خاص: ترجمة- د. محمد بناية:
خلال الأشهر الأخيرة؛ لعبت “مصر”، خاصة بتوجيه “بدر عبدالعاطي” وزير الخارجية، دورًا كبيرًا ومتناميًا في البحث عن حلول للأزمة النووية الإيرانية، وهذا الدور الذي أبرز على نحوٍ غير مسبّوق؛ خلال العقود الأربعة الماضية، مكانة “مصر” من حيث الزواية الدبلوماسية والوسّاطة. بحسّب تقرير “وحيدة كريمي”؛ المنشور بصحيفة (شرق) الإيرانية.
اتصالات هاتفية للحد من التوتر..
في أحدث خطوة؛ أجرى وزير الخارجية المصري اتصالات هاتفية منُفصّلة مع “عباس عراقجي”؛ وزير الخارجية الإيراني، و”رفائيل غروسي”؛ مدير عام “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، ضمن سياسات “القاهرة” الرامية، بحسّب “الخارجية المصرية”، لتعزيز الاستقرار الإقليمي، والحد من التوتر، وترويج الحلول السلمية.
وفي حوار مع نظيره الإيراني؛ أكد “عبدالعاطي” على ضرورة الالتزام بالدبلوماسية واستئناف التعاون المؤثر مع الوكالة؛ وهي رسالة تعكس بوضوح سعي “القاهرة” إعادة ملف المفاوضات النووية إلى مسّار التفاوض والحوار.
دبلوماسية “القاهرة” النشطة والتعددية..
لا تقتصّر تحركات “القاهرة” على تبادل الاتصالات مع “طهران” و”الوكالة الدولية”، وإنما التقى وزير الخارجية المصري؛ بداية من العام 2025م، عددٍ من المسؤولين البارزين أمثال: “ستيف ويتكوف”؛ المبعوث الأميركي الخاص، ووزراء خارجية دول (الترويكا) الأوروبية، بخلاف المسؤولين العُمانيين الذي لعبوا دورًا بارزًا في المفاوضات “الإيرانية-الأميركية”.
وفي ظل التهديد بتفعيل آلية (الزناد) سعت “مصر”؛ عبر المسّار الدبلوماسي، للحيلولة دون احتدام الأزمة عبر الاستفادة من مكانتها كطرفٍ محايد، وأعلنت بوضوح: “عدم جدوى الوسائل العسكرية في حل الأزمة النووية أو سائر التحديات الإقليمية”.
تغيَّر في موازنة العلاقات بين “مصر” و”إيران”..
شّكلت التطورات الأخيرة نقطة تحول في العلاقات بين “طهران” و”القاهرة”؛ حيث عكست زيارة “عراقجي”؛ لـ”القاهرة”، ولقاء كبار المسؤولين المصريين بمن فيهم الرئيس؛ “عبدالفتاح السيسي”، والمشاركة في مأدبة العشاء التي جمعته بدبلوماسيين مصريين سابقين، دفئًا غير مسبّوق في العلاقات التي شابها التوتر وانعدام الثقة منذ “الثورة الإسلامية” في “إيران” عام 1979م.
كما اعتُبر تغييّر اسم شارع “خالد الإسلامبولي” إلى “الشهيد حسن نصر الله”؛ خطوة رمزية واستراتيجية من جانب “طهران”، رحبت بها “القاهرة” ووصّفتها بالخطوة الإيجابية لعودة العلاقات إلى مسّارها الصحيح، إذ أزالت ما وصف بآخر حاجز نفسي أمام إعادة بناء العلاقات وفتح الطريق أمام الحوار الرسمي.
من أزمة “البحر الأحمر” للوسّاطة في الحرب الأخيرة..
لا يقتصّر الدور المصري على تحسيّن العلاقات الثنائية فقط؛ بل امتدّ ليشمل دورًا إقليميًا متناميًا.
فقد اتصل الرئيس؛ “السيسي”، هاتفيًا بنظيره الإيراني؛ “مسعود پزشكيان”، في خضم العدوان الإسرائيلي والأميركي على “إيران”، ودّان التصعيد الإسرائيلي.
هذا الموقف النادر وضع “مصر” في موقعٍ خاص بين الدول العربية. منذ ذلك الحين، دخلت الدبلوماسية المصرية، بقيادة “عبدالعاطي” مرحلة جديدة، عبر اتصالات مكثفة مع “رافائيل غروسي” ووسّطاء من “الولايات المتحدة” و”عُمان”، لإحياء محادثات الملف النووي الإيراني.
المكانة الجيوسياسية والفرص الجديدة..
ساهمت التطورات الإقليمية الواسعة في التمهيد للتقارب “الإيراني-المصري”؛ خاصة بعد الوسّاطة الصينية التي انتهت بالمصالحة بين “طهران” و”الرياض”، ما أزال عائقًا كبيرًا أمام انفتاح “القاهرة” على “إيران” دون خشية من ردود أفعال شركائها العرب.
كما دفعت الأزمات الاقتصادية في كلا البلدين، من ديون “مصر” المتفاقمة إلى العقوبات القاسية المفروضة على “إيران”، نحو التعاون العملي، لا سيّما في مجالي التجارة والسياحة الدينية.
إعادة تعريف للدور المصري في المنطقة..
تحركات “القاهرة” الأخيرة؛ لا تُعبّر فقط عن استعادة علاقات غابت لعقود بين قوتين رئيسيتين في الشرق الأوسط، بل تعكس أيضًا إعادة تعريف للدور المصري الإقليمي.
إذ أن دخول “مصر” كوسيّط مُحايد في ملف “إيران” النووي، مع تمتَّعها بثقة من الأطراف الغربية والشرقية على حدٍ سواء، يُمثّل فرصة غير مسبّوقة لتوسيّع نفوذها الإقليمي.
وفي ظل استمرار التهديدات بالحرب والجمود الدبلوماسي، يُمكن للدبلوماسية المصرية، عبر التركيز على الحوار وخفض التوتر ودعم الحلول السلمية، أن تفتح نافذة جديدة لحل واحدة من أعقد الأزمات الأمنية في العالم.