شباب العراق ..احلام محاصرة وطموحات محطمة

شباب العراق ..احلام محاصرة وطموحات محطمة

 على وقع ضربات العصي للكرات الصغيرة الملونة والمرقمة، يمضي وسام جمال جبار ايامه مشرفا ‏على محل صغير للعب البلياردو وسط بغداد، تاركا خارجه احلاما وامنيات قضت عليها فترة ما بعد ‏غزو العام 2003.‏
ويقول وسام (23 عاما) تحت انظار زبائن مراهقين يدخن معظمهم بلا توقف “الحرب قتلت احلامي .. ‏كنت متفوقا في دراستي، لكن بعد الاحتلال احسست ان شيئا ما انكسر في داخلي”. ‏
ويضيف وسام وهو والد لطفل عمره سنة وسبعة اشهر “كنت احلم دوما بان اصبح طبيبا او مهندسا، ‏لكن الظروف منعتني ان اكمل (الدراسة). وها انا اليوم على باب رزقي، اجلب اللقمة لعائلتي ولاهلي، ‏والحمد لله”. ‏

ومثل وسام وكثير من الشبان والشابات في العراق، تقول ياسمين (25 عاما) الموظفة الحكومية ان ‏فترة ما بعد الاجتياح العسكري قضت على الكثير من احلامها ودفعتها للبحث عن الامن والطمانينة في ‏مكان آخر. وتوضح انه قبل الغزو “كان طموحي ان ابقى في بلدي واصنع شيئا جيدا لمستقبلي، وفي ‏الوقت نفسه اساهم في تطوير العراق، اما حاليا فطموحي ان اهاجر حتى احس بالامان والاستقرار ‏وابني لنفسي مستقبلا جيدا بعيدا عن هذا الوضع المزري”. ‏
واطلقت الولايات المتحدة ومجموعة من الدول الحليفة على راسها بريطانيا في 20 اذار/مارس 2003 ‏حملة عسكرية ضد العراق ادت فيما بعد الى احتلاله عسكريا لنحو تسع سنوات. ‏
واسدل الانسحاب العسكري الاميركي في كانون الاول/ديسمبر 2011 الستار على هذه الحرب المثيرة ‏للجدل باسبابها وفصولها، من دون ان يوقف اعمال العنف اليومية المستمرة التي تسببت بمقتل ‏عشرات آلاف العراقيين. ‏
وفي منزلها الواقع في منطقة الكرادة، تروي ياسمين لحظات “الخوف والرعب” التي عاشتها مع ‏سقوط اولى صواريخ قوات التحالف الدولي على بغداد. وتوضح “كنت مع وامي وابي واخوتي. جسلنا ‏في غرفة واحدة ونصلي ونقرا ايات قرانية. كنا نشعر برعب كبير، وكانت اياما صعبة جدا عنوانها ‏القصف المستمر، واليوم فيها يعادل سنة بكاملها”. وتتابع “كنت اشعر بان حياتي قد تنتهي باية لحظة. ‏ولا زلت اذكر اصوات القنابل، تلك الاصوات المرعبة والاصداء القوية التي تتردد بعدها”. ‏
وترى ياسمين ان اصعب فترة بالنسبة لشباب العراق كانت بعد سقوط نظام صدام حسين مباشرة اذ ان ‏‏”الحياة كانت صعبة جدا”. وتضيف “لا قانون ولا شيء، فقط احتلال. الامان اختفى ايضا، والحياة ‏كانت تقريبا شبه منعدمة، الى جانب الطائفية” التي قادت البلاد الى حرب دامية بين السنة والشيعة ‏‏(2006-2008) قتل فيها الآلاف. ‏
ورغم مرور عشر سنوات على الاجتياح، لا يزال العراق يعيش معاناة متواصلة تتمثل خصوصا في ‏العنف اليومي الذي يشمل العبوات الناسفة والسيارات المفخخة والاحزمة الناسفة والاغتيالات واعمال ‏الخطف. ‏
وفي موازاة العنف، يعيش العراق على وقع نقص كبير في خدمات اساسية، كالكهرباء والمياه النظيفة، ‏ويواجه معدلات فساد هي من بين الاعلى في العالم، ويتبع نظام محاصصة طائفي حزبي. ‏
ويدفع واقع العراق الذي يسكنه اكثر من 30 مليون نسمة ويعاني من بطالة تبلغ نسبتها نحو 11 بالمئة ‏بحسب الارقام الحكومية و35 بالمئة بحسب ارقام غير رسمية، غالبية شبانه للبحث عن فرص عمل ‏في الخارج. ‏
وكان مركز بابل لحقوق الانسان والتطوير المدني نشر في نهاية 2011 نتائج استطلاع للراي اجراه ‏بين شبان دون 30 سنة، اكد 89 بالمئة منهم انهم يفضلون الهجرة على البقاء في بلدهم. ‏
وفي شارع فلسطين في شرق بغداد، يتدرب عادل (29 عاما) في غرفة صغيرة داخل ناد شبابي مع ‏خمسة اخرين من اعضاء فرقة على حركات راقصة على ايقاع موسيقى اغاني الراب، التي يؤلفها ‏ويلحنها بنفسه. ‏
ويدور الشبان الستة الذين تتراوح اعمارهم بين 19 و32 عاما في ارجاء القاعة الصغيرة، يقفزون تارة ‏في الهواء، ويقفون تارة اخرى على يد واحدة فوق الارض التي تفترشها قطع بلاستيكية ملونة. ‏
ويقول عادل وهو يبتسم “فقدنا اصدقاء، وفقدنا مدارسنا، فاتجهنا نحو الرياضة، وشيئا فشيئا عدنا لنلم ‏بعضنا البعض. الحياة لا بد ان تستمر”. ‏
ويضيف على وقع اغنية “بغداد” لمغني الراب الاميركي الشهير ايمينيم “احلم بان اصعد الى مسرح ‏واقدم فني، لكن نظرة المجتمع لا تساعدني، ولا احد يدعمنا ويقول لنا: هيا ابرزوا مواهبكم. ربما ياتي ‏الشخص المناسب في المستقبل”. ويتابع عادل “اطمح الى ان اتدرب في الخارج، ثم اعود لافيد بلدي. ‏اريد ان اترك العراق، لكن ليس للابد”.‏

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة