19 أبريل، 2024 6:42 م
Search
Close this search box.

شوارعكم بيوتنا .. حياة المشردات في جنوب طهران !

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : ترجمة – محمد بناية :

“عملي في بعض الليالي عد الساعات، ربما أمكنني أن أزيد من سرعة مرور الوقت حتى يمضي فقط. فالأزقة والشوارع تكون أكثر قسوة بالنسبة لنا في الليل”. هكذا قالت الفتاة “إيران” في شهادتها الحية للتحقيق الاستقصائي الذي أجرته صحيفة (همدلي) الإيرانية الإصلاحية.

لا يجب النوم ليلًا.. الشوارع غير آمنة..

ثم تبدأ “إيران” بالتدخين؛ ويعلو صوت “الشيشة”. وتستجمع حواسها وتضيف في هدوء: “يجب أن ندخن الكثير من المخدرات ليلاً حتى يزول النوم، لأن الشوارع ليست أمنة بالنسبة للنساء ليلاً. وإذا أخدنا النوم قد نستيقظ صباحًا ونجد أنفسنا في مكان آخر”؛ كما حدث قبل عدة ليالي مع “أختر”.. ثم تجلس القرفصاء تحت شجرة وتضع، من شدة السكر، رأسها على الأرض.

وتزداد نبرة صوت “إيران” هدوءً وهي تقول: “مسكينة، تلك الليلة أخذها النوم من السكر ثم أخرجوها صباحًا من غابة لويزان”.

ربطت “إيران” قصة تشردها بموت والداها المبكر وسوء أخلاق زوجة أخيها، (القادمة من إحدى المحافظات الغربية)، التي كانت سببًا في تشريدها بشوارع العاصمة. تقول: “مات أبي وأمي سريعًا وتركوني وشقيقاي، (الأكبر منا سنًا)، قبل أن نميز الفرق بين أيادينا اليمنى واليسرى. أخي الأصغر كان يدرس في كلية الطب وقُتل خلال المظاهرات التي تلت انتصار الثورة. لا أعرف لماذا وكيف، لكني أذكر أنني استيقظت ذات صباح على أصوات جنازته. وأخي الأكبر مدرس وكان يحبني بشدة، لكن زوجته لم تفعل. كنت أستمد هدوئي النفسي من شقيقاي. لكن ذات يوم استيقظت وخرجت من المنزل ولم أعد ولا أعرف إذا ما كان أخي يبحث عني أم توقف عن البحث”. بعد ذلك تغمض عيناها وتتكيء على “صُرة” جمعت بداخلها بعض الملابس.

شوارع المدمنات..

كانت “أختر” ماتزال تجلس تحت الشجرة، وأقتربنا منها في خوف وتردد، لكنها كانت ثملة للدرجة التي لم تشعر معها بوجودنا.

ترفع رأسها بعد أن قلنا لها: “عذرًا”. ونظرت عيناها الحمراء إلينا مدة ثواني، وقبل أن نبدأ بالكلام أشارت إلينا بيديها العظمية كدليل على أنها لا تملك طاقة للكلام.

أبتعدنا عنها وتحركنا من شارع “مولوي” بإتجاه شارع “عبدالرئيس” على أمل أن نجد مشردات آخريات، فليس من العسير أن تجد المشردات في تلك المنطقة، حيث يمكن في العادة العثور عليهن تحت الأشجار أو أعمدة الإنارة، وتُعرف هذه المنطقة بملتقى المدمنات والمشردات.

والواقع لم تكن تلك المرة الأولى التي نعبر فيها هذا الشارع، فقد عبرنا نفس الشارع، قبل عامين، وقد كان يمتليء بالسرنجات المستعملة وأعقاب السجائر والمدمنات الثملات، ومايزال هذا الوضع مستمرًا رغم تغيير عمدة العاصمة ثلاث مرات.

ويمر المواطنون من الشارع دون اهتمام؛ وكأن رؤية هذا الكم من السرنجات وأعقاب السجائر لا يثير الحزن في نفوس المارة.

الحراسة ليلاً خوفًا من الاعتداء الجنسي..

تجاوزت الساعة الثانية؛ وعثرنا في أقصى المناطق الجنوبية من “طهران” على مكان بعيد نسبيًا عن الزحام والضوضاء، حيث استضافتنا بعض المشردات مدة دقائق. قامت إحداهن وقد قدمت نفسها باسم، “سهيلا”، بتقطيع أجزاء من الكرتونة التي تجلس عليها حتى نتمكن من الجلوس.

وتقول “سهيلا”، ذات العيون الملونة والوجه العظمي والشفاه القاتمة والأسنان السوداء، بدون أي مقدمات: “الشوارع والحدائق ليست فقط مقر اجتماعنا؛ وإنما هي بيوتنا. تلك البيوت التي تكون مرعبة في الليل أكثر من النهار، حيث الفرق كبير بين عالم المشردات في الليل عنه في النهار. ففي النهار نشعر بالأمن، لكن الليالي تمر علينا ثقيلة بل لا يمكننا النوم بسهولة لأنهم قد يقتلوننا ببساطة”.

أما “فرزانه”، فهي تبلغ من العمر 40 عامًا تقريبًا، وقد أدمنت المخدرات قبل 6 سنوات. تشعل سيجارة وتقول: “الخوف الأكبر بالنسبة لنا (الاعتداء الجنسي)”، وهو ما دفع عدد من المشردات إلى تشكيل فرق مراقبة بالليل.

وفي بعض الفصول، كالشتاء مثلاً، حيث تقل الحركة في الشوارع “نحظى ببضع ساعات من النوم في الليل ونحرس بعضنا البعض. وقبل فترة ذهبت إحدى صديقاتنا ليلاً للعمل وتعرضت للاعتداء الجنسي”.

سألنها لماذا لا يتصلن بالشرطة ؟.. فابتسمت ابتسامة مريرة، وقالت: “إذا اتصلنا بهم لا يأتون. والحقيقة لم أجرب هذا الأمر، لكن صديقاتي فعلن ولم يسعفهن أحد”.

مضينا في طريقنا؛ وكانت عقارب الساعة تشير إلى الرابعة، وأينما نظرنا نجد المشردات يفترشن الأرض وبعضهن نائمات والآخريات يدخن السجائر. وصلنا إلى ميدان “المحمدية”، وقد انشغل المواطنين بأعمالهم دون مضايقات، كانوا بكل مكان ثم رأينا سيارات “قوافل الإرشاد”، لكنهم لم يتوقفوا وكأنما أيقنوا أن الأمر يتجاوز القيود والاعتقالات.

وكأن هذا النوع من الحياة أصبح مألوفًا في جنوب “طهران” والكل يتقبله. يطلقون باكرًا ويعودون إلى المنزل سريعًا.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب