “الرشيد” و”الرافدين” بإطلاق السلف لموظفي الدولة بما يعادل عشرة رواتب شاملة للإسمي والمخصصات الثابتة وبما لا يزيد عن عشرة ملايين دينار وفق الضوابط والتعليمات المعمول بها في كلا المصرفين – وما أدراك ما الضوابط، مشيرة إلى أن التوجيهات تضمنت اعتماد الشفافية في صرفها.. جميل مصطلح “الشفافية والنزاهة” الذي تعتمده أغلب الأنظمة العربية.

إن قرار السلف أعلن عنه من قبل في (17 أيلول/سبتمبر 2016).. لكن لماذا جاءت مصادقة وزارة المالية وموافقة الوزير عليها الآن؟.. من أعطى له الأمر؟.. وإلى متى ستظل هذه المسكنات للموظفين والمتقاعدين؟.. وهل ستفلح في المستقبل؟.. إن القرض يأُخذ من الراتب ومع الوقت ترتفع الأسعار أكثر وأكثر فهل يسدد الموظفون قروضهم أم يصرفون على بيوتهم؟.. سيظل الموظف يدور في “ساقية” تائهاً للبحث عن رفاهية العيش التي لن يجدها طالما استمر الفساد والمحاباة في إتخاذ القرارات والفساد في إدارة موارد بلد يحل ثانياً كأكبر منتج للنفط، وعليه ديون خارجية فقط أكثر من 80 مليار دولار، بينها 12 ونصف المليار دولار لبريطانيا وحدها.

غداً سيتمدد الشعور بالحق في الوطن وموارده إلى أغلب العراقيين، والخوف كل الخوف أن تتحول “السلمية” في الإحتجاجات إلى “غضبة شعبية” لن تجدي معها أي مسكنات من الرئاسات.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب