خاص : ترجمة – د. محمد بناية :
لا تقتصر أهمية لقاء البابا “فرنسيس الثاني”؛ مع آية الله “علي السيستاني”، على كونها: “غير مسبوقة”، حيث لقاء زعيم العالم الكاثوليكي والمرجع الشيعي العالمي، وإنما يحوز توقيت اللقاء ومكانه والمعادلات السياسية الإقليمية والدولية أهمية مساوية.
ويعلم البابا “فرنسيس”، البالغ من العمر (84 عامًا)، أن آية الله “السيستاني”، البالغ من العمر (90 عامًا)؛ قد أفنى عمره ولا يتبقى أمامه الكثير حتى يسود الشعور بخسارته على الساحة الاجتماعية والسياسية العراقية، من ثم فقد أغتنم هذه الفرصة؛ وتدعيم نفوذ هذا الزعيم المعتدل، ليس فقط بين الشيعة، وإنما في عيون العالم، بإضفاء ثقل دولي على لقاءه “السيستاني”.
وسوف تشمل تداعيات، هذا اللقاء، حوزة “النجف” غير السياسية نسبيًا، وبالتالي زيادة وزن وثقل هذه الحوزة في مواجهة قطب العالم الشيعي، أي “قم” السياسية بإمتياز وتذوب في إيديولوجية “ولاية الفقيه”. بحسب الكاتب الصحافي الإيراني، “آرش كنوني”، في موقع (راديو فردا) الأميركي الناطق بالفارسية.
“السيستاني”.. الظلال والصمت..
بينما انتهى عصر آيات الله العظام، سواءً في “قم” أو “التجف” أو “بيروت”، قبل ثلاثة عقود بوفاة شخصيات؛ مثل: “گلپایگاني” في “قم”، و”الخوئي في “النجف”، و”فضل الله” في “بيروت”، برز آية الله “السيستاني”؛ في مستوى مرجع تقليدي واسع النفوذ.
وفي ضوء الأوضاع الراهنة، وعلاوة على المنظور التنظيري والفقهي والاجتهادي، فقدت الحوزات العلمية قوتها، وأثر صعود “الجمهورية الإسلامية” كنظام سياسي شيعي على تراجع وانحسار مكانة رجال الدين الاجتماعية.
والأجيال الشيعية الجديدة في “إيران والعراق ولبنان”، (باعتبارها دول المكون الشيعي في المنطقة)، لم تعتد تستطيع الثقة في فاعلية رجل الدين الشيعي. والاحتجاجات المتكررة، في الدول الثلاث، خلال الأعوام الأخيرة، إنما تؤشر لانعدام الثقة، بل غضب جيل الشباب إزاء طبقة رجال الدين الشيعة، لاسيما في اللحظات التي يتم خلالها الاعتداء على صور المرشد الإيراني، “على خامنئي”، بالحرق والتقطيع.
في هذه الأجواء، علم آية الله “السيستاني”، أن عليه لإكتساب حيثية ألا يهتم فقط بالعلوم الحوزوية أو أن يكون، بحسب رجال الدين، “عالم العلماء”، لأن الزعامة الدينية لا تتلاءم وتلكم المجتمعات.
فاكتسب نظرًا للتقاليد السائدة في حوزة “النجف”، وكذلك نهج أساتذته؛ من مثل: آية الله “أبوالقاسم الخوئي”. الكاريزما في المقام الأول، التي تلعب من منظور علماء النفس دورًا مهمًا في الحصول على رتبة المرجعية، نأى بنفسه عن الإنخراط بالعمل السياسي في إطار مبدأ “ولاية الفقيه”، النظرية السائدة في السياسية الشيعية.
ومثل هذا التوجه، الذي لا ينفي الجانب السياسي بالكلية، أتاه القدرة على الانفصال قدر الإمكان عن إخفاقات الحكم والتبعات السلبية، وفي الوقت نفسه يؤثر على نحو آخر على هامشية علاقات السلطة. وهذا التوجه عزله، (من المنظور الاجتماعي)، عن التجمل، والظهور المستمر على الساحة الاجتماعية والترفع عن الظهور العام.
وبينما يعيش مراجع التقليد، السلطة، بمدينة “قم”، فيما يشبه القصور حديثة الإنشاء، ويقضون أوقات الفراغ في مناطق الطقس المعتدل بشمال “إيران” و”دماوند”، أو على الأقل القرى ذات الطقس المعتدل على مقربة من “قم”، حبس “السيستاني”؛ نفسه طيلة عقود في منزله المتواضع وسط البيوت المتهالكة بحارة ضيقة في “النجف”، ولم يقم، (كما يقول)، بزيارة حتى مدفن الإمام الأول للشيعة.
لم يسافر، ولم يلقي الخطب، ولم يسمح بالأحاديث الإعلامية، وقلما يظهر في لقاءات علنية، بل يحرص على عدم نشر صور متنوعة. ومع إمكانية الاستفادة من ثروات مالية طائلة يحصل عليها أتباعه من “الخمس”، في كل أنحاء الدنيا، إلا أن هذه الثروة لم تظهر على حياته اليومية، وكل ذلك بلا شك متعمد للمحافظة على الكاريزما.
زيارة البابا تدعم الجبهة المضادة لإيران..
في العموم؛ لا تميل “الجمهورية الإيرانية” لاتساع دائرة نفوذ آية الله “السيستاني”، ولذا فإن حديث وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية عنه محدود جدًا.
وحاليًا لا تحظى زيارة “بابا الفاتيكان”؛ آية الله “السيستاني”، في “النجف”، بتغطية إخبارية قوية داخل “إيران”.
وبلا شك؛ يعلم “البابا”، بكل هذه المعطيات، وقرر زيارة آية الله “السيستاني”، دون “الجمهورية الإيرانية”، وسوف يؤثر هذا اللقاء بلا شك على نفوذ “طهران” في “العراق”.