“شرق” الإيرانية ترسم معاناة .. الأنامل التي لن تعود في أفغانستان !

“شرق” الإيرانية ترسم معاناة .. الأنامل التي لن تعود في أفغانستان !

خاص : ترجمة – د. محمد بناية :

“بلحظة رأى أنامله المقطعة؛ تجمعها من حوله النساء صارخات، ثم حملوه إلى المستشفى، لكن محاولات إعادة وصل هذه الأنامل باءت بالفشل؛ حيث فقد أنامله وأظافره للأبد. تلك الأيدي التي كان من المفترض أن تكون بالمدرسة في هذا التوقيت، لكنها حاليًا مقطوعة داخل إحدى ورش العمل”. وبالعادة يقوم بتشبيك ما تبقى من أصابعه أثناء الكلام ويستغرق بالتفكير في أظافره النظيفة، والتي لم يُعد لها أي أثر وقد بلغ الـ (16) من العمر.

يتذكر أنامله التي لم يكن يتوقع مطلقًا أن يفقدها في طفولته من أجل لقمة العيش. والواقع أن لكل شارع أو حي في ضواحي المدينة؛ (من منظور الخائفين)، قصة ساخنة ونارية مستترة حتى التاريخ لن يعرف عنها.

وقرية “كبير آباد” لم تعتد بحاجة إلى النظريات الجامعية والمقالات المفصلة بغرض فهم ولمس انعدام المساواة الاجتماعية، ولكن تكفي نظرة على البيوت غير المكتملة، والطرق الترابية، والأطفال الذي يلعبون حفاة دون مبالغة في وسط الطرقات؛ بحسّب “نســترن فرخه”، في التقرير التحليلي الذي نشرته صحيفة (شرق) الإصلاحية الإيرانية.

“كبير آباد” عالم يستدعي المعرفة..

نتقدم على طريق فرعي مملوء بالأشجار، تعّبر السيارة برّك الطين الباقية من ليلة ماطرة، تعّبر إلى جانبنا عدة سيارات متهالكة، يلوحون لنا ربما بسبب البوق أو كنوع من الترحيب.

دخلنا القرية، كل السّكون يُخيم على كل شيء، فقط ترقبنا نظرات الناس من حولنا. تصطف مجموعات الشباب على مقربة من بعضها، وتراقبنا النساء من فتحات صغيرة أو الأبواب شبه المفتوحة. الجميع ينظر في تعجب، لكن الجميع يرد على السلام بابتسامة، ثم يختفون مسّرعين من الخجل.

ينظر مرافقنا باضطراب إلى الطرقات والأراضي الزراعية ويقول: “انظروا هنا في هذه الأراضي الزراعية بالضبط، لطالما تعرض الأطفال إلى لدغات الثعابين، فهذه ملاعبهم لأنه لا توجد نوادي”.

نكمل طريقنا بحثًا عن “حسين”؛ بعد أن سأل عن محل إقامته. وأخيرًا وصلنا إلى منزل جدرانه غير مستقيمة، يفتقر إلى الإضاءة الكافية.

يد كان يجب أن تمسّك القلم !

ينظر “حسين” إلى ما تبقى من أصابعه ويضحك. ولعله ما فكر في الانتقال إلى دولة أخرى لولا أنه ولد في الكارثة الأفغانية. كان رياضيًا معروفًا؛ حيث كانت اهتماماته آنذاك تنصب على المزيد من التمرينات استعدادًا للمسابقات.

لكنه فقد قبل أسابيع أنامله السّبعة تحت آلة الضغط في إحدى ورش صناعة القدور. رأى بلحظة أنامله المقطعة، وفشلت محاولات إعادة وصلها بالأصابع مرة أخرى. تلك اليد التي كان يجب أن تكون في المدرسة بنفس التوقيت وتمسّك بالقلم.

لامبالاة صاحب ورشة العمل..

الناس في هذه المنازل كآلاف الأفغانيين هم ضحايا مرارة الحرب. يقول “حسين” عن بنات خالته: “كن يدرسّن القانون والمحاسبة في أفغانستان، لكن لم يجدن بديلًا عن البقاء بالمنزل بعد صعود (طالبان) إلى السلطة، وحاليًا يُصارعن مرارة الحرمان في دولة أخرى”.

والد “حسين”؛ بلغ: الـ (70) من عمره، لكنه مضطر للعمل مع ولديه رغم كهولته. في غضون ذلك لم يكن حظ اسم “حسين” جيد، وإنما تضفى الكدمات وغزر الخياطة على يديه المزيد من الحزن على أهل هذا المنزل.

فلم يُعد يبقى لديه من أصابعه العشرة سوى ثلاثة، وقد فشلت محاولات وصل أنامه، وهي مسألة تكررها أمه في معظم جملها وتقول: “ليت صاحب ورشة العمل حمل ابني إلى مستشفى خاص بدلًا من (فاطمة الزهراء)؛ حينها ربما كانت حال عملية إعادة وصل الأنامل أفضل”.

و”حسين”؛ هو اسم مستعار لذلك الشاب المتألم. يتذكر هذا الشاب أحداث ذلك اليوم، ويقول بنبرة هادئة: “عملت في هذه الورشة قبل ثلاث سنوات تقريبًا. وكان لدينا عامل إيراني يُعلمني طريقة العمل تدريجيًا. كنت أتدرب على مكانية تشكيل المعادن تحت إشرافه، وحين ترك العمل أخذت مكانه. وبعد ثلاث سنوات من العمل فقدت حواسي فجأة… لم أفهم طبيعة ما حدث في البداية لأن الألم كان حادًا؛ لكن بالقرب من المستشفى بدأت أشعر بالألم تدريجيًا، وشعرت بالرعب في البداية حيث كانت يدي منتفخة ويخرج سيخ من كل إصبع”.

تقول أمه: “كان يعمل هناك مدة ثلاث سنوات، لا أعلم ماذا حدث بحيث فقد تركيزه وأُصيب بهذا البلاء. ذلك اليوم لم يخبروني أصلًا بما حدث. اتصل في تمام الساعة (12) ظهرًا يطلب غذاءه، وبعد ساعة ونصف اتصلوا يقولون لا ترسلوا الطعام، أي بعد مرور ساعة ونصف على الحادث، لكنه طلب إلى صاحب ورشة العمل ألا يخبرني بشيء. بعد ذلك نقلوه إلى المستشفى وأجروا عملية وصل الأنامل. اتصلت بوالده وقلت له تأخر “حسين” وأنا أشعر بالقلق، فقال لا تقلقي لكنني كنت أشعر بالألم في صدري وقلت لابنتي وقع مكروه قلبي مضطرب. وازدادت حالتي سوءً وانطلقت فجأة في الشارع أنادي على أحد أصدقاء “حسين” وطلبت إليه أنه يخبرني ما حدث، فقال: ابنك وقد خسر بعض أنامله وحينها شعرت بالدوار والإغماء”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة