22 ديسمبر، 2024 7:02 م

سبق له الاستقالة مرتين .. لماذا يتشبث “عبدالمهدي” بمقعد رئيس الوزراء ؟

سبق له الاستقالة مرتين .. لماذا يتشبث “عبدالمهدي” بمقعد رئيس الوزراء ؟

خاص : كتبت – هانم التمساح :

لم يسبق أن قامت الكتل السياسية أو البرلمان العراقي باستبدال أو إقالة رئيس الوزراء، منذ 2003. كما لم يخرج أي رئيس وزراء، خلال الدورات البرلمانية الأربع الأخيرة، من منصبه عبر الاستقالة الطوعية خلال فترة حكمه البالغة 4 سنوات.

لكن رئيس الوزراء الحالي، “عادل عبدالمهدي”، سبق أن قدّم استقالته من منصب نائب رئيس الجمهورية، عام 2011. وقدم استقالة مماثلة عن منصب “وزير النفط”، عام 2016، وهو ما يثير تساؤلات واستغراب حول تشبثه بمنصب “رئيس الوزراء” الآن؛ رغم خروج تظاهرات عنيفة ضد حكومته المتهمة بالفساد وإهدار المال العام ؟!.. هل يخشى “عبدالمهدي” المسائلة القضائية حال إزاحته من منصبه، أم إنه مطمئن لشبكة علاقاته التوافقية محليًا ودوليًا.. هل ثمة تفسيرات أخرى ؟

ابن العائلة الإقطاعية متقلب المذاهب الفكرية..

منذ خروجه من “وزارة النفط”، إرتبط اسمه بـ”الحياد”، إذ بات خارج “المجلس الإسلامي الأعلى”، التنظيم الذي إنخرط فيه منذ الثمانينيات تحت قيادة، “محمد باقر الحكيم”.

تقلّب “المثقف”، ومُصدر مجلة (ينابيع الحكمة) الفكرية وصاحب (إشكالية الإسلام والحداثة) و(التضخم على الصعيد العالمي)، وغيرها من المقالات والأبحاث الاقتصادية والفكرية، في عدة مذاهب فكرية، حتى صار ابن العائلة السياسية والإقطاعية؛ مضرب المثال على التقلب الإيديولوجي. من البعثية، قبل أن يصبح مطلوبًا لنظام “البعث” العراقي، فالاشتراكية، حطّت رحاله أخيرًا عند الإسلام السياسي.

يقال إن الاحتلال الأميركي أعاد إلى عائلته الأراضي التي كانت قد صادرتها حكومة، “عبدالكريم قاسم”، في 1958، استنادًا لقانون “الإصلاح الزراعي”، نظرًا لمنصب أبيه الذي شغل أحد المناصب الرفيعة في النظام الملكي؛ إبان حكم الملك “فيصل” لبلاد الرافدين.

توافقي يجمع بين رضا أميركا وإيران..

تربّع “عبدالمهدي”، ابن العِقد الثامن، على عرش “بغداد”، بعد أن جمع بين رضا “واشنطن” و”طهران” في وقت واحد، وهو ما يجعله هذه المرة متمسكًا بمنصبه لأن استمراره في صالح جميع القوى؛ ولن يتضرر منه سوى الشعب المقهور بين سندان القوى الظلامية المسلحة ومطرقة أصحاب المصالح والسياسيين، بين الفقر وإنعدام الأمن.

يعرفه الجميع بـ”الدكتور عادل”، مع أنه لا يحوز شهادة دكتوراه، ويحقد “عبدالمهدي” على الأميركيين. رغم أن هذا قد يبدو مستغربًا من صديق “واشنطن”، الذي عاش حياته في “فرنسا” ويحمل جنسيتها، قبل أن يعود في 2003 إلى “العراق” عضوًا في مجلس حكم الاحتلال.

وثائق (ويكيليكس) تكشف عن أن صاحب الأصول الكويتية، وفق تقرير للخارجية الأميركية، في عام 2007، لم ينس بعد أن الأميركيين منعوه من الوصول إلى رئاسة الحكومة تحت ذريعة “علاقاته الإيرانية”. حدث ذلك بعد تفضيل، “إبراهيم الجعفري”، عليه في اللحظات الأخيرة، (2005)، وبعد أن كان “عبدالمهدي” نفسه، وكذلك بحسب وثائق (ويكيليكس)، يتواصل مع الأميركيين لتحذيرهم من “التغلغل الإيراني” في “العراق” !

يومها، أُسترضي الرجل بمنصب أحد نائبي رئيس البلاد، (حتى 2011). لم يخرج ابن “الناصرية”، (جنوب شرق)، من اللعبة، بعد أن ترك بصمته في “عراق ما بعد الغزو”، سواء في مجلس الحاكم الأميركي، أو من خلال إسهامه في إعداد دستور الفيدرالية المغرم به كولع الباحث الاقتصادي بالأفكار الاقتصادية الليبرالية. لكن حضوره الأقوى في السلطة كان يوم اختياره وزيرًا لـ”النفط”، عام 2014. لم يدم “عبدالمهدي” كثيرًا في المنصب، إذ قدّم استقالته بعد مدة قصيرة (2016).

ويشتكي أصدقاء الرجل وخصومه على السواء؛ من كثرة “استقالاته”. يقولون إنه سرعان ما يعلن “إضرابه” ويتراجع عن إلتزاماته تحت تأثير الخلافات أو أسباب أقل أهمية.

حسابات الساسة تؤخر رحيل “عبدالمهدي”..

فشل “عبدالمهدي” في إدارة المشهد الحكومي والسياسي العراقي، خاصة في ظل الأزمات الإقليمية والدولية الراهنة؛ يدفع الكتل السياسية إلى القفز من المركب الحكومي وإلقاء تبعات الفشل على رئيس الوزراء فقط، والقوى السياسية السُنية تنظر إلى مواقف القوى الشيعية من مسألة إقالة الحكومة ورئيسها، وهي لا تمانع من إقالة “عبدالمهدي” في حال رغبت القوى الشيعية بذلك، لكن القوى الكُردية ربما لا تقبل بموضوع الإقالة، ورغم تلك الحسابات المتباينة بين القوى السياسية؛ إلا أن الطبقة الفقيرة المتضررة بشكل فعلي من سوء الإدارة لا تأبه لحسابات الساحة، وتوحدت كل الأطياف على هدف واحد وهو إقالة الحكومة فورًا.. فهل ترضخ التيارات السياسية لإرادة الجماهير ؟!.

حرج الكتل السياسية أمام جماهيرها..

بعض الكتل السياسية باتت تشعر بحرج شديد أمام جمهورها المتذمر من حالة الركود التي تعاني منها أغلب مفاصل البلاد في ظل حكومة “عبدالمهدي”، كما أن كتلًا سياسية غير قليلة متفاجئة من الضعف الذي يلازم عمل رئيس الوزراء الحالي وعدم إظهاره ما يكفي من القوة للوقوف بوجه التحديات التي تواجهها الدولة، خاصة في مجال الخروقات الخارجية وبعض الفصائل المسلحة المنفلتة والملف الاقتصادي. لكن الكتل السياسية تدرك أن إقالة رئيس الوزراء معقدة وصعبة، لذلك هي تفضل محاصرته سياسيًا وتضطره إلى تقديم استقالته الطوعية.

يحظى بدعم الأكراد والمرجعية الدينية تسعى للتهدئة لصالحه..

سعى “عبدالمهدي”، طوال تاريخه السياسي، إلى حماية نفسه بأكبر شبكة “توافقات”، أنه أشترط على المفاوضين غطاءً وتأييدًا من المرجعية الدينية في “النجف”، لتوليه رئاسة الحكومة، وهو ما حصل عليه في النهاية، بل ولازال موقف المرجعية الدينية متميعًا، رغم خروج التظاهرات ضد “عبدالمهدي”،محاولين أن يحدوا من فعالية تلك التظاهرات.

ويُعدّ “عبدالمهدي”، صديق الأكراد منذ التسعينيات حين كان يتواصل مع أحزاب “كُردستان” بتكليف من “المجلس الأعلى”، مكسبًا لـ”أربيل” و”السليمانية”، وهو الذي حمى إمتيازات الإقليم، سواء في تشريع “النفط” وملفي “كركوك” وحصة الإقليم من الموازنة.

كذلك، تعدّ “طهران” مجيء صديقها، “عبدالمهدي”، مكسبًا إيجابيًا، وفي الوقت نفسه لا شيء يشي بإنزعاج أميركي من اختياره في أعلى منصب عراقي، سوى أنه أتى من بوابة فشل تأمين “واشنطن” ولاية ثانية لـ”حيدر العبادي”.

وهكذا يكون “الدكتور” قد حقّق “انتقامه” من أصدقائه الأميركيين، بعد 13 عامًا، على عرقلة وصوله إلى المنصب، وهو ما جعل الأميركان يتخلون عنه في التظاهرات التي تطالب برحيله !

شركات أميركية تدعم استمرار “عبدالمهدي” !

ورغم دعم المكتب العسكري (الأميركي-العراقي)، للحكومة العراقية، والقوات العراقية المشتركة، سيعًا لإحداث زخم في نجاح حكومة “عبدالمهدي” في تثبيت الاستقرار وخطة النصر الكبيرة، التي تعدها “الولايات المتحدة”.

ورغم  فرص الشركات الأميركية، كشركة “لوكهيد مارتن” ومصرف “جي. بي. مورغان” وشركة “جي. إي. إلكتريك” وشركة “إكسون موبيل” و”شيفرون” وشركة “بكتل” والشركات الأميركية الأخرى كبيرة، للعمل في “العراق”. وتقدم الإدارة الأميركية جهودًا إضافية عبر برامج التبادل الثقافي وبرامج السفارة الأميركية في مجال جهود تطوير التعليم في “العراق”، من خلال بعثات “فولبرايت” وزمالة “همفيري”. كما أن دور الإعلام الأميركي، وخصوصًا قناة (الحرة) و(الحرة عراق) و(راديو سوا) ومبادرة “إرفع صوتك”، التي كان لها دور كبير في “العراق” عبر دعم الخطاب الداعي إلى بناء الدولة العراقية الحديثة التي تبغيها “الولايات المتحدة” وزيادة ما أطلقت عليه الحريات الإعلامية.

كل هذا الدعم لم يفيد حكومة “عبدالمهدي” في إنجاحها واستمرارها، رغم كل ذلك كان الصوت الأعلى والحقيقي لأبناء الأرض وملحها من أبناء “العراق”، الذين لا يهتم بهم أحد ولا يضعهم ضمن حساباته، وعليهم سيتوقف بقاء الحكومة أو رحيلها.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة