وكالات – كتابات :
نشر “الأزهر الشريف”؛ مؤخرًا، كتابًا يُؤكد فيه حقوق “مصر” في مياه “نهر النيل”، استنادًا إلى الشريعة الإسلامية، مما أثار تساؤلات بشأن دور المؤسسات الدينية في الأزمة المتعلقة بـ”سد النهضة” الإثيوبي، وحول هذه المسألة، نشر موقع (المونيتور) الأميركي؛ تقريرًا أعدَّه الصحافي المصري؛ “عبدالله قدري”، تناول من خلاله كيف تُلقي المؤسسات الدينية في “مصر” بثقلها في أزمة “نهر النيل”، وهل سيُسفر ذلك عن حل المشكلة ؟.. أم يكون سببًا في تعقيدها ؟
استهل الكاتب تقريره بالإشارة إلى أن “مجمع البحوث الإسلامية” المصرية؛ التابع لـ”الأزهر الشريف”، أصدر أول كتاب يتناول حقوق “مصر” في مياه “النيل” من وجهة نظر الشريعة الإسلامية، في ضوء الخلاف المستمر مع “إثيوبيا” بشأن “سد النهضة” الإثيوبي، ويعرض “مجمع البحوث الإسلامية”؛ ضمن جناح “الأزهر الشريف”، كتاب: (الجواب النبيل في سكر النهر وتوزيع مياه النيل)، في “معرض القاهرة الدولي”؛ في دورته الثالثة والخمسين، والذي بدأ في 26 كانون ثان/يناير ويستمر حتى يوم 06 شباط/فبراير.
دعم المؤسسات الدينية للقيادة السياسية المصرية..
ينقل التقرير التصريح الصحافي الذي أدلى به؛ الدكتور “نظير عيَّاد”، الأمين العام لـ”مُجمع البحوث الإسلامية”، قائلًا إن: “أهمية هذا الكتاب تتضح في كونه كاشفًا – في ضوء الشرع – لعدالة موقف “مصر” في قضية مياه “النيل”، ومقررًا لحقوق “مصر” التاريخية والقانونية فيها”. ويتزامن نشر الكتاب مع تعثر المفاوضات بين “مصر” و”إثيوبيا”؛ بشأن “سد النهضة”؛ إذ تسعى “القاهرة” للحصول على اتفاق مُلزم قانونًا لملء السد وتشغيله، بينما لا تزال “أديس آبابا” تُصر على استكمال البناء والملء بغض النظر عن نتائج المفاوضات.
ويوضح التقرير أن “الأزهر” ليس هو المؤسسة الدينية الوحيدة التي تدخلت في أزمة “سد النهضة”؛ إذ تطرقت “دار الإفتاء المصرية” أيضًا إلى الخلاف، من خلال؛ “شوقي علام”، مفتي الجمهورية المصرية، والذي أكدَّ مرارًا في عدة مناسبات مختلفة دعمه للرئيس المصري؛ “عبدالفتاح السيسي”، مُعربًا عن ثقته في إدارته لملف قضية “سد النهضة”، وأنه سيتعامل معها: بـ”حكمة وحنكة وإقتدار”.
كما شدَّد البابا “تواضروس الثاني”، بطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، العام الماضي، على دعم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بوصفها كنيسة وطنية: “للقيادة السياسية في سعيها لإيجاد حل شامل وعادل لمشكلة المياه؛ يضمن حقوق الشعب المصري وأشقائه الشعب السوداني في الحياة التي وهبها الله لهم”.
وأشار “بابا الإسكندرية” إلى سيناريوهات أخرى يمكن أن تتبعها الدولة المصرية إذا فشلت الجهود الدبلوماسية قائلًا: “نُصلي أن يُنجِح الله كل الجهود الطيبة الدبلوماسية والسياسية حتى لا نلجأ إلى أي جهود أخرى، ونُصلي من أجل المسؤولين في هذا الأمر”.
الخطاب الديني والسياسي بشأن الأزمة..
وفي السياق ذاته؛ أكدَّ الأنبا “بيمان”، منسِّق العلاقات بين الكنيستين: الإثيوبية والمصرية ورئيس لجنة الأزمات في “المُجمع المقدس”، أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لعبت دورًا في تخفيف حدة التوتر في المفاوضات؛ نظرًا إلى العلاقات التاريخية بين البلدين.
وألمح التقرير إلى ما قاله؛ “طارق فهمي”، أستاذ العلوم السياسية بجامعة “القاهرة”، خلال حديثه مع موقع (المونيتور)؛ إن هذه المواقف تُظهر كيف يتماهى الخطاب الديني في “مصر” مع الخطاب السياسي عندما يتعلق الأمر بأزمة “سد النهضة”، وهو أمر طبيعي. وشدَّد “فهمي” على: “ضرورة أن يكون للمؤسسات الدينية في مصر دور في أزمة سد النهضة، وينبغي ربط هذا الدور بطبيعة الأزمة وتأثيرها في الأمن القومي المصري. ولا تُعد المؤسسات الدينية غريبة على الأمة الإفريقية، ولها وجود قوي في مصر وإفريقيا”.
سجال بين رجال الدين بسبب أزمة “سد النهضة”..
بيد أن “فهمي” حذَّر من تحويل الأزمة إلى مسألة دينية من شأنها الإضرار بمصالح “مصر”، موضحًا أن: “الكِتاب الذي أصدره مُجمع البحوث الإسلامية، المؤسسة التابعة للأزهر الشريف، يُسلِّط الضوء على حقوق مصر من منظور ديني، وهو أمر طبيعي بشرط ألا يحل الجانب الديني محل الجانب السياسي في القضية”.
ويُلفت التقرير إلى أن انخراط المؤسسات الدينية في أزمة “سد النهضة” أدَّى إلى جدل حاد بين رجال الدين المصريين والإثيوبيين؛ في آذار/مارس من العام الماضي، عندما صرَّح “حاج عمر إدريس”، رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في “إثيوبيا”، بأن للإثيوبيين الحق في مياه “النيل” أكثر من السودانيين والمصريين، وردَّ الدكتور “أحمد الطيب”، شيخ الأزهر، على هذا الكلام في تصريح متلفز قائلًا: “إن مياه الأنهار والموارد الطبيعية الضرورية لحياة الناس؛ ليست ملكًا لشعب دون الآخر”.
وأضاف شيخ “الأزهر” أن: “من يمنع الماء فهو ظالمٌ ومعتدٍ، ويجب على السلطات المحلية والدولية المعنية منع مثل هذا التغول والإفساد في الأرض”، لكن “إدريس”، المُلقب: بـ”مفتي إثيوبيا”، عاد وطالب الشيخ “الطيب”؛ بالتراجع عن تصريحاته، مضيفًا أنه: “يجب أن يكون لدى شيخ الأزهر نظرة أكثر تعمقًا بشأن أزمة مياه النيل، وأن رؤية الحكومة الإثيوبية في هذا الشأن صائبة وسديدة”.
ويُشير التقرير إلى أن تصريح “مفتي إثيوبيا” أثار غضب؛ “علي جمعة”، مفتي مصر السابق والرئيس الحالي لـ”لجنة الشؤون الدينية” في “مجلس النواب” المصري، ما دفعه لتوجيه كلامه إلى “مفتي إثيوبيا”؛ قائلًا: “يا عمر اتَّقِ الله ولا تقلب الأدلة وترد بالباطل والكذب على شيخ الأزهر”.
دور المؤسسات الدينية..
وفي هذا الصدد؛ يرى “عمار علي حسن”، أستاذ العلوم السياسية بجامعة “القاهرة”، أن أزمة مياه “النيل” قضية سياسية واقتصادية وأمنية تتطلب حلًّا سياسيًّا بعيدًا عن الدين، وأضاف “عمار” قائلًا إن: “تدخل المؤسسات الدينية المصرية في أزمة النيل؛ قد يأتي بنتائج عكسية”، موضحًا أن: “إصدار فتوى أو بيان أو نشر كِتاب للأزهر أو الكنيسة المصرية من شأنه أن يدفع المؤسسات الدينية في إثيوبيا ورجال الدين هناك، سواءً كانوا مسيحيين أو مسلمين، إلى الرد، وهو الأمر الذي سيُزيد الطين بلة ويُعقِّد الموقف ويؤدي إلى تضليل الرأي العام”.
ويختم الكاتب تقريره بما أكدَّه؛ “عمار علي حسن”، أن: “الدين يمكن أن يؤدي دورًا في حالة فشل الجهود الدبلوماسية لحل الأزمة؛ واضطرت مصر إلى اختيار الحل العسكري”، بحسب رأيه. وفي هذه الحالة، يمكن أن يكون دور الدين مفيدًا في تعبئة الرأي العام حول القرار السياسي للتدخل العسكري؛ وليس في حل المشكلة، وبخلاف ذلك – يقول الكاتب: “لا أعتقد أن الكِتاب الذي أصدره مجمع البحوث الإسلامية الأزهري عن حقوق مصر في مياه النيل؛ سيؤدي إلى رأب الصدع بين مصر وإثيوبيا”.