خاص : ترجمة – د. محمد بناية :
بينما تتبلور دبلوماسية وإستراتيجية الحكومة الإيرانية الجديدة، حول دول الجوار وتتبنى سياسة التردد على دول “آسيا الوسطى” وبعض دول الخليج، يتبنى جيران “إيران” آلية مختلفة نسبيًا تجاه الجارة الشمالية بالخليج، في إطار تقديم تعريف وتصور جديد للعلاقات الإقليمية وفوق الإقليمية، والعمل على تبين وتدعيم موقعها القيادي بالمنطقة؛ كما يرى “أبوالقاسم دلفي”، في تقريرًا نشرته صحيفة (شرق) الإيرانية الإصلاحية.
مرحلة جديدة من التطبيع بين دول المنطقة..
وقد ساهمت زيارة الرئيس التركي؛ “رجب طيب إردوغان”، نيسان/إبريل الماضي؛ إلى “الرياض”، بعد مقتل الصحافي المعارض؛ “جمال خاشقجي”، عام 2018م، في مدينة “إسطنبول”، ولقاء ولي العهد السعودي؛ “محمد بن سلمان”، في تغير طبيعة الجمود في علاقات البلدين على خلفية الكثير من الموضوعات الإقليمية، وبخاصة المواقف الدينية للدولتين اللتان تُدينان بالمذهب السُني.
ودخلت مرحلة التطبيع مرحلة جديدة بجولة “ابن سلمان” الإقليمية في دول: “مصر والأردن وتركيا”.
وكان ولي العهد السعودي؛ قد تعرض بعد حادث مقتل “خاشقجي”، إلى حالة من العزلة الدولية، قد بدأ عملية الإنعاش السياسي والعلاقات الإقليمية والدولية، في أعقاب زيارة الرئيس الفرنسي؛ “إيمانويل ماكرون”، كانون أول/ديسمبر الماضي، إلى “الرياض”، في محاولة للاستفادة من الإمكانيات السعودية في التأثير على الأوضاع اللبنانية المتوترة، تلاها زيارة “إردوغان”، نيسان/إبريل من العام الماضي، بحثًا عن حلول لإنقاذ “تركيا” من الأوضاع المالية والاقتصادية السيئة؛ على مشارف الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل.
تركيا والتطبيع مع السعودية وإسرائيل..
وللتخلص من التحديات التي تُهدد مستقبله السياسي، قرر “إردوغان”، في البداية تجديد العلاقات المأزومة نسبيًا مع “الكيان الصهيوني” عبر استقبال نظيره الإسرائيلي في “أنقرة”، ثم تكليف “مولود تشاوش أغلو”؛ وزير الخارجية، بزيارة الأراضي المحتلة في إطار استكمال ملف تطبيع العلاقات “التركية-الإسرائيلية” والحصول على دعم الصهاينة.
وكانت العلاقات “السعودية-التركية”، قد تجمدت تمامًا على خلفية مقتل الصحافي السعودي؛ “جمال خاشقجي”، لكن وبعد إغلاق ملف القضية وإحالة القضاء التركي ملف التحقيقات إلى القيادة السعودية، وإقامة محاكمات صورية واستصدار أحكام قضائية ضد بعض الشخصيات السعودية، حصل “إردوغان” وجهاز الدبلوماسية التركية؛ على فرصة للتحرك باتجاه تطبيع العلاقات بين البلدين.
ومما لا شك فيه أن بعض الملفات الأخرى؛ مثل توتر علاقات “الدوحة-الرياض”، والحصار البحري ضد “قطر”، أحد حلفاء “تركيا” في “مجلس التعاون الخليجي”، فضلًا عن الخلافات “السعودية-التركية” على خلفية الحرب السورية، من جملة العقبات التي ساهمت كما يبدو في تغاضي البلدين عن مصالحهما الأولية، ومن المتوقع أن تتناول مفاوضات الطرفين المقبلة الاستثمارات السعودية في “تركيا”، ومبيعات السلاح التركية إلى “الرياض”؛ والتي كان من الممكن أن تلعب دورًا كبيرًا في موازنة موقف “السعودية” في الحرب اليمنية.
التحشيد ضد “الجمهورية الإيرانية”..
من جهة أخرى؛ وبعد ثلاثة أسابيع فقط من تحركات “ابن سلمان” الإقليمية، وجهود “إردوغان” للتغلب على مشاكله الداخلية والإقليمية، يعتزم الرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، بعد عام ونصف من الوصول إلى السلطة، زيارة “الرياض” في إطار جولة إقليمية تشمل: “إسرائيل والسعودية”، وذلك بغرض المشاركة في قمة مشتركة تجمع قادة “مجلس التعاون الخليجي” ودول: “مصر والأردن والعراق”.
ويمكن من خلال متابعة الآفاق العامة الفعلية بالشرق الأوسط؛ وبخاصة دول الخليج، وفي ضوء المفاوضات النووية الفاشلة بين “الجمهورية الإيرانية” و”الولايات المتحدة”؛ بوساطة الأطراف الأوروبية، اتساع دائرة التيار المؤيد للجهود الصهيونية الرامية للحشد ضد “الجمهورية الإيرانية”.
ويدعي المراقبون سعي دول الجوار الإيراني المتعددة وتباين مصالح هذه الدول تجاه الإستراتيجية الأميركية العامة؛ التي ترمي إلى تغيير الموازنات والانسحاب من منطقة الشرق الأوسط والتركيز على منطقة “الهند” و”المحيط الهاديء”، لاستغلال فرصة الفراغ الناجم عن انسحاب القوى الكبرى من المنطقة، إلى تثبيت وتدعيم مكانتها ودورها في المستقبل القريب.