كتبت – ابتهال علي :
مر على الغزو الأميركي للعراق 14 عامًا في التاسع من شهر نيسان/أبريل الجاري، ومع مرور السنين لازال سنة العراق هم أكثر طائفة من الشعب العراقي معاناة من التهميش والترحيل وفقدان موطن الأباء.
وفي حلقة جديدة مما يواجهه العرب السنة بالعراق، تأتي معركة تحرير الموصل أو كما أطلق عليها رئيس الوزراء العراقي “حيدر العبادي”: “قادمون يا نينوي”، لاستعادة المدينة الاستراتيجية من براثن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، لتصب مزيدًا من الزيت على نار معاناة العرب السنة في بلاد الرافدين.
عبر تقرير لصحيفة “لا كروا” الفرنسية عنوانه: “لاكروا الفرنسية: يأس العرب السنة الذين طردهم الأكراد من أراضيهم في العراق”، زار مراسل الصحيفة “غيرمي أندريه” أحد مخيمات اللاجئين داخل وطنهم من العرب السنة في شمال البلاد ورصد حالة اليأس العارمة بين قاطني جنبات هذا المخيم من العودة مرة أخرى لبيوتهم وقراهم ومزراعهم التي احتلها الأكراد منذ سقوط بغداد في 9 نيسان/ابريل 2003. بحسب الصحيفة الفرنسية.
زار المراسل مخيم “حمام العليل” – الواقع على بعد 30 كيلو متر من جنوب الموصل ثاني أكبر المدن العراقية بعد العاصمة بغداد – ويقطن هذا المخيم آلاف من العرب السنة الذين أجبرتهم الحروب على الفرار من بيوتهم والذين يعجزون عن العودة مرة آخرى لقراهم وبلداتهم نظرًا لاحتلال الأكراد لها.
ويلتقي مراسل صحيفة “لا كروا” أحد المواطنيين من السنة العرب من سكان مخيم “حمام العليل” على نهر دجلة، حيث يتساءل “محمد”، وهو أحد ضحايا الحروب التي تسببت في اقتلاع كثير من العراقيين من بيوتهم وقراهم الأصلية، عن مصير أبناء جلدته من العرب السنة مؤكدًا على أنهم لا يعلمون شيئًا عن مصيرهم.
ومسقط رأس محمد (65 عامًا) “زمار”، وهي بلدة على بعد 60 كم شمال غرب مدينة الموصل. ويقول “محمد”: “لمدة قرن، كانت هذه الأراضي لنا.. وكنا نعيش في هذه المنطقة عرب وأكراد معًا، أما الآن، فقد أضحت منطقة متنازع عليها بين كل من حكومة بغداد وحكومة كردستان العراق”.
و”زمار” هي منطقة في محافظة نينوى تحدها من الشمال الحدود السورية العراقية، لذا تعتبر مدينة زمار بمثابة نقطة استراتيجية تربط سوريا مع محافظة نينوى.
أعطت الحرب على تنظيم داعش ذريعة جوهرية للأكراد لقيام قوات “البيشمركة” التابعة لإقليم كردستان العراق بمحاولة فرض سياسة الأمر الواقع وتهجير أبناء المنطقة من العرب السنة عبر حدوث عمليات سلب ونهب وحرق القرى الزراعية في عملية إحلال ديموغرافي لصالح الأكراد.
ووفقًا للدستور العراقي الجديد لعام 2005، الذي تم إقراره بعد الغزو الأميركي للعراق، يطالب أقليم كردستان الذي يتمتع بالحكم الذاتي، بمناطق عدة خاضعة للحكومة المركزية في بغداد، سعيًا لتحقيق حلم الأكراد في بناء دولة كردية توحد أبناء القومية المنتشرين في تركيا وسوريا والعراق وإيران.
يقع “إقليم كردستان” العراق في شمال البلاد ويتكون من محافظات “اربيل والسليمانية وحلبجة ودهوك”، إلا أن الأكراد يسعون إلى الاستيلاء على مناطق متنازع عليها مع الحكومة العراقية في جنوب الإقليم مثل “نينوى وكركوك وديالي”.
وتزعم الصحيفة الفرنسية أنه عقب استيلاء “تنظيم داعش” على شمال العراق بمساعدة قبائل عربية سنية، جذب “داعش” أشخاص مثل “محمد” للأنضمام إلى صفوفه، إلا أنه هرب بعد ذلك، وأجبر، مع بدء حرب تحرير الجزء الغربي من الموصل من قبضة “داعش” في منتصف شهر آذار/مارس الماضي، المواطنين العرب السنة إلى الفرار بإتجاه بلدة “حمام العليل” الواقعة على نهر دجلة، حيث أقاموا مخيمات لجوء لأنفسهم.
العرب السنة وميراث ظلم الأكراد..
تستعرض صحيفة “لا كروا”، المحطات التاريخية في صراع العرب السنة والأكراد على الأرض، حيث أنه حتى عام 2014 كانت مدينة “زمار” تابعة لمحافظة نينوى بشمال العراق التي تبعد عن بغداد 465 كيلو مترًا. وتوضح الصحيفة أن الأكراد ينظرون للمدينة والمناطق المحيطة بها باعتبارها منطقة استراتيجية لوقوعها على سد الموصل وقربها من الحدود السورية.
وتعود الصحيفة الفرنسية إلى الوراء إبان حكم الرئيس العراقي الأسبق “صدام حسين”، حيث قضى نظامه في عام 1970 على القرى الكردية وتم تهجير نحو خمسة آلاف عائلة كردية. وترى الصحيفة الفرنسية أن الرغبة في الانتقام دفعت الأكراد للسيطرة على هذه المناطق.
بين فكي رحى داعش والأكراد..
مع صعود نجم تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” واستيلائه على الموصل في حزيران/ يونيو 2014، وجد العرب السنة اللاجئين في “زمار” أنفسهم بين رحى تنظيم داعش والأكراد الذين لم يسمحوا لهم بالدخول إلى مناطق “إقليم كرستان” العراق الخاضع للحكم الذاتي، لذا اضطروا إلى الفرار جنوبًا بإتجاه قرى وبلدات مثل “ريحانة وبادوش”.
ويلجأ الأكراد إلى إتهام العرب السنة بالتعاطف مع تنظيم “داعش”، الذي حمل معه حلم الخلافة الإسلامية، وتورد صحيفة “لا كروا” واقعة يتذرع بها الأكراد وهي أن القرويين من القبائل العربية شنوا هجمات على “قوات البيشمركة” في بلدة “المحمودية” بعد طرد عناصر “داعش” منها.
وتشير الصحيفة إلى أن العرب ربما اعتبروا تنظيم “داعش” ملاذًاً لهم خوفًا من انتقام الأكراد الذين يحملون في أعماقهم ميراثًاً مريرًا من الظلم إبان حكم الرئيس الأسبق “صدام حسين”، وبالفعل يذكر أحد قاطني مخيم “حمام العليل” أن منزله دُمر تمامًا في “زمار”.
وتسرد “لا كروا” جهود منظمات حقوق الإنسان في العامين الماضيين لإدانة واستهجان التدمير الممنهج الذي تتعرض له القرى العربية، إذ دمر الأكراد خمسة قرى عربية شمال مدينة “سنجار” الجبلية شمال غرب العراق حيث يقطنها أغلبية من الطائفة الإيزيدية.
وبالفعل أكدت منظمة العفو الدولية “أمينستي” على أن أكثر من 250 عائلة عربية، كانت تقطن على حدود كركوك وأربيل عاصمة إقليم كردستان، تعرضت للتهجير وتجريف منازلها وزراعاتها.
القبائل السنية.. ومعاناة التطهير والانقسام..
تلفت الصحيفة الفرنسية إلى انقسام السنة العرب حسب الولاء القبلي وتحالفات القبائل العربية القوية مع الأكراد، إذ نجى أبناء قبيلة “شمر” من الطرد من قرية “ربيعة” – الواقعة على الحدود السورية – لنفوذ أبنائها القوي في البرلمان العراقي وسيطرتهم على نقاط المرورغير الشرعية لسوريا، بينما عانت قبيلة “الطائي”، التي ينتمي لها “محمد”، من ويلات التدمير والطرد وهرب زعيمها إلى فرنسا.
وهنا يدخل طرف جديد لتوازن القوى في “زمار” حيث تسيطر عليها ميلشيات “الحشد الشعبي” التي تتمتع بدور محوري في الحرب ضد تنظيم “داعش”، وتعتبر الصحيفة أن العرب السنة ينظرون لعناصر “الحشد الشعبي” بمنظار التفاؤل على أمل أن تعيدهم إلى أرض الأجداد مرة أخرى.
وفي توثيق مختزل للحالة الديموجرافية في العراق، أوردت الصحيفة الفرنسية إحصاءات بسيطة، مشيرة إلى أن عدد سكان العراق يبلغ 37 مليون نسمة وينقسم إلى ثلاثة مجموعات عرقية أساسية، هي: “العرب الشيعة ويشكلون نحو 60% من السكان، يليهم العرب السنة بنسبة 20%، ثم الأكراد الذين ينقسمون بدورهم إلى أكراد سنة وهم الأغلبية والطائفة الإيزدية والأكراد الشيعة”. كما يعيش “الأكراد الآشوريين والكلدان والإيزيديون والتركمان” في شمال وشرق العراق.