22 ديسمبر، 2024 8:38 م

شعبًا ومرجعية وحكومة .. “العراق” ينتفض ضد التدخلات الخارجية في شؤونه !

شعبًا ومرجعية وحكومة .. “العراق” ينتفض ضد التدخلات الخارجية في شؤونه !

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

كعادة بعض الدول التدخل في الشؤون الداخلية لدول أخرى، سواء تلك التي تتمتع بعلاقات معها أو حتى كان بينهما توترات، إلا أن الأمر لم يذهب بعيدًا هذه المرة، فقد دعت “وزارة الخارجية” العراقية، أمس الأول، جميع الأطراف إلى ضرورة الإلتزام بمبدأ احترام سيادة “العراق” وعدم التدخل في شأنه الداخلي.

وقالت “الخارجية العراقية”، في بيان، نقلته وكالة الأنباء العراقية الرسمية، إنه: “مع استمرار الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالإصلاح، وصدور بيانات من دول أجنبية ومنظمات دولية؛ تؤكد الحكومة العراقية احترام إرادة العراقيين في المطالبة بحقوقهم التي ضمنها لهم الدستور العراقي”.

وشدد البيان على ضرورة احترام إرادة العراقيين في تحديد النظام السياسي والإداري لبلدهم من خلال إجراء الاستفتاء العام على الدستور، والانتخابات الدورية لمجلس النواب.

وأضاف أن ما يلزم من الإصلاح موكول إلى اختيار الشعب العراقي بكل أطيافه وألوانه، وليس لأي شخص أو مجموعة أو توجه ما أو أي طرف إقليمي أو دولي أن يصادر إرادة العراقيين في ذلك، ويفرض رأيه عليهم.

هذا الموقف الذي إتخذته “الخارجية العراقية” جاء بعدما دعت دول ومنظمات عدة إلى الاستجابة لمطالب متظاهري “العراق”، الذين ينادون بتنحية الفساد وتحسين الخدمات وكبح التدخل الإيراني في البلاد.

بومبيو” انتقد تحقيق السلطات في مقتل المتظاهرين..

والجمعة، دعت “واشنطن”، حكومة “العراق”، إلى “الإصغاء للمطالب المشروعة” للمتظاهرين الذين ينادون بإسقاط النظام رغم وعود المسؤولين بإصلاحات.

وانتقد وزير الخارجية الأميركي، “مايك بومبيو”، في بيان، التحقيق الذي أجرته السلطات في “بغداد” حول أعمال العنف الدامية التي تخللت المظاهرات الأخيرة في البلاد.

وفي سياق العنف المفرط ضد المتظاهرين، أكدت “منظمة العفو الدولية” أن 5 متظاهرين قُتِلوا في “بغداد” بقنابل مسيلة للدموع “اخترقت جماجمهم”، داعيةً، “العراق”، إلى إيقاف استخدام هذا النوع “غير المسبوق” من القنابل، التي يبلغ وزنها 10 أضعاف وزن عبوات الغاز المسيل للدموع التي تُستخدم بالعادة.

السيستاني” يرفض تدخل القوى الخارجية..

ولم يكن الرفض من قِبل “الخارجية” فقط، وإنما دخلت المرجعية الدينية على ذلك الخط، والتي تعتبر كلماتها فرمانًا واجب التنفيذ بعد إلقائها، حيث أكد المرجع الديني الشيعي الأعلى في “العراق”، آية الله السيد “علي السيستاني”، يوم الجمعة، على رفضه تدخلات القوى الخارجية لفرض رأيها على المتظاهرين في بلاده، في إشارة إلى “الولايات المتحدة” و”إيران”.

وقال في خطبة الجمعة؛ التي تلاها ممثله، السيد “أحمد الصافي”، في “كربلاء”، إن التغيير “موكول إلى اختيار الشعب العراقي، وليس لأي شخص أو مجموعة أو جهة بتوجه معين، أو أي طرف إقليمي أو دولي أن يصادر إرادة العراقيين في ذلك، ويفرض رأيه عليهم”.

رد على تصريحات “خامنئي”..

رسالة “السيستاني” هذه أتت خاصة كرد لإشارة كلام المرشد الأعلى الإيراني، آية الله “علي خامنئي”، الأربعاء الماضي، والذي تحدث عن وجود “مخططات من الأعداء لإثارة الفوضى وتقويض الأمن في بعض دول المنطقة”، منبهًا “الحريصين على مصلحة العراق ولبنان إلى أن الأولوية الرئيسة هي معالجة اضطراب الأمن”.

وسبق وأن تدخلت “إيران” في الشأن الداخلي العراقي، فضلًا عن اتهامها بالتدخل السافر لمواجهة المحتجين بقتلهم وردعهم في محاولة لقمع التظاهرات تارة وتارة أخرى من أجل البقاء على رئيس الوزراء العراقي، “عادل عبدالمهدي”، وهو ما أذيع الأيام الماضية عن مجييء “قاسم سليماني”، لـ”بغداد”، واجتماعه مع عراقيين من أجل ذلك.

اتهام إيراني لأميركا وإسرائيل والسعودية..

والأسبوع الماضي، اتهم “حسين أمير عبداللهيان”، مستشار رئيس البرلمان الإيراني، “الولايات المتحدة الأميركية” و”إسرائيل” و”السعودية”، باستغلال المطالب الحقيقية للشعب العراقي، لتهيئة الأجواء للتدخل الأجنبي في هذا البلد.

وقال “عبداللهيان”، إن: “هذه البلاد تسعى إلى زعزعة أمن واستقرار العراق وإسقاط الحكومة المنتخبة وتهيئة الأجواء للتدخل الأجنبي في العراق من خلال استغلالها للمطالب الحقيقية للشعب العراقي”، مضيفًا، أن: “هذه البلاد تتبع طريقة توظيف البعثيين التابعين للرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، والمندسين من أجل استغلالهم في عرقلة عمل الحكومة”.

وشدد المسؤول الإيراني، على أن “الحل يكمن في الاهتمام الحقيقي بالمطالب المعيشية للشعب العراقي والانسحاب الفوري للقوات العسكرية الأميركية من العراق”.

كرد فعل.. المتظاهرون يحاصرون قنصلية إيران في كربلاء ويرفعون العلم العراقي..

تلك التدخلات، من جانب “إيران”؛ جعلت المتظاهرين للمرة الثانية، خلال ثورة الكرامة التي اندلعت منذ بداية تشرين أول/أكتوبر 2019، وعادت بقوة إلى الشارع، في 25 تشرين أول/أكتوبر، يصرون على رفع العلم العراقي أعلى قنصلية “إيران” في “كربلاء”.

إذ حاصر المئات من متظاهري “كربلاء”، القنصلية الإيرانية، في ساعة متأخرة من، مساء أمس الأحد، ورفعوا العلم العراقي أعلى مقرها ردًا على تصريحات المرشد الأعلى، “علي خامنئي”، ضد العراقيين وثورتهم.

المتظاهرون أكدوا أن وقفتهم وحصارهم للقنصلية ردًا على تدخل “إيران” في قتل المتظاهرين وإغراق البلاد بالمليشيات المسلحة؛ وكذلك تدمير “العراق” وتحويله لدولة مليئة بالمخدرات.

سيادة الدول مصانة..

عن هذا الموضوع؛ يقول المتخصص في القانون الدولي، الدكتور “علي التميمي”: “أعتقد أن بيان وزارة الخارجية العراقية جاء ردًا على تدخلات إيران والولايات المتحدة، وكذلك تماشيًا مع خطبة المرجعية الدينية في النجف الأشرف، لأن ميثاق الأمم المتحدة نص على أن سيادة الدول مصانة ولا يجوز التدخل في شؤونها الداخلية بأي شكل من الأشكال”.

وتابع “التميمي”: “دائمًا ما تتدخل الولايات المتحدة الأميركية وإيران في شؤون العراق الداخلية، وهي مخالفات يحق للعراق ليس فقط الإعتراض عليها، وإنما مقاضاة هاتين الدولتين في الأمم المتحدة”.

وأضاف “التميمي”: “الولايات المتحدة الأميركية موقعة على اتفاقية الأطر الإستراتيجية مع العراق، في عام 2008، تلتزم فيها بمساعدة العراق في كافة المجالات، وحتى توجد مادة في تلك الاتفاقية يحق من خلالها أن يطلب العراق المساعدة الأمنية من واشنطن، فوفقًا لاتفاقيات جنيف الأربع؛ الولايات المتحدة بلد محتل، وملزمة بحماية العراق من أي خطر أو تدخلات أو حروب”.

الحديث عن التدخلات الخارجية غير مجدي..

وفي مقال على شبكة (النبأ) المعلوماتية، قال “مصطفى ملا هذال”، أن بيان المرجعية من الممكن أن يكون المعني في تلك الرسائل هو التدخل الدولي الخارجي برمته؛ وليس لـ”إيران” فحسب، لكن بالتأكيد سيفهم منه على أنه موجه إلى “إيران” بعد التصريحات الأخيرة التي أغضبت الشارع العراقي، ورفعت نسبة الإحتقان، لا سيما وأن الجمهور يحمل الكثير من علامات الاستفهام ضد السياسات الخارجية تجاه “العراق”.

كما وقد يكون البيان موجه إلى الجانب الأميركي الذي طالما تدخل بالشأن العراقي، إلى جانب تحذيرها من المساس بالمتظاهرين السلميين، وتأكيدها الوقوف إلى جانبهم، هذا الوقوف والتأييد سيعطي المظاهرات بُعدًا آخر، كون الجماهير لديها الرغبة في هذه المساندة منذ سنوات.

وأوضح أن الحديث عن التدخلات الخارجية قد يكون غير مجدي كون القاصي والدان يعرف حجم التدخل في القرار العراقي ومدى التأثير عليه، وقد يكون هو السبب الرئيس وراء تراجع المؤسسات الحكومية وتخلفها في أغلب الميادين.

إعادة ترتيب الأوراق..

فالمرجعية الدينية عودت جماهيرها على التحلي بضبط النفس وعدم الإنجرار وراء الإرادات الخارجية التي تسعى وبشكل واضح لإعطاء المظاهرات الشعبية غير صبغتها، فبخطابها الأخير قطعت الطريق أمام تحقيق الرؤى التي لا تريد بـ”العراق” أن يستقر ويأخذ المسير بالإتجاه الصحيح.

وأشار إلى أنه طالما تبنت المرجعية هذا الخطاب، فأنها عملت على إعادة ترتيب الأوراق وهدم بعض المخططات التي كان من المفترض تنفيذها على الواقع العراقي، فربما الأيام القادمة ستلد لنا الكثير من المفاجئات وقد ينتج عن هذا الحراك الشعبي المدعوم من قِبل المرجعية الدينية تغيير الوجوه التي تعودنا مشاهدتها على شاشات التلفاز منذ سنوات.

بالإضافة إلى أن وقوف المرجعية الدينية إلى جانب المتظاهرين يمكن أن نعتبره تبرئة للمتظاهرين السلميين من الاتهامات التي تقول أنهم جنود لجهات خارجية تريد التلاعب بمقدرات الشعب العراقي وتشويه الصورة الناصعة التي لا تزال تلاصق أبناءه الرافضين للظلم بمختلف أشكاله والجهات التي تقوم به.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة