وكالات – كتابات:
يبدو أن الصدام بين “بنيامين نتانياهو” و”جو بايدن” قد بات وشيكًا؛ فكيف قد ينعكس ذلك على العدوان المستمر على “قطاع غزة” ؟.. وكيف قد يؤثر هذا الصدام على العلاقة بين “إسرائيل” و”أميركا” ؟
وتأتي التقارير على اقتراب نقطة الصدام بين رئيس وزراء إسرائيل؛ “نتانياهو”، والرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، في أعقاب تحول واضح في: “لغة الخطاب” الصادرة عن “واشنطن”؛ خلال الأسبوعين الماضيين، على عكس الموقف الأميركي الداعم تمامًا للعدوان على “غزة”؛ منذ السابع من تشرين أول/أكتوبر الماضي.
إذ كانت الحكومة الأكثر تطرفًا في تاريخ “إسرائيل”، والتي يترأسها “نتانياهو”، قد أعلنت منذ عملية (طوفان الأقصى)، يوم 07 تشرين أول/أكتوبر، أن القضاء على “حركة المقاومة الإسلامية”؛ (حماس)، في “غزة” هو الهدف الرئيس، واجتاح جيشها القطاع بريًا لتنفيذ هذا الهدف.
موقف أميركي داعم لـ”إسرائيل”..
يمكن القول إن مؤشرات الصدام بين “نتانياهو” و”بايدن” قد بدأت منذ هدنة تبادل الأسرى؛ التي تمت بوسّاطة “قطر ومصر والولايات المتحدة”، في الفترة من 24 تشرين ثان/نوفمبر وحتى 01 كانون أول/ديسمبر. فقد ظهرت اختلافات “شكلية” بين موقفي الحليفين، على خلفية الأعداد الهائلة من المدنييّن الفلسطينيين الذين يستشهدون في “غزة”، وبخاصة الأطفال والنساء، والدمار الهائل في البُنية التحتية المدنية، دون أن يُحقق جيش الاحتلال أيًا من أهدافه العسكرية، وأبرزها تحرير الأسرى أو تدمير القدرات العسكرية للمقاومة.
فموقف “جو بايدن” كان واضحًا تمامًا منذ اللحظة الأولى؛ وهو موقف متماهٍ تمامًا مع موقف حكومة “نتانياهو”، وأقدمت إدارة “بايدن” على ما يصفه الفلسطينيون بأنه: “مشاركة فعالة” في العدوان على “قطاع غزة”، الذي يقطنه أكثر من: (2.3) مليون فلسطيني. جاء “بايدن” ووزير الدفاع؛ “لويد أوستن”، ووزير الخارجية؛ “أنتوني بلينكن”، لزيارة “إسرائيل” تعبيرًا عن الدعم المطلق، وشاركوا في اجتماعات قادة الحرب في “تل أبيب”، كما أرسلت “واشنطن” حاملات طائرات وغواصة نووية إلى المنطقة وأطلقت جسّرًا جويًا لنقل العتاد العسكري، والقوات أيضًا، بحسّب تقارير أميركية، للمشاركة الفعالة في العدوان على “غزة”.
لكن مع مرور الوقت وانكشاف زيف الرواية الإسرائيلية بشأن ما حدث في عملية (طوفان الأقصى)، وبشّاعة الجرائم التي يرتكبها الاحتلال في “غزة” وثورة الرأي العام العالمي وغضبه تجاه “تل أبيب” و”واشنطن”، بدأت لغة الخطاب الصادرة عن “البيت الأبيض” تتغيّر، وبدأ الحديث علنًا عن ضرورة أن: “تبذل إسرائيل جهودًا فعلية لتقليل الخسائر البشرية والمادية بين المدنييّن في غزة”.
و(طوفان الأقصى)؛ هو الاسم الذي أطلقته “حركة المقاومة الإسلامية”؛ (حماس)، على عمليتها العسكرية الشاملة ضد جيش الاحتلال الذي يفرض حصارًا خانقًا على القطاع منذ (17 عامًا). ففي تمام الساعة السادسة صباحًا بالتوقيت المحلي لـ”فلسطين” في ذلك اليوم، شنّت (حماس) اجتياحًا فلسطينيًا لمسّتوطنات “الغلاف” المحاذية لـ”قطاع غزة” المحاصَر؛ حيث اقتحم مقاتلون من (كتائب عز الدين القسّام) البلدات المتاخمة للقطاع، بعد أن اخترقوا الجدار الحديدي وسّحقوا (فرقة غزة)؛ التابعة لجيش الاحتلال، في ظل غطاء جوي من آلاف الصواريخ التي أُطلقت من “غزة” باتجاه “تل أبيب والقدس” ومدن الجنوب.
ووسط حالة الذعر والصدمة التي انتابت الإسرائيليين؛ وانتشار مقاطع فيديو وصور لدبابات ومدرعات تابعة لجيش الاحتلال، إما محروقة وإما تحت سّيطرة المقاومين الفلسطينيين، وأسْر العشرات من جنود جيش الاحتلال والمسّتوطنين، وسّيطرة فلسطينية كاملة على مسّتوطنات “الغلاف”، أعلنت دولة الاحتلال أنها: “في حالة حرب”، للمرة الأولى منذ حرب تشرين أول/أكتوبر 1973، وهو اعتراف بأن هجوم “المقاومة الفلسطينية” هو هجوم عسكري.
مؤشرات “الصدام” بين “نتانياهو” و”بايدن”..
ومع كسّر جيش الاحتلال الهدنة واستئناف عدوانه؛ يوم الجمعة 01 كانون أول/ديسمبر 2023، بدأت التصريحات الصادرة عن “بايدن” وكبار المسؤولين في إدارته تُركز أكثر على قضية: “استهداف المدنيين”، وبدأ التململ من عدم الإكتراث الإسرائيلي بأي من التحذيرات أو المطالبات الأميركية.
ومن المهم هنا التأكيد على أن(“طوفان الأقصى) لم تحدث من فراغ، وهي الحقيقة التي ليست محل جدال ويُقر بها حتى الإعلام الغربي الموالي تمامًا لـ”إسرائيل” والمتبّني لروايتها، لكن “نتانياهو” وحكومته، التي يصفها الفلسطينيون بأنها فاشية وتسّعى لإبادتهم بشكلٍ جماعي، أرادت منذ اللحظة الأولى أن تداري على فشلها الأمني والعسكري الذريع في ذلك اليوم، من خلال رفع سقف أهدافها من العدوان على “غزة” بصورة وصفها مراقبون بأنها: “خيالية” وبعد مرور شهرين من هذا العدوان بدأ ذلك الوصف يتأكد على أرض الواقع.
ورصد تقرير لصحيفة (هاآرتس-Haaretz) الإسرائيلية؛ مؤشرات اقتراب نقطة الصدام في العلاقة بين “بايدن” و”نتانياهو”، إذ قالت الصحيفة العبرية إن: “بايدن سيُطالب قريبًا بإنهاء الحرب على قطاع غزة، ونتانياهو لن يتوانى في مهاجمته”. فعلى مدى الشهرين الماضيين، قدَّم “بايدن” دعمه الكامل لـ”إسرائيل” في الحرب التي تقول إنها تُشّنها على (حماس) داخل “قطاع غزة”. فقد أرسل “بايدن” حاملتي طائرات إلى المنطقة؛ وصار أول رئيس أميركي في التاريخ يزور “إسرائيل” وهي في غمار الحرب؛ وطالب “الكونغرس” الأميركي بتقديم حزمة مساعدات ضخمة لـ”إسرائيل”.
على الرُغم من كل هذا؛ فلن يكون من المفاجيء أن: “نرى نتانياهو يبدأ في مهاجمة بايدن؛ خلال الأسابيع المقبلة، بل إن أبواق نتانياهو في وسائل الإعلام الإسرائيلية شّرعت في ذلك الهجوم بالفعل، وطفقوا يصورون الرئيس الأميركي – الذي بذل الكثير لإسرائيل خلال الشهرين الماضيين – على أنه عدوٍ لها بطريقةٍ ما. وهذه الحملة لم تكن لتبدأ إلا إذا سبقها التأييد والتشجيع من أصحاب النفوذ في دوائر نتنياهو المقربة”، بحسّب (هاآرتس).
ونقطة الصدام هنا تتعلق بالتصريحات الأميركية بشأن: “موعد” نهاية الحرب، بينما يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي عدوانه الهمجي على “قطاع غزة”، وما سّبقها من حديث لوزير الدفاع؛ “لويد أوستن”، حذَّر فيه من أن “إسرائيل” تتجه نحو: “هزيمة استراتيجية” في “غزة”.
ففي حديثٍ له الأحد 03 كانون أول/ديسمبر، حذَّر “أوستن”؛ “إسرائيل”، التي توفر لها إدارة الرئيس؛ “جو بايدن”، دعمًا عسكريًا وسياسيًا وماليًا غير مسّبوق، من أن: “المدنييّن في قطاع غزة هم مركز الجاذبية، وإذا ما تمَّ دفعهم نحو أحضان العدو، فإنك تسّتبدل نصرًا تكتيكيًا بهزيمة استراتيجية”، بحسّب ما ورد في تقرير لموقع (أكسيوس-Axios) الأميركي.
كما نقلت شبكة (CNN)؛ الثلاثاء 05 كانون أول/ديسمبر، عن مسؤولين رفيعي المستوى في إدارة؛ “جو بايدن”، قولهم إن “واشنطن”: “تتوقع ألا تستمر العمليات البرية الإسرائيلية في جنوب قطاع غزة أكثر من أسابيع”، مضيفين أنه: “بحلول كانون ثان/يناير، ستتحول إسرائيل إلى استراتيجية أقل كثافة تعتمد بشكلٍ مباشر على استهداف قادة (حماس)”.
وأوضح المسؤولون للشبكة؛ أن إدارة “بايدن” أبدت: “انزعاجها الشديد” من الأعداد الكبيرة للمدنيّين الذين يفقدون حياتهم في القطاع بسبب القصف الإسرائيلي المكثف، وأن جيش الاحتلال والحكومة الإسرائيلية تلقوا: “تحذيرات” واضحة ومباشرة من أن “إسرائيل” عليها أن: “تفعل الكثير لتجنب الأضرار المدنية”؛ لأن ذلك من شأنه تقليص أي دعم دولي لا تزال دولة الاحتلال تحظى به.
وبالتالي؛ فإن “نتانياهو” يرى أن “بايدن” سيُطالب بعد بضعة أسابيع بإنهاء الحرب. وقد قال جيش الاحتلال الإسرائيلي إنه سيحتل قريبًا جميع أحياء مدينة “غزة”، وإن قواته تُقاتل بالفعل في الجزء الجنوبي من القطاع، وتخترق مقاومة (حماس)؛ في “خان يونس”. وزعمت قوات الاحتلال أن المناطق الوحيدة التي لم تدخلها بعدُ في “غزة” هي مناطق الجنوب الغربي التي تزدحم مخيمات اللاجئين فيها بأعداد كبيرة من المدنيين الذين نزحوا إلى هناك من مختلف أنحاء القطاع.
وبناءً على ذلك؛ تقترب “إسرائيل” من تلك المرحلة التي يمكن فيها للرئيس الأمريكي أن يقول لـ”نتانياهو”: لقد دعمتك دعمًا كاملاً طيلة أسابيع، ولم أستجِب للمعارضة القوية من داخل حزبي والشكاوى المستمرة من الحلفاء المقربين، وقد وصلتم إلى كل ركن من أركان “قطاع غزة” تقريبًا، ومن ثمَّ فقد حان الوقت لسّحب معظم هذه القوات، وإعادة بناء المسّتوطنات الإسرائيلية على حدود “غزة”، والبدء في التخطيط للمستقبل، حتى لا يتكرر ما حدث في السابع من تشرين أول/أكتوبر مرة أخرى أبدًا، بحسّب (هاآرتس).
ماذا يعني ذلك الصدام بالنسبة للعدوان على “غزة” ؟
في المقابل؛ فإن كل هذه الخطوات تُمثل مشكلة كبيرة لـ”نتانياهو”. فهو يُريد أن تستمر هذه الحرب إلى الأبد، أو أن تتواصل على الأقل حتى الانتخابات الرئاسية الأميركية؛ في تشرين ثان/نوفمبر 2024. ففي اليوم الذي تنتهي فيه الحرب، لن تلبث أن تجتاح “إسرائيل” موجة من الاحتجاجات التي لم يشهد الكيان مثلها من قبل، وربما لن يتأخر بعدها انهيار ائتلافه الحاكم، بحسّب تقرير الصحيفة العبرية.
لذا؛ فعندما يُقرّر “بايدن”؛ في نهاية المطاف، أن يدعو إلى: “وقف إطلاق النار”، وهذا ربما يحدث في غضون أسابيع قليلة، فإن “نتانياهو” لن يتوانى في الانقلاب عليه بلا تردد، ولن يكترث بكل ما فعله الرئيس الأميركي من أجله منذ 07 تشرين أول/أكتوبر. وسيفعل “نتانياهو” ذلك، مع أنه لولا دعم “بايدن”، لكانت “إسرائيل” تُقاتل الآن في حرب وجودية على جبهتين أو ثلاث، وهي تُعاني الانهيار الاقتصادي، وتُشرد مئات الآلاف من مواطنيها.
أما “نتانياهو”؛ فإن شُغله الشاغل هو معركته الشخصية، أي معركة بقائه في الحكم والتغلب على العقبات التي تحولُ دون ذلك. والسؤال الآن: هل يُريد “بايدن” أن يخوض تلك المعركة مع “نتانياهو”؛ في كانون ثان/يناير من عام 2024، أم في وقتٍ لاحق من هذا العام، وأقرب إلى الانتخابات ؟.. الإجابة عن هذا السؤال ستُحدد المسّار الذي سيتخذه “بايدن” مع اقتراب جيش الاحتلال من إنهاء عمليته العسكرية في “غزة”، كما ترى (هاآرتس).
وكان “بلينكن” قد وجَّه؛ الخميس 07 كانون أول/ديسمبر، انتقادات مباشرة لـ”إسرائيل” بقوله إن هناك فجوة بين نواياها المعلنة لحماية المدنييّن وبين عدد القتلى المدنيين بالفعل، وأضاف “بلينكن” في مؤتمر صحافي عقب اجتماعه مع وزير الخارجية البريطاني؛ “ديفيد كاميرون” في “واشنطن”: “بينما نقف هنا بعد مرور ما يقرب من أسبوع على هذه الحملة في الجنوب… يظل من الضروري أن تولي إسرائيل أهميةً لحماية المدنيين. لا تزال هناك فجوة بين. النية لحماية المدنيين والنتائج الفعلية التي نراها على الأرض”، بحسّب (رويترز).
كما تحدَّث “بايدن” هاتفيًا مع كل من “نتانياهو” والعاهل الأردني؛ الملك “عبدالله الثاني”، على نحوٍ منفصل الخميس. وقال “البيت الأبيض”؛ إن “بايدن”: “شّدد على الحاجة الملحَّة لحماية المدنيين وفصل السكان المدنيين عن (حماس) بوسائل منها ممرات تسمح للناس بالخروج بأمان من المناطق المحددة التي تدور فيها الأعمال العدائية”.