السليمانية : ليس من السهل على معظم الصحف والمطبوعات في إقليم كردستان تخطي هذه المرحلة حيث بدأت مصارد تمويلها التي كانت تأتي من الإعلانات والمبيعات تجف ومعظمها معرّضة لخطر الإغلاق.
صحفيو إقليم كردستان أحيوا في الثاني والعشرين من نيسان/أبريل الذكرى 117 لصدور أول صحيفة كردية، وتزامن ذلك مع ظهور أزمة كبيرة عرّضت الصحافة الكردية المطبوعة بأكملها للانهيار.
ومنذ قطع ميزانية إقليم كردستان من قبل الحكومة العراقية أوائل العام الماضي زادت الضغوط المالية على الكثير من المطبوعات في الإقليم سواء الأهلية منها أو الحزبية والحكومية حيث لم تبقَ للحكومة ولا لشركات القطاع الخاص مشاريع خدمية لتعلن عنها.
كما أثّر الوضع الاقتصادي على الناس بشكل لم يبقِ لديهم أدنى اهتمام بشراء الصحف مما أدى إلى إغلاق عدد من الصحف والمجلات وهناك عدد آخر في طريقه إلى الإغلاق.
صاحب امتياز صحيفة هاولاتي التي تعد أول صحيفة كردية مستقلة صدرت عام 2000 كانت لديه خطط لافتتاح محطة إذاعية وقناة تلفزيون فضائية قبل نشوء الأزمة ولكن يقتصر كل همه اليوم على كيفية تفادي إغلاق الصحيفة.
طارق فاتح صاحب امتياز ورئيس تحرير الصحيفة قال وهو يحدِق في الصفحة الأخيرة التي كانت تخلو من الإعلانات التجارية وتقتصر على إعلان إجباري واحد للصحيفة نفسها “كان هناك تسابق للحصول على هذه الصفحة قبل ظهور الأزمة وكانت تُباع بأسعار غالية أما اليوم فلا أحد يريد الإعلان فيها”.
وتصدر صحيفة هاولاتي منذ حوالي ثلاثة أعوام بشكل يومي وكانت تحتوي فيما مضى على ثلاث صفحات من الإعلانات من مجموع 24 صفحة أما اليوم ومع ظهور الأزمة فهي لا تحتوي سوى على صفحة إعلانية واحدة معظمها من إعلانات المحاكم وفقدان الهويات وهي إعلانات منخفضة السعر.
يقول فاتح “في هذه الأوضاع السيئة التي نحاول فيها الخروج بأقل تكاليف للكادر والطباعة نحتاج إلى 70 مليون دينار شهرياً لمواصلة إصدار الصحيفة ولكن ليس بإمكاننا تأمين ذلك المبلغ ونتعرض للخسارة كل شهر”.
انخفاض المبيعات والإعلانات بدأ يشكل تهديداً جدياً لاستمرار القنوات الإعلامية التي تعتمد على دخلها المستقل بما فيها القنوات الحزبية.
شركة بلاف بيك التي تعمل في مجال توزيع المطبوعات على مراكز البيع في مدينة السليمانية سجلّت أسماء 18 مجلة تم إغلاقها بسبب الأزمة.
وقال سنكر علي صاحب الشركة في حديث لموقع “نقاش” الاخباري إنه في السابق “كان هناك إقبال كبير على تلك المجلات ولكنها لم تتمكن من الاستمرار بسبب انخفاض مبيعاتها”.
ولم يرغب سنكر في كشف نسبة مبيعات المطبوعات الحالية ولكنه قال “مبيعات جميع الصحف انخفضت بشكل كبير”.
أصحاب الصحف والمجلات بدورهم لا يخفون عدم بقاء مبيعاتهم كما كانت، أما بالنسبة للصحف والمجلات التي كانت لديها نسبة كبيرة من القراء منذ البداية فمبيعاتها لا زالت بعيدة عن الخطر.
أحمد ميره رئيس تحرير مجلة لفين قال “كان تأثير الأزمة على مؤسستنا على مستوى المبيعات بين 30-35 في المائة لكن مبيعاتنا لا زالت مطمئنة مقارنة بالمطبوعات الأخرى”.
ويحاول أصحاب الصحف عموما استغلال علاقاتهم للخروج من الأزمة والحصول على إعلانات عن طريق صداقاتهم وحول ذلك قال ميره “غياب الإعلانات في الصحافة المكتوبة كلياً سيؤدي إلى إغلاق جميع الصحف دون شك فجميعها تعيش اليوم على مشارف الموت بما فيها مجلتنا”.
مجلة لفين مثلها مثل صحيفة هاولاتي لجأت إلى اتباع سياسة التقشف في خفض عدد الكادر والصفحات ومصاريف الطبع ونفقات أخرى. ومع ذلك يرى القائمون عليهما إن باستطاعتهم الاستمرار حتى نهاية العام في حال نجاح خطتهم.
وعلى سبيل المثال ينتظر صاحب امتياز صحيفة هاولاتي الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل عندما يبلغ عمر الصحيفة 15 عاماً ليتخذ قراراً حول مصيرها سواء ببيعها أو إغلاقها رغم أنه كان خطط لذلك مسبقاً العام الماضي لكنه تراجع. وقال عن ذلك “أتعرض لضغوط كثيرة للتعامل بمسؤولية وعدم إغلاق الصحيفة فلو أغلقتها لارتحت اليوم وتخلصت من الانتظار”.
ميره أيضاً لديه الرؤيا ذاتها حول انتهاء عمر مجلته نهاية العام في حال عدم حصوله على دعم مالي داخلي وخارجي، وهو ينتظر مبادرة من البرلمان والمنظمات الدولية الداعمة للإعلام.
زانا عبد الرحمن عضو لجنة الثقافة والإعلام في برلمان كردستان قال إن اللجنة أدركت منذ بداية ظهور الأزمة بأن تلك القنوات معرضة للخطر حيث اجتمعوا برؤساء تحرير الكثير من الصحف البارزة في كردستان.
واضاف عبدالرحمن “صحيح إن هناك أزمة مالية لكن لا يمكن التضحية بكل شيء من أجلها، فالصحف والرأي الحر ضرورية كالخبز لذلك لا بد من دعمها حتى تتجاوز الأزمة”.
وانتقد عبد الرحمن وزارة المالية لقطعها ميزانية شراء الصحف من الوزارات التي كانت مصدراً مالياً مهماً للصحف بدلاً من دعمها وأضاف “لم يكن على الصحف والصحفيين القبول بهذا الأمر في حينه”.
الصحفيون بدورهم يعلمون انه ليس في وسع نقابتهم فعل شيء ولا يمكنها تخفيف العبء عنهم.
ويقول كاروان أنور سكرتير فرع السليمانية لنقابة صحفيي كردستان “نحن كنقابة نعيش في أزمة أيضاً حيث تم إغلاق العديد من الصحف فيما تجرِّب بعض القنوات خططا مؤقتة”.
واضاف على سبيل المثال “وقعت قنوات عدة عقوداً مع صحفيين للعمل لديها مع بقاء مستحقاتهم كدين لدى القناة لحين تجاوز الأزمة كما طلب عدد من القنوات من الصحفيين عدم المطالبة بأجورهم حتى أشهر قادمة، ونظراً لعدم معرفة المدة التي ستستغرقها الأزمة فالقنوات الإعلامية تعيش في متاهة ولا تعرف كيف تواصل العمل”.