خاص : ترجمة – د. محمد بناية :
يجب أن يتطلع “جو بايدن” و”فلاديمير بوتين”، إلى آفاق بعيدة المدى إذا كانا يبحثان عن السلام.. والواقع أن لـ”الولايات المتحدة” و”روسيا” مصالح جيوسياسية خاصة بسبب تعارض الرؤى حيال النظام العالمي، ويعتقد الكثيرون في استحالة تجديد العلاقات بينهما أو إقامة شراكة جديدة.
وأفضل طريق يتيح لكل الأطراف؛ التفاؤل، هو الحذر من العدو مع إجتناب اندلاع حرب نووية تقضي على الحضارة البشرية أو تشديد الصراعات العسكرية. بحسب “فاطمة رحيمي”، في صحيفة (جهان صنعت) الإيرانية.
وهذا الشكل من التعاون، الذي عبر عنه الرئيس الأميركي، “جو بايدن”، في أول اتصال هاتفي مع نظيره الروسي، “فلاديمير بوتين”، حيث ابتدأ بالحديث عن تمديد اتفاقية (نيو ستارت)، قبل الخوض في تفاصيل سائر العمليات الروسية السيئة، (اعتقال “ألكيسي ناوالني”، زعيم المعارضة الروسية، وعمليات الاعتقال الواسعة في صفوف المتظاهرين، وانتهاك حقوق الفضاء الإلكتروني، والتدخل في الانتخابات وغيرها).
لكن العلاقات “الأميركية-الروسية” تستحق مساعي استعادتها على مستوى أعمق، مستوى يحطم عجلة الهجوم والانتقام، لاسيما وأن العلاقات بين الجانبين، خلال العقود الثلاث الأخيرة، قد تبدلت بعد أن خاضت أوقاتًا جيدة بإقتلاع “جدار برلين” وإنتهاء “الحرب الباردة” القديمة.
وفي سبيل ذلك؛ لابد من القيام ببعض الخطوات السياسية الواضحة، بحيث يُدرك الطرفان طبيعة اشتراك المصالح.
ملامح فساد “البوتينية”..
أولاً: يركز المحللون في الغالب على “البوتينية”، وما تتطلب من فساد وعنف. وفي هذا الصدد أعلن، “جو بايدن”، أن “الولايات المتحدة” لن تغض الطرف عن الإجراءات الروسية العنيفة. وما من شك أن هذه الإجراءات الروسية قد ألحقت الضرر بـ”الولايات المتحدة” وحلفاءها.
مع هذا؛ ومن زواية حل الاختلافات؛ من المهم أن ندرك أن “بوتين” لم يظهر فجأة أو من فراغ. بل تضرب إستراتيجياته بجذورها في الخيانة، والتي استشعرها الكثير من الروس في فترة توسع الـ (ناتو) شرقًا بعد التأكيد بعدم القيام بتلكم الخطوة.
بخلاف قصف “الولايات المتحدة”، دولة “صربيا”، عام 1999م، والتي تعتبر حليف روسي، وقرار بناء منظومة الدفاع الصاروخية “أرض-جو”، (إيغيس آشور)، في “رومانيا” و”بولندا”، ودعم الزعيم المعادي للروس في “جورجيا”، بعد 2003م، ودعم كتلة “أنصار الغرب”، في “أوكرانيا”، عام 2004م.
ثم اتخذت “الولايات المتحدة” قرارًا بتجاهل حكم منظمة “الأمم المتحدة”؛ والإطاحة بنظام “معمر القذافي”، في “لبيبا”، عام 2011م، وبالطبع الدعم الأميركي للمعارضة في “روسيا”.
ومن أجل فهم أعمق للوضع؛ يجب أن نعلم أن “بوتين” لم يتعرض وحده للإيذاء الأميركي، وإنما كذلك “بوريس يلتسن” و”ميخائيل غورباتشوف”.
وفي مذكراته؛ تطرق “ستروب تالبوت”؛ مساعد وزير الخارجية الأميركي في إدارة “بيل كلينتون”، للحوار الذي يضع فيه “كلينتون” نفسه محل “يلتسن”، وفيه: “مازلنا نقول، بوريس، والآن نقول ماذا يجب أن تكون في الخطوة التالية”.
وفي منتصف فترة “كلينتون” الرئاسية؛ يصف “يلتسن”، وقد كان بالبداية مناصر للغرب الأوضاع، بقوله: “لم يسعدني التفوق الأميركي… لكن روسيا سوف تنهض من جديد. وأقولها مجددًا: سوف تنهض روسيا من جديد”.
وبالتالي لا يخفى على أحد سر اختيار “يلتسن” المرن، “بوتين” الصعب، حتى (تنهض روسيا من كبوتها).
بدوره؛ يقول “غورباتشوف”: “لطالما سعت الولايات المتحدة، بعد قرار إقتلاع جدار برلين والتعاون في سبيل إنهاء الحرب الباردة، إلى طرد روسيا من النطاق الجيوسياسي”.
وعليه لا تقتصر مشكلة العلاقات “الأميركية-الروسية”، على “البوتينية” فقط؛ أو نظرية رعب “بوتين” من الديمقراطية واصطناع عدو خارجي للمحافظة على سلطته، وإنما أساس المشكلة يكمن في المشكلات الموجودة سلفًا وسوف تستمر بعد “بوتين”.
الخيارات الأميركية..
ثانيًا: للوصول إلى مسار سلمي؛ يجب أن يحظى فريق المفاوضات بتصور أكبر وأشمل، مع الأخذ في الاعتبار لكل نظام اختلافات الفعل ورد الفعل.
وفكرة أن “روسيا” كانت خطيرة ويجب أن تظل ضعيفة، هو بالأساس توقع أناني. صحيح أن ردود فعل “بوتين” الانتقامية قد لعبت دورًا مهمًا في تحقيق أهداف النظام بخصوص تشكيل تهديد خارجي ضد الشعب الروسي، لكن من مصلحة “الولايات المتحدة” أن تضغط على زر وقف الهجمات والشروع في دراسة أي الخيارات يمكن الاعتماد عليها.. وأحد خيارات إدارة “بايدن”، في ظل الأوضاع الراهنة، هو شيء أقرب ما يكون من “إستراتيجية السلام”، التي أطلقها “جون إف. كنيدي”، عام 1962م، من قلب “الجامعة الأميركية”.
فلقد كان “كنيدي” مدافعًا حاسمًا عن قيم الديمقراطية، ورفض الشيوعية بقوة، ودعا إلى التفكر والتأمل.. وحاليًا ليس بمقدور “بايدن”، الحد فقط من الاستبداد الروسي، وإنما يستطيع، كما “كنيدي”، التأكيد على أن كلا الجانبين قد أشعل الحلقة المأساوية من خلافات الفعل ورد الفعل في العلاقات بين البلدين.
ثم تستطيع إدارة “بايدن” الاستفادة من فرص التعاون في مجالات الأوبئة، والتغييرات الجوية، والفضاء، والدبلوماسية الإلكترونية وغيرها.