سخريتها تزعج الحكومة .. لافتات المحتجين رسائل بليغة تتخطى حاجز الخوف

سخريتها تزعج الحكومة .. لافتات المحتجين رسائل بليغة تتخطى حاجز الخوف

تظاهرات الناصرية والمحافظات الجنوبية عرضت مشهداً تهكمياً حاداً لم يسبق له مثيل، في محاولة للتنفيس عن سخط الجماهير ضد رموز السلطة ومسّ محرمات الأحزاب الدينية، ففي العادة يوصف العراقي بالشخص المتجهم مقارنة بخفة دم المصري، لكن التظاهرات الأخيرة في بغداد ومحافظات الجنوب فجّرت روح التهكم العراقية.
وبرفعهم الشعار الأشهر والمبطن بالسخرية (باسم الدين سرقونا الحرامية) أزاح المتظاهرون في الناصرية والمحافظات المحتجّة الستار عن حصانة الأحزاب الدينية الحاكمة ورموزها ضد المساءلة القانونية، وهي التي تسيطر على معظم مؤسسات الدولة وتسخرها لمصالحها الخاصة.
ومن مظاهر تلك السخرية ما كتبه احد المتظاهرين على لافتة تتوعد المفسدين بإبلاغ الشرطة عن سرقاتهم، مثلما يرهب الآباء أطفالهم باستدعاء رجل البوليس “يا حكومة يكفي سرقة، لئلا اتصل بالشرطة للقبض عليكم”.
فيما رفع متظاهر آخر لافتة تستثمر التلاعب بمعاني الكلمات، كتب فيها “الشعب يريد الإعمار..والأعمار بيد الله.. الله يأخذ أعماركم”.
ويرى حيدر مهدي ناشط في تظاهرات الناصرية أن هذه المساحة الجديدة من التعبير الاحتجاجي أوصلت رسائل سريعة للحكومة و المسؤولين المتهمين بالفساد.
ويقول إن “السخرية الحادة التي تظهر في شعارات المتظاهرين هي الطريقة الوحيدة لتمرير غضبهم إزاء لا مبالاة المسؤولين وتسويف الحكومة للإصلاحات المنشودة، وكلما بدت تبريرات الحكومة مفضوحة دفع ذلك المتظاهرين إلى توسيع مخيلتهم التهكمية”.
 وأشّرت اللافتات الهازئة حالة من انعدام ثقة المواطنين بأداء حكومتهم، بل ان قراءة الشعارات مجتمعة تبين درجة الإحباط الكامن في نفوس المحتجين الذين يعتقدون ان لا شيء يخسرونه بعد.
 لكن هناك من يبدي وجهة نظر مغايرة فالإعلامي والناشط أمير دوشي يعتقد بأن السخرية المريرة هي طريقة مواربة لمواجهة الحكومة الفاسدة بحقيقتها ويقول ان “لغة التهكم في شعارات المتظاهرين تحمل نقدا للمظاهر السيئة في الواقع، لكنها تشي بالخوف من بطش السلطة ورموزها، فتتخفى وراء التندر والتجريح السياسي”.
 ولم يكن مجلس النواب بمنأى عن سخرية المحتجين، إذ رفع احد الشباب المحتجين لافتة كتب عليها “لا يوجد شيء أكثر خلاعة من موقع مجلس النواب” في إشارة إلى مقترح احد النواب بحظر المواقع الإباحية على شبكة الانترنت لأنها بحسب النائب تفسد الشباب العراقي.
في حين وضع احد المتظاهرين اسم مجلس النواب داخل دائرة بيضاء تتوسط لافتة سوداء تعد نسخة مطابقة لراية تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي قتل آلاف العراقيين. ويطلق متظاهر آخر شعارا ساخرا يستعير لغة المتدينين “أعوذ بالله من شر البرلمان الرجيم”.
ويقول الناشط المدني ميثم الساعدي ان “أسلوب التهكم والسخرية هو أفضل وسيلة متاحة يمكن ان تعبئ الناس وتشحذ إرادتهم للوقوف ضد تباطؤ حكومة العبادي بتنفيذ الإصلاحات المرجوة والضرب بيد من حديد على المفسدين”.
ويعتبر ان ما يفعله المحتجون اليوم يمثل إعلانا صريحا عن وعيهم الرافض للواقع وتعبيرا مباشرا عن غضب شعبي يدفع الحكومة لمراجعة سياساتها الخاطئة قبل فوات الأوان.
ولا يتوقف تأثير هذه اللافتات على وعي الناس ساحات الاحتجاج، فتأثيرها يستمر طويلا عبر مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية حيث يعاد نشر اغلب تلك الشعارات المكتوبة باللهجة العامية ويتناقلها المعجبون بشكل واسع بما يشبه التشفي بصورة المسؤولين وممثلي الأحزاب والمؤسسات الحكومية.
كما تخطت جرأة المتظاهرين حدود اللافتات المكتوبة لتتعداها إلى استخدام أشياء بعينها لها دلالتها عند العراقيين، مثل تشييع نعوش رمزية كتب عليها الحكومة أو البرلمان أو القضاء العراقي. فيما مثل (السخان الحراري) الذي ظهر في اغلب ساحات الاحتجاج بما فيها الناصرية سخرية مريرة من تصريح وزير الكهرباء قاسم الفهداوي القائل بضرورة إطفاء السخانات لترشيد استهلاك الطاقة في صيف لاهب تعدت درجة الحرارة فيه عتبة (50) درجة مئوية.
وأثارت حدة الشعارات وتهكمها الذي بلغ حد البذاءة أحيانا حفيظة أقطاب الحكومة مستفزة العديد من الشخصيات الحزبية التي لوحت بردود فعل عنيفة تجاه المتظاهرين.
 ياسر البراك التدريسي في كلية الإعلام جامعة ذي قار يقول ان الشباب بدأوا يمسّون المحرمات الدينية والسياسية والاجتماعية. ويقول ان “خروج الناس بمئات الآلاف منحهم زخماً معنوياً وأسقط المسكوت عنه، ومثل تطورا مهما باتجاه تهشيم قدسية أعراف الجماعات الدينية والحزبية والعشائرية التي سعت إلى تكريسها في نفسية الفرد العراقي على مدى أكثر من عقد من السنوات، فيما يتم التعبير عن ذلك التهشيم عبر آليات السخرية المرَّة التي قد تصل في بعض الأحيان حد البذاءة الكرنفالية”.
 ويلخص احد المتظاهرين دورة الفساد والمحسوبية في العراق والتي تمنع توظيف أصحاب الشهادات من دون وساطة حزبية بلافتة تعمل على تغيير معاني الكلمات التي تطالعنا في كتاب الدراسة الابتدائية إذ يقول “من جد وجد، ومن تخرج قعد، ومن عنده واسطة حصد، هذا العراق يا ولد”.
ومع تواتر الأسابيع  واستمرار المظاهرات كان لابد من الاستمرار في ابتكار لغة ساخرة لجذب اﻻنظار إلى فداحة ما يجري.
يقول المتظاهر مرتضى حمزة أن “هناك أفكارا ساخرة جديدة  بحسب ما يستجد من مواقف الحكومة وقراراتها”.
ومثلما هشّمت سخرية المتظاهرين الفكرة الشائعة عن العراقي (المتجهّم) فأنها منحت مطالب المتظاهرين مساحة واسعة من النقد اللاذع التي تخطت المحرمات الدينية والسياسية والاجتماعية وأحرجت السلطات بشدة.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة