2 فبراير، 2025 11:04 ص

شيعة العراق تجمّعهم الدولة الإسلامية وتفرّقهم السياسة

شيعة العراق تجمّعهم الدولة الإسلامية وتفرّقهم السياسة

ليس ممكنا على ابو فاطمة البديري احد عناصر منظمة “بدر” التفاخر بانتمائه هذه الأيام بعد أن كان ذلك مدعاة للتبجح قبل شهور، فالخلافات الجديدة بين الفصائل الشيعية جعلته وأقرانه يتوخون الحذر من التيار الصدري.
يسكن ابو فاطمة في مدينة الصدر شرق بغداد حيث يسيطر التيار الصدري والفصيل المسلح “سرايا السلام” التابع له، وبعد الخلافات التي نشبت بين منظمة “بدر” والتيار الصدري، أصبح أكثر خشية على نفسه.
في المقابل فان نعيم اللامي احد عناصر التيار الصدري الذي يسكن حي الكرادة وسط بغداد أصبح هو الآخر أكثر حذرا، فهذه المنطقة تعتبر نفوذ منظمة “بدر”.
بدأ الخلاف الجديد بين الفصائل الشيعية مع التظاهرات الشعبية التي قادها التيار الصدري وعلى إثرها اقتحم آلاف المتظاهرين الغاضبين المنطقة الخضراء ومبنى البرلمان، ولكن باقي الفصائل الشيعية رفضت ما جرى وسرعان ما انتشر المسلحون الشيعة في أحياء العاصمة وضواحيها.
بعد يوم على اقتحام المتظاهرين من أنصار الزعيم الديني مقتدى الصدر للمنطقة الخضراء في 30 من ابريل/نيسان نشرت فصائل “بدر” و”سرايا الخراساني” و”سرايا الجهاد” المئات من مقاتليها في محيط بغداد وحول المنطقة الخضراء والأحياء القريبة منها، بينما نشر التيار الصدري مقاتليه من “سرايا السلام” في الشوارع أيضا.
وبينما طالب حاكم الزاملي احد النواب البارزين في التيار الصدري الفصائل الأخرى بعدم التدخل في السياسة وحذر من الاعتداء على المتظاهرين، اتهمت الفصائل الأخرى التيار الصدري باستغلال المتظاهرين للحصول على مكاسب سياسية.
واقتحم متظاهرون آخرون تابعون إلى التيار الصدري مكاتب أحزاب “الدعوة” و”المجلس الأعلى الإسلامي” و”الفضيلة” في محافظة الديوانية جنوب البلاد، ودمروا صور قادة هذه الأحزاب التي كانت معلقة على مبانيها.
ومنذ ذلك اليوم وحتى الآن يتبادل قادة الفصائل الشيعية الاتهامات. وكل طرف ينتظر الفرصة لانتقاد الآخر، وتعمق الخلاف بعد ثلاثة تفجيرات انتحارية نفذها تنظيم الدولة الإسلامية في بغداد الأربعاء الماضي، احدها في مدينة الصدر حيث قتل وأصيب 123 شخصا.
وتتقاسم الفصائل الشيعية النفوذ في أحياء بغداد، ومثلا فان مدينة الصدر تابعة الى “التيار الصدري”، ومنطقة الكرادة تابعة الى منظمة “بدر”، ومناطق البلديات والمحمودية والوشاش تابعة الى “عصائب أهل الحق”، أما المناطق الشيعية الأخرى فتشهد صراعا على النفوذ بين الجميع مثل البياع والشعلة وابو دشير والحرية والشعب.
وعلى ما يبدو، فإن التحالف المنعقد بين الفصائل الشيعية ضد الدولة الإسلامية منذ عامين بدأ بالانفراط، فالمواقف السياسية لهذه الفصائل ليست متطابقة، وهو ما يهدد باقتتال شيعي ـ شيعي في أي لحظة.
وانتقد النائب الزاملي الذي يرأس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان وزارة الداخلية. وبعد ساعات نظم آلاف من سكان مدينة الصدر تظاهرة وسط مدينتهم وهم يرددون شعارات مناهضة ضد وزير الداخلية محمد الغبان، وطالبوا باستقالته بسبب التفجير الذي حصل في مدينتهم ورفعوا صورا للوزير وهم يضربونها.
وقالت وزارة الداخلية إن انتقادات الزاملي ليست مهنية بل هي مسعى للحصول على مكاسب سياسية، ولكن ابو فاطمة البديري قال إن “التيار الصدري يهاجم وزارة الداخلية لأن الوزير ينتمي الى منظمة بدر.. وإلا لماذا لم ينتقد التيار الصدري وزارة الداخلية قبل شهور”؟
وبدأ السكان العُزّل في بغداد يتحسبون لتفجر الصراع بين الفصائل الشيعية، ويقول أحدهم لـ”نقاش” رافضا الكشف عن اسمه لأسباب أمنية “بدأنا نخشى من الفصائل الشيعية، العشرات من المسلحين انتشروا في المناطق ولا نعرف لمن يتبعون.. كانوا على وشك التقاتل فيما بينهم”.
كان الموقف خطيرا في بغداد وكادت الأمور تخرج عن السيطرة، واتهم فصيل “كتائب سيد الشهداء” إحدى فصائل “الحشد الشعبي” الولايات المتحدة بالتخطيط لخلق فتنة بين الشيعة منذ سنوات”.
ولم يكن الخلاف الجديد بين الفصائل الشيعية الأول من نوعه، بل إن أحداثا مماثلة حصلت قبل سنوات وبعضها وصل الى الاشتباكات المسلحة، ابرزها عام 2008 عندما تقاتل التيار الصدري مع منظمة “بدر” في مدن جنوب البلاد، وفي عام 2011 و2012 تقاتل التيار الصدري و”عصائب أهل الحق” داخل مدينة الصدر.
ويقود هذا الصراع العميق إلى حقيقة مهمة، وهي ان الخلافات في الأساس تجري بين فصائل مدعومة من إيران وبين فصائل شيعية عراقية تحصل على الدعم محليا.
ويقول جابر المحمداوي وهو رجل دين شيعي يصف نفسه بالمستقل ويعمل في تدريس المذهب الشيعي في النجف إن “الصراع بين التيار الصدري والفصائل الشيعية الموالية لإيران هو صراع عقائدي في الأساس يعود الى عقود، التيار الصدري ضد فكرة ولاية الفقيه الإيرانية، كما بدأ يرفض الهيمنة الايرانية على البلاد”.
ويقول المحمداوي إن التيار الصدري تأسس من السكان الشيعة داخل العراق وقادته هم عراقيون لم يعيشوا في الغربة إبان حكم الرئيس السابق صدام حسين، بينما قادة باقي الفصائل الشيعية غالبيتهم جاؤوا من خارج العراق وهم عراقيون تركوا البلاد قبل عقود طويلة وعاشوا في إيران وسورية ولبنان وأوروبا، ولهذا السبب يمتلك التيار الصدري الشعبية الأكبر بين الشيعة.
ومن أبرز الفصائل الشيعية الموالية لإيران وترتبط دينيا بالمرشد الإيراني علي خامنئي وهي الأقوى والأكثر تسليحا، منظمة “بدر” بزعامة هادي العامري و”عصائب أهل الحق” بزعامة قيس الخزعلي، و”كتائب حزب الله” بزعامة أبو مهدي المهندس و”سرايا الخراساني” و”النجباء” بزعامة أكرم الكعبي.
صراع لا بد منه
وخلال السنتين الماضيتين اتسمت العلاقة بين الفصائل الشيعية بطابع التعاون المباشر او غير المباشر، اما الآن وصلت الأوضاع الى التصادم، وعلى ما يبدو أن اقتراب انتخابات مجالس المحافظات احد الأسباب وراء الخلافات الأخيرة، وستزداد كلما اقترب موعد الانتخابات المقرر بعد سبعة أشهر.
وفي كل انتخابات محلية تتنافس الأحزاب الشيعية التقليدية للفوز بمجالس تسع محافظات شيعية هي (كربلاء والنجف وبابل وواسط والديوانية والسماوة والناصرية والمثنى والبصرة) وثلاث محافظات مختلطة سكانيا هي (بغداد وديالى وصلاح الدين).
أما الانتخابات المقبلة ستكون المنافسة اشد، لأن الفصائل الشيعية التي حاربت الدولة الإسلامية، أصبحت لديها شعبية كبيرة وطموحات سياسية، وبدأ العديد منها منذ الآن تشكيل تحالفات سياسية بشكل سري استعدادا للانتخابات، وسط مخاوف من عدم توفر النزاهة فيها.
وتقول هيئة الحشد الشعبي ان هناك نحو 48 فصيلا شيعيا مسلحا، تمكنت من تطوير نفسها بشكل سريع وتحولت الى تنظيمات مسلحة شبه نظامية لها قوانينها وأنظمتها وقراراتها الخاصة.
وتحاول هذه الفصائل توحيد صفوف مقاتليها ومنع التنافس فيما بينهم من اجل الهدف الاكبر وهو محاربة الدولة الإسلامية الذي ما زال يشكل خطرا على البلاد، ولكن الواقع يشير الى ان الصراعات فيما بينها اقوى، خصوصا وإن هذه الصراعات متعلقة بمصالح سياسية واقتصادية وعسكرية.
حاولت الحكومة توحيد هذه الفصائل عندما شكلت هيئة الحشد الشعبي لتكون تابعة إلى الدولة رسميا، ولكن هذه المحاولة لم تنجح حتى الآن لأن الفصائل الموالية لإيران تسعى للحصول على الاستقلالية في العمل، ورفضت قرارات عديدة من الحكومة للإشراف على عملها.
ويرفض قادة الفصائل الشيعية حتى الآن الحديث عن مستقبلهم بعد انتهاء الحرب على الدولة الإسلامية، ويقولون إنهم منشغلون حاليا في القتال، ولكن شعبيّتهم المتزايدة بين العراقيين وخصوصا الشيعة في ظل الأزمة السياسية في البلاد تشير إلى صراع حتمي.
ويقول جابر المحمداوي الذي تخرج على يديه المئات من الطلبة الدينين هم الآن ينتمون الى تيارات شيعية مختلفة، ان “الحشد الشعبي سيكون له ذراع سياسي في المستقبل دون أدنى شك، وسيشارك في الانتخابات المقبلة الخاصة بالمحافظات والبرلمان وسيحقق فوزا كبيرا لأنهم يسيطرون على المدن والأحياء ويعيشون بين السكان ولا بد أن يكون لهم تأثير على الناخب”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة