سيطرة على الجماهير أم من أجل تحقيق “صفر جريمة” ؟ .. بيزنس المراقبة الشرطية يتصاعد بشكل مريب !

سيطرة على الجماهير أم من أجل تحقيق “صفر جريمة” ؟ .. بيزنس المراقبة الشرطية يتصاعد بشكل مريب !

وكالات – كتابات :

قاريء لموجات الدماغ يمكنه اكتشاف الأكاذيب في التحقيق؛ وكاميرات مصّغرة توضع داخل أقلام السجائر الإلكترونية وأكواب القهوة، وكاميرات فيديو ضخمة يمكن تكبيرها أكثر من كيلومتر لإلتقاط الوجوه ولوحات الترخيص.. هذه بعض الأدوات والتقنيات التي تم رصدها في مؤتمر للشرطة؛ عُقد في “دبي”، بـ”الإمارات”، في آذار/مارس 2023، وحضّرت فيه شركات وأجهزة أمن وشرطة من جنسيات مختلفة.

في المؤتمر؛ كانت التقنيات الجديدة التي ستسّتخدمها قوات الأمن المستقبلية معروضةً للبيع. وبعيدًا عن أعين عامة الجمهور، تقول صحيفة (نيويورك تايمز) الأميركية؛ إن الحدث قدّم لنا نظرةً نادرة على الأدوات التي أصبحت متاحة لأجهزة تطبيق القانون حول العالم اليوم.

وتضم القائمة برمجيات أفضل ويصعب اكتشافها لتأدية مهام المراقبة والتعرف على الوجوه، ويمكنها تتبع الأفراد تلقائيًا بين المدن وأجهزة الحاسوب، فضلاً عن اختراق الهواتف.

تجارة المراقبة الشرطية تتنامى بشكلٍ كبير وخطير !

أدى التقدم في تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ والطائرات المُسّيرة؛ والتعرف على الوجه، إلى ظهور تجارة مراقبة شرطية عالمية متنامية، حيث يمكن شراء برمجيات الاختراق الإسرائيلية، وأدوات التحقيق الأميركية، وخوارزميات الرؤية الحاسوبية الصينية، لمزجها معًا، وصُنع خليط تطفُّلي من الفاعلية المرعبة.

وبفضل زيادة الإنفاق من الدول الشرق أوسطية؛ مثل “الإمارات”، سلّط الحدث الضوء على انتشار أدوات المراقبة الجماعية التي كان يُعتقد سابقًا أنها تنتشر داخل “الصين” فحسّب؛ (بحسّب مزاعم الآلة الدعائية الأميركية والغربية). ولا شك أن زيادة استخدام التقنية تُبشِّر بعصرٍ من العمل الشرطي الذي سيعتمد على البرمجيات والبيانات والتّرميز، بقدر اعتماده على الضباط والأسلحة. ما سيثّير التساؤلات حول آثار ذلك على خصوصية الأفراد، وطريقة ممارسة العمق والتسّلط السياسي.

حيث قال “داراغ موراي”؛ محاضر القانون الأقدم في جامعة “الملكة ماري”: “يمكن أن تكون الكثير من أدوات المراقبة حميدة وتُستخدم في تحسّين المدينة، لكن الوجه الآخر للعُملة يتمثل في أنها توفر نظرةً ثاقبةً مذهلة على الحياة اليومية للناس، ما قد يأتي بآثار مرعبة، أو ربما تتحول التقنيات إلى أداة للقمع فعليًا”.

برمجيات التجسّس والمراقبة في “دبي”..

وكانت “حُمى الذهب” جليةً داخل مركز المؤتمرات في قلب “دبي”، حيث حضر ممثلو الشرطة من جميع أنحاء العالم بملابسهم الرسمية، وتصفحوا الطائرات المُسّيرة التي يمكن إطلاقها وتشغيلها عن بُعد.

بينما استعرضت شركات الكاميرات الصينية برمجيات يمكنها التعرف على الحشود المجتمعة. فيما أدارت الشركات الأميركية مجموعة أكشاك تُقدم خدمات شرطية، مثل (Dell) و(Cisco). أما شركة (Cellebrite) الإسرائيلية؛ التي تصنع أنظمة اختراق الهواتف المحمولة، فقد استعرضت منتجاتها داخل: “منطقة حكومية” مفصولة عن بقية أرجاء المؤتمر.

وباعت شركات أخرى نظارات للتعرف على الوجوه وبرمجيات لتحليل المشاعر، حيث تُحدّد الخوارزميات مزاج الشخص بناءً على تعابير وجهه. بينما دفعت بعض المنتجات حدود التطبيق العملي، مثل مركبة (سيغواي) ذات البندقية المحمولة.

وقال اللواء “خالد الرزوقي”؛ مدير الإدارة العامة للذكاء الاصطناعي في شرطة “دبي”: “في هذه الأيام لا تُفكر قوات الشرطة في مسألة المسدسات والأسلحة التي يحملونها، بل يبحثون عن الأدوات، وعن التقنية”.

وتحّولت “الإمارات” إلى دراسة حالة لإمكانات ومخاطر هذه النوعية من التقنيات الشرطية، بفضل مواردها المالية الكبيرة، وتحدّياتها الأمنية الخطيرة، وحوكمتها الاستبدادية. وتستطيع هذه الأدوات أن تُسّاعد في منع الهجمات الإرهابية والإجرامية، لكنها قد تتحول كذلك إلى دعامةٍ غير ديمقراطية للسلطة السياسية.

التعرف على الوجوه وتخّزين البيانات..

تبيّع إحدى شركات التقنية في “الإمارات” برنامجًا شّبه مطابق للمنتجات المعروفة لدى الشرطة الصينية، كما تمتلك علاقات مع قيادة الدولة. وخلال المؤتمر استخدم برنامج الشركة الكاميرات والذكاء الاصطناعي للتعرف على الناس، وتخّزين البيانات حول مظهرهم، وتتبع مسّاراتهم أثناء تجولهم في المكان.

فيما قال “مارك أو جونز”؛ أستاذ جامعة “خليفة بن حمد”؛ في “قطر”، إن قلة الشفافية والرقابة على طريقة استخدام تقنيات المراقبة تُمهِّد الطريق أمام احتمالات إساءة الاستخدام. وأردف: “أصبحت المنطقة شديدة التأمين، وصارت الإمارات تُركز على الأمن جدًا في عهد محمد بن زايد، لدرجة أن هناك نوعًا من التقديّس للتقنية”.

وتنتشر الكاميرات على نحوٍ خاص في أكبر إمارتين، وهما “دبي” و”أبوظبي”، حيث تحتوي “دبي” الأكثر بريقًا وتحررًا على كاميرات مخفية في الزوايا غير المتوقعة. بينما تُهيمن الكاميرات على أفق مدينة “أبوظبي”، المركز الأكثر تحفظًا للسلطة السياسية. وتنتصّب الأبراج المعدنية الرمادية التي تحمل الكاميرات هناك فوق الطرقات على مسافات متسّاوية.

وقال اللواء “الرزوقي”؛ في مقابلةٍ أجراها، إن الكاميرات هي جزء من حملةٍ امتدت لسنوات، بهدف أن تُصبح الإمارة رائدة عالمية في التقنية الشرطية. وزار المسؤولون الإماراتيون أقسام الشرطة والشركات التقنية في “الصين”، و”أوروبا”، و”الولايات المتحدة”، بحثًا عن الأفكار. كما تعاقدوا مع شركتي الاستشارات؛ (KPMG) و(Gartner) للمساعدة في العملية، بحسّب اللواء. فيما اشترت “دبي” أنظمة التعرف على الوجوه من شركات صينية مثل: (Hikvision) و(Huawei).

وأوضح “الرزوقي”: “نحن نختار أفضل ممارسةٍ في كل بلد، ونُحاول إتقانها وحقنها داخل المنظومة الموجودة لدينا”. ثم أردف أن: “الصينيين هم الأفضل” في مجالات الرؤية الحاسوبية والتعرف على الوجوه، حسّب تعبيره.

الشرق الأوسط أكبر سوق لتقنيات الرقابة الشرطية..

ويرى “جونز”؛ أن الشرق الأوسط تحوّل إلى: “طبق بتري لاختبارات مختلف الأطراف الفاعلة”، بينما تتنافس “الصين وروسيا والولايات المتحدة” على النفوذ هناك باستخدام تقنياتها. ولا شك أن الوجود المكثف للتقنيات الصينية يُعَدُّ علامةً على النفوذ المتنامي لـ”بكين” في منطقة الخليج، حيث إن غالبية الكاميرات الظاهرة في الشوارع هي كاميرات صينية.

وتستخدم “شرطة دبي” أنظمةً من الجيل التالي داخل مقرها الرئيس؛ شمال ناطحات السّحاب ومراكز التسّوق في وسط المدينة. وتشمل تلك الأنظمة برنامجًا للتعرف على الوجوه بطول المدينة، ويُدعى: “عيون”، حيث يُمكنه التعرف على أي شخص يمر بواحدةٍ من: 10 آلاف كاميرا على الأقل، مع ربط هويته بقاعدة بيانات تضم صورًا من جمارك المطار وبطاقات تعريف المقيّمين. كما ألزمت الشرطة الشركات ببّث إشارات كاميرات المراقبة من أنظمتها الأمنية إلى قاعدة البيانات الحكومية المركزية.

وشرح “الرزوقي”؛ ذلك قائلاً: “تُراقب المنظومة المدينة بالكامل، منذ لحظة دخولك المطار وحتى لحظة مغادرتك”.

وتتواجد تلك القدرات التقنية داخل مركز قيادة الشرطة، حيث يمكن لضباط “دبي” مشاهدة البثّوث المباشرة لكاميرات المراقبة ومواقع جميع مركبات الطواريء، وذلك عبر شاشةٍ ضخمة موجودة هناك.

وأوضح المقدم “بلال الطاير”؛ مدير إدارة مركز القيادة والسّيطرة: “إذا ارتكبت جريمةً في وجود التقنية والكاميرات الذكية، فسوف أعرف الاتجاه الذي ستسّلكه في غضون دقيقة”.

وتمثّلت إحدى الأدوات المتقدمة في برنامج التنبؤ الشرطي الذي صّممه مهندسون من “الإمارات”، مع تعلُّم آلي يمكنه تحديد الأماكن التي قد يستهدفها اللصوص لاحقًا. وقال المسؤولون إن دقة البرنامج تضاعفت مقارنةً بالطراز السابق، ووصلت إلى: 68%. بينما يعمل برنامج الخرائط في بعض سيارات دوريات الشرطة على منح الضباط مسّارات محددة للسّير فيها، بناءً على بيانات الجرائم المتوافرة.

تقنيات لـ”مسّح الدماغ” خلال التحقيق مع المتهمين..

وهناك خوارزمية أخرى مبّنية على سجلات حوادث السيارات، وقد تنبأت بهوية نحو: 4000 من أكثر سائقي “دبي” خطورة، ليحصلوا على تنبّيهات بالقيادة الحذرة عبر الرسائل النصية. يُذكر أن كبار السّن الإماراتيين من الذكور كانوا أكثر الفئات تمثيلاً وسط السائقين السيئين، يليهم كبار السّن الذكور من جنوب “آسيا”.

وخلال “معرض شرطة دبي”، استعرض مسؤولو “وزارة الداخلية” الإماراتية كيف يمكنهم مسّح قزحيات عيون الحضور باستخدام جهاز لوحي، من أجل الحصول على معلومات عن توقيت دخولهم للبلاد مع أحدث صورهم في الجمارك. وشهد المعرض تقديم جهاز رأس يُقال إنه يستطيع رصد النشاط في جزء الدماغ المسؤول عن الذكريات، وأوضح مسؤولو الوزارة أنه سيكون مفيدًا أثناء الاستجوابات للكشف عن أكاذيب المشتبه بهم.

وتجوّل القائد العام لشرطة “دبي”، الفريق “عبدالله خليفة المري”، وسط أكشاك العرض في المؤتمر، حيث قال إن القدرات الجديدة المعروضة قد تبدو تطفلية، لكنها تُعد مجرد وسائل لتحقيق هدف طوباوي بعيد المنال، وهو: “صفر جرائم”. ثم أردف: “نحن لا ننتهك خصوصية الناس، نحن نراقبهم فحسّب”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة