سنجار .. يكشف حجم الإنشقاق والتصارع بين التيارات الكردية

سنجار .. يكشف حجم الإنشقاق والتصارع بين التيارات الكردية

كتب – محمد بناية :

احتدمت المنافسات والمواجهات الرامية إلى توسيع دائرة النفوذ شمال العراق, بالتوازي مع عمليات تحرير الموصول، إذ تتصارع التيارات الكردية من مختلف التوجهات على بسط السيطرة والنفوذ, تلك الصراعات التي بلغت مرحلة المواجهات المباشرة. إذ انحسر الصراع الخارجي بين “كردستان العراق” من جهة والحكومة المركزية من جهة أخرى لصالح الصراعات الداخلية بين التيارات الكردية مثل الاتحاد الوطني الكردستاني (PUK)، وحركة التغيير الكردية (جوران) مع الديمقراطيين (KDP)، باعتباره الحزب الحاكم برئاسة “مسعود البرزاني” من ناحية والمناوشات القائمة بين حكومة البرزاني مع “حزب العمال الكردستاني” شمال العراق في سنجار والتعاون مع الحكومة التركية بغرض قمع حزب العمال الكردستاني من ناحية أخرى. والحقيقة أن كل هذه الأحداث الجارية والتكهنات المحاولة تحليل الوضع القائم تثير المخاوف من احتمالات وقوع حرب داخلية في كردستان العراق.

قوات الحزب الديمقراطي الكوردستاني

هذا ما حاولته أحدث الدراسات التحليلية التي أصدرها “المركز الدولي لدراسات السلام” للباحث “مصطفى مطهرى”، مشيرة إلى ان قرار البرزاني قد أظهر بشأن دخول “البيشمركة” السورية – يقصد أكراد سوريا ممن أشرف البرزاني على تدريبهم بهدف المواجهة ضد الفصائل المحسوبة على حزب العمال الكردستاني – من جهة وأكراد البرزاني من جهة أخرى في صراعات ضد قوات “وحدة الدفاع عن سنجار” المحسوبة على حزب العمال الكردستاني، بوضوح حالة من الثنائية القطبية في كردستان العراق وساهم في الكشف عن عمق الخلافات والانقسامات. لكن الملاحظة الجديرة بالاهتمام – وهي ما ركزت عليه الدراسة – هى مستوى وحجم الصراعات القائمة وتأثيرها في خلق جبهات واصطفافات داخل الإقليم.

تعميق الإنقسامات بالاصطفاف العسكري

نظراً لمتطلبات الأكراد الاجتماعية والتاريخية والتي كانت سبباً في تباين المواقف على الصعيد الداخلي، فقد تعهدت كل الأطراف والتيارات الكردية بتبني الشفافية في العلاقات الكردية مع مختلف الأطراف لاسيما العراق، خاصة مسألة الخلاف الكردي مع الحكومة المركزية على خلفية ترسيم الحدود. وهنا تجدر الإشارة إلى تصاعد حدة الانتقادات ضد حكومة الإقليم برئاسة “مسعود البرزاني” و”الحزب الديمقراطي” جراء الحملات السياسية – الأمنية بالعراق وظهور تنظيم داعش واعتداءاته المتكررة على مناطق الأكراد الواقعة تحت سيطرة الإقليم. بعبارة أخرى فقد هيأ “هجوم داعش على سنجار، واحتدام الانتقادات، واختلاف وجهات النظر الداخلية” المجال لظهور الأزمة. وعليه فقد ساهمت هذه الأحداث وتنامي نفوذ “حزب العمال الكردستاني” شمالي العراق في اشعال الأزمة واحتدام المنافسات بين الأكراد. وهو ما أدى إلى استقرار فصائل موالية لحزب العمال الكردستاني في “جبال سنجار” بدعوى المحافظة على الأقلية الإيزادية في مواجهة داعش، ودخول هذه المنطقة الاستراتيجية تحت سيطرة حزب العمال الكردستاني، هذا بخلاف وجود قواعد قديمة للحزب في “جبال قنديل”. في غضون ذلك أعلن كل من زعيم الأقلية الإيزادية “مير تحسين سعيد بيج” وقائد منطقة سنجار “مها خليل”، سيطرة الحكومة الكردية المحلية على مناطق “سنجار وسينوني وبيت سور”، وطلبا إلى حزب العمال الكردستاني عدم توتير الأجواء في المنطقة.

والحقيقة أن استقرار قوات “حزب العمال الكردستاني” في هذه المنطقة الاستراتيجية إنما يحظى بدعم “الاتحاد الوطني الكردستاني” و”جبهة التغيير” من ناحية ويواجه من الناحية الأخرى تهديد ساسة “الحزب الديمقراطي الكردستاني” باستخدام القوة الجبرية لإجبار الحزب على الخروج من منطقة سنجار. وعقب تحذير حكومة الإقليم عناصر حزب العمال الكردستاني حذرت الحكومة التركية من جانبها ايضاً، باعتبارها حليف استراتيجي في الحرب ضد حزب العمال داخل مناطق كردستان وشمال العراق، ناهيك عن خلافاتها مع الحكومة العراقية المركزية، من عدم قدرة البيشمركة على طرد عناصر حزب العمال الكردستاني من سنجار وهو ما سيترتب عليه تدخل تركيا في سنجار بحلول فصل الربيع.

صراع لا يصل إلى المواجهة العسكرية

جانب من قوات حزب العمال الكردستاني

يمضي الباحث “مطهرى”، عبر دراسته، منوهاً إلى انه رغم دور الأحداث القائمة داخل الإقليم في إبراز حدة تباين وجهات النظر والفجوة الأساسية بين التيارات الكردية، لكن الاعتقاد في قابلية تحول هذه الخلافات إلى مواجهات مسلحة ونشر الفوضى الأمنية – السياسية بين الأكراد، هو من قبيل “التجديف” وبعيد عن التأمل الفكري وإدراك مبادئ الشقاق بين التيارات الكردية داخل كردستان العراق، لأن تحقيق النمو والتنمية الاقتصادية في الإقليم، بالإضافة إلى البلوغ السياسي يحول دون تحول الصراع السياسي إلى مسلح بين التيارات المشار إليها آنفاً. مع هذا وبالنظر إلى تاريخ تقسيم السلطة بين الأحزاب والتيارات الكردية في كردستان العراق، ينم عن احتدام وتعقد المنافسة والاختلاف وعدم وجود موقف موحد حيال مسألة تقسيم السلطة، بل إن هذه المطالب تندرج في الغالب تحت أهم مشاكل الإقليم التي يمكن أن تتحول إلى تحدي حقيقي. ويمكن تتبع مؤشرات هذه الخلافات في هجوم قوات حزب “الاتحاد الوطني الكردستاني” برئاسة “جلال الطالباني” قديماً على آبار النفط في كركوك وطرد القوات الموالية “للحزب الديمقراطي الكردستاني” برئاسة البرزاني منها.

دور حزب العمال الكردستاني في الصراع

المنافسة والحرب الدائرة بين الأحزاب الديمقراطية والاتحاد الوطني على الزعامة والسيطرة على مصادر السلطة ليست جديدة، ولكنها دخلت مرحلة حديثة من المساعي الرامية إلى تغيير تركيبة القوى السياسية عام 2016، بعد الاتفاق بين الاتحاد الوطني الكردستاني وحزب التغيير والوقوف التكنيكي إلى جانب القوات المدافعة عن سنجار. لدرجة أن مثل هذه الصراعات ساهمت في دخول تركيا وإيران والأحزاب الكردية المنافسة مثل حزب العمال الكردستاني إلى المنطقة.

وجدير بالذكر إن تكرار النماذج التاريخية في شمال العراق، فيما يخص التعامل مع القضايا الكردية، اكتسب أبعاد ما بعد “فئوية”، وأن ما حصل هو نتاج توافقات البارزاني السياسية – الأمنية مع تركيا. وبالتزامن مع تصاعد وتيرة الصراع بين التيارات الكردية في كردستان العراق بدءً بالانتقادات واختلاف وجهات النظر وحتى الدعم والتحذير من مغبة وجود أو عدم وجود وحدة الدفاع عن سنجار، بدأ ارتباط حكومة إقليم كردستان بالحكومة التركية يزداد تدريجياً بحيث دخلت علاقات حكومة الإقليم مع تركيا مراحل معقدة ومتعددة. وهذا الأمر دفع حكومة الإقليم إلى إخراج الصراعات من حيزها الداخل المحصور بالإقليم (القومية الكردية) إلى مستوى خارجي بشكل دفع تركيا إلى اتخاذ رد فعل حيال وجود عناصر حزب العمال الكردستاني في سنجار. وعليه فهذا الموقف من حكومة الإقليم اُعتبر كأحد الذرائع التركية للتواجد في “قاعدة بعشيقه” للقتال ضد وحدة الدفاع عن سنجار، ومن جهة أخرى لطالما اتهم الحزب الديمقراطي الكردستاني “كردستان العراق” بالتعاون مع أنقرة ضد الأكرد المناهضين للحكومة التركية.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة