سؤال يحوم فوق “بغداد” .. هل تضع “روسيا” قدمها بالعراق بدلًا من “الولايات المتحدة” ؟

سؤال يحوم فوق “بغداد” .. هل تضع “روسيا” قدمها بالعراق بدلًا من “الولايات المتحدة” ؟

خاص : كتبت – هانم التمساح :

خطوات عديدة يجدها المراقب للسياسة الخارجية العراقية تعكس حرص الحكومة العراقية على تعزيز علاقاتها مع “محور الشرق”، (روسيا والصين)، في وقت يشوب الغموض مستقبل العلاقات العسكرية بين “العراق” و”الولايات المتحدة”، منذ مقتل “قاسم سليماني” في ضربة جوية أميركية بالقرب من “مطار بغداد”، مطلع الشهر الماضي.

ويرى مراقبون أن توقيت هذه التحركات، تحمل عدة علامات استفهام في ظل محاولات قوى سياسية عراقية مقربة من “إيران” جرّ البلاد شيئًا فشيئًا إلى محور بعيد كل البُعد عن “واشنطن”.

التنسيق العسكري بدفعة من إيران..

وبالرغم من اعتبار “العراق”، أحد الدول التي تدور في فلك “الولايات المتحدة”؛ منذُ الغزو الأميركي عام 2003، خاصة في المجالين، العسكري والاقتصادي، إلا أن “وزارة الدفاع” العراقية ذكرت أن “العراق” و”روسيا” ناقشا آفاق تعميق التنسيق العسكري بينهما، عقب اجتماع جرى في “بغداد” بين رئيس أركان الجيش، “عثمان الغانمي”، والسفير الروسي في العراق، “مكسيم ماكسيموف”، بالإضافة إلى ملحق دفاعي وصل حديثًا.

وقال مسؤول رفيع المستوى في المخابرات العسكرية العراقية، لوكالة (أسوشيتد برس)؛ إن “روسيا”، من بين دول أخرى، بادرت لتقديم الدعم العسكري في أعقاب توتر العلاقات “الأميركية-العراقية” المشحونة، في أعقاب مقتل “سليماني”.

وقال المسؤول: “هناك دول أعطت إشارات للعراق لدعمنا أو تزويدنا بطائرات استطلاع؛ مثل روسيا وإيران”.

وقبل ذلك؛ صرح مسؤولون عسكريون عراقيون كبار، لوكالة (أسوشيتد برس)، هذا الأسبوع؛ أن “العراق” أبلغ جيشه بعدم طلب المساعدة من التحالف الذي تقوده “الولايات المتحدة”؛ في العمليات المشتركة التي تستهدف تنظيم (داعش).

وأيضًا أعترف جنرال المارينز “فرانك ماكنزي”، أبرز قائد أميركي في الشرق الأوسط، مؤخرًا بأن العلاقات مع “العراق” تمر “بفترة من الاضطراب”.

ويرى خبراء عسكريون إن مسألة تنوع مصادر السلاح مقبولة؛ حتى من قِبل “الولايات المتحدة”، ضاربين مثلاً بذلك على ذلك الجيش المصري، فمن حيث المبدأ هو حليف لـ”الولايات المتحدة”، لكن فيه تنوع سلاح غريب، إيطالي وروسي وفرنسي وصيني، وبالتالي إذا كان قرار تنويع مصادر التسليح يحمل أبعادًا عسكرية ورفع مستوى القدرات؛ فالأمر مقبول، وحتى “الولايات المتحدة” لن تعترض عليه، لكن المشكلة تكمن في أن الحكومة العراقية بدأت مؤخرًا تتعامل بحدية في علاقاتها الدولية، وباتت هناك رغبة واضحة تتمثل بالدخول في توازنات وتحالفات جديدة رغبة منها في إنهاء العلاقات مع “الولايات المتحدة”. وهذه التوجهات الإرتجالية تأتي نزولًا عند رغبة “إيران” وظهرت واضحة جدًا في حكومة، “عادل عبدالمهدي”، ويحاولون أن يبقوها في حكومة رئيس الوزراء المكلف، “محمد توفيق علاوي”.

إزالة عراقيل التبادل التجاري..

وشهد النصف الأخير من العام المنصرم، 2019، ومع تصاعد التوترات بين “واشنطن” و”طهران”، توقيع وزير الخارجية، “محمد الحكيم”، ورئيس الوزراء الروسيّ، “يوري باريسوف”، على عدد من الاتفاقيات؛ من بينها إزالة العراقيل التي تعترض التبادل التجاري بين البلدين.

وجرى الاتفاق على تنمية وتعزيز أواصر التعاون المُشترَك في مُختلِف القطاعات الإنتاجيّة والخدميّة، كما اتفقا على إتخاذ كلّ الإجراءات التي من شأنها إزالة العراقيل، والمُعوِّقات التي تعترض التبادل التجاريَّ، والاستثماريَّ بين البلدين، فضلاً عن تحديد الآليّات التي يتم بوساطتها تفعيل التعاون الثنائيّ.

كما تم توقيع عدد من الاتفاقـيّات، ومُذكّرات التفاهم في مجال مُتعدِّدة، ومنها: التجارة، والمجال الماليّ والمصرفيّ، والطاقة، والكهرباء، والثروة المعدنيّة، والصناعة، والاتصالات، وتكنولوجيا المعلومات، والنقل، والزراعة، والإعمار والإسكان، والصحة، والرياضة والثقافة، والسياحة، والتربية والتعليم، والتعاون في مجالات أخرى.

ضغوط لإجبار واشنطن على التفاوض مع إيران..

كما يرى خبراء عسكريون عراقيون؛ أن: “هذه التحركات والضغوط تُمارس من أجل إجبار الولايات المتحدة على التفاوض مع إيران”، وأن: “هذه الرسائل تستفز الرأي العام العراقي، لأنها تغيب المصلحة العليا للوطن، وتُظهر بما لا يقبل الشك أن صانع القرار السياسي في العراق غير مهتم باستقلالية البلاد ومصالحها ومُنشغل فقط بكيفية حل أزمة الصراع بين طهران وواشنطن”.

وردًا على الغارة التي أسفرت عن مقتل “سليماني”، في الثالث من كانون ثان/يناير الماضي، أصدر “البرلمان العراقي” قرارًا، غير مُلزم، يدعو إلى سحب القوات الأميركية، وعلى إثر ذلك أوقف “التحالف الدولي”، الذي تقوده “الولايات المتحدة”، ضد (داعش)؛ عملياته المشتركة مع القوات العراقية لنحو ثلاثة أسابيع قبل أن يتم استئنافها مؤخرًا.

هل تصطدم التفاهمات مع روسيا بالاتفاقيات المبرمة مع واشنطن ؟

والتساؤل الذي يطرح نفسه هنا؛ هل تنجح التفاهمات مع “روسيا” أم إنها ستصدم بالاتفاقيات المبرمة بين “بغداد” و”واشنطن”، خاصة وأن “العراق” مُلتزم دوليًا مع “الولايات المتحدة” في مسألة العقيدة التسليحية والعقيدة القتالية للجيش ؟!.. وهل مسألة التقارب العسكري مع “روسيا” يجري التلويح بها فقط لأن إمكانية تنفيذها على الأرض غير متاحة، لأنها تحتاج إلى قدرات مالية وعلى فلسفة وإستراتيجيات بعيدة المدى في إدارة المؤسسة الأمنية والعسكرية ؟.. أم إنها  قرار بات وحاسم ؟.. وأيضًا هل هي قرارات منطقية تصب  في مصلحة “العراق” الوطنية ؟.. أم تضر مصلحته ضمن التوازنات الإقليمية والدولية ؟

المعادلة الأهم هنا؛ تتمثل في أن “روسيا” لا ترغب في إقتحام مجال حيوي للأميركيين، كـ”العراق”، على سبيل المثال؛ خوفًا من ردة فعل “واشنطن”، كما أنه من الصعب على “العراق” ترك حليف إستراتيجي مثل “الولايات المتحدة”، التي تمتلك منظومة تحالفات تمتد من “العراق” والخليج وصولًا إلى حوض “البحر المتوسط”، وبالتالي هي تمتلك الجهد التقني الذي يمكن “العراق” أن يؤمن من خلاله مستلزمات السيادة بأبعادها الثلاث البرية والبحرية والجوية.

الإتجاه للصين..

يُشار إلى أن حكومة رئيس الوزراء المستقيل، “عادل عبدالمهدي”، أعلنت في الـ 25 من أيلول/سبتمبر الماضي، توقيع ثمانِ اتفاقيات ومذكرات تفاهم في مجالات البُنى التحتية والاتصالات والصناعة والأمن والطاقة مع “الصين”.

وأثار توقيع الاتفاقية، التي ظلت بنودها غير معلنة حتى الآن، ردود أفعال متباينة في الشارع العراقي، فالبعض حذر من أنها قد تُكبل الاقتصاد العراقي بالديون وتُرهن “النفط” لسنين عديدة، فيما ذهب البعض أبعد من ذلك معتبرًا إنها وقعت بضغط إيراني.

وما يعزز هذه الفرضية؛ هو أن جميع القوى السياسية العراقية المقربة من “إيران”، والقنوات الإعلامية التابعة لها، تروج لأهمية الاتفاقية مع “الصين” والآثار الإيجابية “الجبارة” التي يمكن أن تنعكس على “العراق” في حال مضى قدمًا في تنفيذها.

وشهد “العراق”، منذ تشرين أول/أكتوبر الماضي، تظاهرات حاشدة ضد السطوة الإيرانية في البلاد؛ سقط فيها أكثر من 500 قتيل أغلبهم برصاص ميليشيات “إيران”.

ونددت “واشنطن” في أكثر من مناسبة بالإنتهاكات ضد المتظاهرين في “العراق”، في حين لم يصدر من القوى التي تتقرب منها “بغداد” مثل “الصين” و”روسيا” أي ردود أفعال.

خيانة روسيا لحليفها “صدام حسين”.. هل تتكرر ؟

ورغم كثرت المزايدات حول الموقف الحقيقي لـ”الاتحاد السوفياتي” ثم “روسيا”، من “عراق صدام حسين”، وما إذا كان الروس قد غدروا بحليفهم إبان “أزمة الكويت” و”حرب الخليج الثانية”؛ ثم تخلوا عنه نهائيًا عند الغزو الأميركي لـ”العراق”، إلا أنه لم يُصدر أي تصريح رسمي لمسؤول سوفياتي أو روسي يبُين حقيقة الموقف من “العراق البعثي”، الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه أمام المزايدات والتكهنات حول هذا الأمر. وهو ما جعل البعض يتخوف من مسألة العودة للتحالف مع الروس وتكرار سيناريو التخلي عن “صدام حسين”.

لقد كان “صدام حسين” يعتمد، في قوته الخارجية، على حليفه الروسي؛ كون له علاقات متينة اقتصادية، وخاصة في مجال التسليح، فإن كل السلاح الذي يمتلكه “العراق” روسي؛ وكذلك المعلومات الاستخبارية عبر الأقمار الروسية ومصادرهم عن ما يحول من خطر على “العراق”، وكذلك العلاقة الشخصية المتينة مع “بريغنيف”. لكن المصالح الروسية فوق كل شيء؛ فلذلك عند “حرب الخليج الثانية” تفاجيء “صدام” بعدم مساعدة “روسيا” له؛ وهو لا يعلم بأن “غورباتشوف” قد باعه بأبخس سعر لـ”الولايات المتحدة”. وبعد اتفاقية “خيمة صفوان”، وطمأنة الأميركان بمساندته؛ حصل “صدام” على الضوء الأخضر لقمع الانتفاضة والسيطرة، في أعقاب ذلك أعلن “صدام” تنوع مصادر السلاح لـ”العراق” من عدة جهات، وليس من “روسيا” فقط.

لقد كانت رسالة “صدام حسين” إلى الروس؛ بأنكم غدرتم ولن أتعامل معكم، لكن “صدام” لم يجد غير الروس حلفاء، لأن العرب والخليجيين أصبحوا في خندق واحد ضده ما عدا “الأردن وفلسطين”. لذا حاول إعادة العلاقة معهم؛ إلا أن الروس كانو يعيدون قوتهم بعد تنصيب الرئيس، “بوتين”، عام 2000، بعد أن شتت “غورباتشوف”، “الاتحاد السوفياتي”، وفي عام 2003؛ كان “صدام” على علم بأن الروس لن يقفوا معه.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة