خاص : ترجمة – سعد عبدالعزيز :
نشرت صحيفة (يديعوت أحرونوت) العبرية مقالاً تحليلياً للكاتب الإسرائيلي، “إيلي فودا”، تناول فيه مستقبل سوريا في ظل محاولات الدول العظمى والإقليمية لضمان مصالحها؛ حتى بعد إنتهاء الحرب الأهلية والتوصل إلى تسوية سياسية.
الصراع على سوريا بين الماضي والحاضر..
يقول “فودا”: “في عام 1965 ألف الصحافي البريطاني، “باتريك سيل”، كتاباً بعنوان: (الصراع على سوريا)؛ وصف فيه بشكل رائع الصراعات الدولية بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية، بالإضافة للصراع العربي بين مصر والعراق؛ للهيمنة على سوريا، منذ إنتهاء حرب عام 1948. وبعد خمسين عاماً، عاد الصراع من جديد على سوريا، وإن إختلفت الملابسات وأطراف الصراع”.
يضيف “فودا” بأن العاصمة التركية، أنقرة، استضافت، يوم الجمعة الماضي، لقاء قمة جمع بين أهم ثلاثة لاعبين في الساحة السورية؛ ألا وهم: الرئيس الروسي، “فيلاديمير بوتين”، والرئيس الإيراني، “حسن روحاني”، والرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”. وكانت القمة الثلاثية الأولى قد اجتمعت بمدينة “سوتشي” الروسية، في تشرين ثان/نوفمبر 2017. فيما جرى أيضاً، بين القمتين، عدة لقاءات بين وزراء خارجية ورؤساء أركان الدول الثلاث.
ويشير “فودا” إلى أن “بشار الأسد” لم يتلقى الدعوة لحضور “مؤتمر أنقرة”، وهو ما يدل على أن الرئيس السوري أصبح وكأنه دُمية في يد الزعماء الثلاثة.
اختلاف المصالح !
يؤكد الكاتب الإسرائيلي على أنه، بخلاف الإنطباع الظاهري، فإن مصالح الدول الثلاث ليست متطابقة، ففي حين تود “روسيا” و”إيران” الإبقاء على نظام، “بشار الأسد”، والحفاظ على وحدة الأراضي السورية، فإن “تركيا” مُضطرة للتراجع عن مطلب الإطاحة بـ”بشار”، وهي تركز على وأد تطلعات “الأكراد” للحصول على الاستقلال أو الحكم الذاتي في شمال سوريا، وذلك عبر السيطرة العسكرية على منطقتي “إدلب” و”عفرين”. وتتمثل المخاوف التركية في أن استقلال “أكراد سوريا” سيكون بمثابة كرة الثلج التي ستؤثر على “أكراد العراق”؛ والأسوأ من ذلك على “أكراد تركيا”.
سوريا تحت نفوذ الحلف الروسي..
رغم أن الساحة السورية تخضع بشكل شبه تام لنفوذ “روسيا وإيران وتركيا”، إلا أن هناك لاعبون آخرون.. فعلى سبيل المثال؛ قد التقى في باريس، في 23 كانون ثان/يناير 2018، وزراء خارجية كل من “الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والسعودية والأردن”، وقاموا بصياغة وثيقة مبادئ بهدف إيجاد حل سياسي للازمة السورية. وتم تقديم الوثيقة للمبعوث الأممي لسوريا، “ستيفن دي مستورا”، وذلك للتأثير على جولات الحوار السياسي، التي ستُجرى في “جنيف” إستكمالا للمحادثات، التي بدأت في عام 2017.
وتقترح الوثيقة مبادئ الدستور السوري الجديد، التي تتضمن الحد من صلاحيات الرئيس، “الأسد”، وتوسيع صلاحيات “رئيس الوزراء”. ويُعد الموقف الأساس للدول الخمس – التي تقبل باسمرار “بشار” في منصبه حتى؛ ولو بصلاحيات محدودة – دليلاً على نجاح “روسيا وإيران” في إنقاذ نظام “الأسد”. ويتضح هذا النجاح بشكل خاص في ظل قرار الرئيس، “دونالد ترامب”، بسحب ما تبقى من القوات الأميركية المتواجدة في سوريا. وبذلك تُعلن الولايات المتحدة بشكل نهائي إبقاء الساحة السورية تحت هيمنة الزعماء الثلاثة “بوتين وروحاني وإردوغان” ؟
الرياض مُضطرة لقبول بقاء “الأسد”..
أما “السعودية”؛ التي حاولت خلال الحرب الأهلية الإطاحة بالرئيس، “الأسد”، تجد نفسها الآن مُضطرة للإذعان لبقائه في السلطة، رغم أنها استضافت مؤتمراً لممثلي المعارضة السورية في مدينة الرياض، خلال تشرين ثان/نوفمبر 2017.
الأمر المثير؛ هو أن صاحب الكلمة الأولى، وهو الرئيس الروسي، “بوتين”، يُجري اتصالات مع جميع الأطراف الخارجية والداخلية ذات الصلة بالشأن السوري، بهدف إيجاد حل يخدم من ناحية المصالح الروسية؛ وفي نفس الوقت يحظى بقبول الدول الحليفة لروسيا المناوئة لها أيضاً.
إسرائيل هي الطرف المتفرج..
يرى “فودا” أن إسرائيل – التي لديها مصالح في الساحة السورية – تُعد الطرف الوحيد غير المشارك في الاتصالات ومساعي التسوية السورية. وفي حقيقة الأمر فإنها تتلقى آخر التفاصيل من “روسيا”، ولكن ليس في وسعها التأثير على مجريات الأحداث. وغاية ما يمكن لإسرائيل هو عرقلة بعض التحركات العسكرية التي تشكل تهديداً لأمنها.
وبالطبع فإن “إسرائيل” تود الحد من نفوذ “إيران” في “سوريا”، وكذلك إبعاد قواتها العسكرية قدر الإمكان من الحدود الإسرائيلية في “هضبة الجولان”. ولأن المصالح التركية والإيرانية غير متطابقة في سوريا؛ فإن ذلك من شأنه أن يسمح لإسرائيل بقدر من المناورة في الحوار مع “تركيا” فيما يخص مستقبل سوريا.
تركيا والضوء الأخضر لمحاربة الأكراد..
يعتقد “فودا”؛ أن البيان الختامي لمؤتمر القمة الثلاثي في أنقرة، يوم الجمعة الماضي، لم يبشر بإنفراجة نحو حل الأزمة السورية، إذ تضمن البيان عبارات عامة حول إلتزام الدول الثلاث، (روسيا وتركيا وإيران)، بالحفاظ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها، وكذلك رفض أية محاولة لخلق واقع جديد تحت ذريعة مكافحة الإرهاب – في إشارة للقوات الكردية في الشمال السوري. وبهذا البيات حصلت تركيا على الضوء الأخضر لمواصلة الحرب ضد الأكراد، بينما ستظل روسيا وإيران تُبقي على الرئيس، “الأسد”، حتى لو تم تحديد صلاحياته ضمن أية تسوية سياسية.