خاص: ترجمة- د. محمد بناية:
توقّيع اتفاقية التعاون العسكري بين “سورية” و”تركيا”، بهدف رفع كفاءة الجيش السوري وإعادة بناء هياكله الدفاعية وفق المعايير الدولية، يُعدّ بحسّب وكالة الأنباء السورية؛ (سانا)، نقطة تحول في علاقات البلدين. ويشمل الاتفاق تبادل قوات عسكرية للتدريب المتخصص، ونقل التكنولوجيا، وتقديم الاستشارات في مجالات عسكرية متعدَّدة، من بينها مكافحة الإرهاب، والدفاع السيبراني، واللوجستيات.
وهو ما يعكس مسّعى مشتركًا لتعزيز القدرات الدفاعية السورية في مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية. بحسّب تقرير أعدته ونشرته دورية (هفت صبح) الإيرانية.
مع ذلك؛ فقد يترتب على التعاون بين “دمشق” و”أنقرة”، في ظل التعقيّدات الإقليمية المتشابكة، لا سيّما التدخلات الإسرائيلية والمعادلات المرتبطة بالأكراد والدروز، تداعيات متعدَّدة الأبعاد، إذ لا يستهدف الاتفاق بناء جيش سوري حديث ومنضبط فقط؛ بل يبدو أيضًا جزءًا من استراتيجية تركية لاحتواء نفوذ الجماعات الكُردية المسلحة ومواجهة السياسات التوسعيّة الإسرائيلية في المنطقة.
والسؤال: هل يقود هذا التعاون إلى استقرار دائم أم يُزيد المشهد الجيوسياسي تعقيدًا؟
أهداف تركية..
ما بين سطور الاتفاق يتضح أن “تركيا”؛ تسّعى من خلال تعزيز علاقاتها العسكرية مع الحكومة السورية الجديدة، إلى ترسيّخ موقعها كفاعل رئيس في معادلات “سورية ما بعد (الأسد)”، وهو ما قد يسَّهم في تقليل التهديدات الأمنية ضدها، خاصة من جانب الجماعات الكُردية.
لكن تصريحات وزير الخارجية التركي؛ “هاكان فيدان”، التي انتقد فيها صراحة عدم التزام الأكراد السوريين باتفاقات سابقة مثل اتفاق 10 آذار/مارس، تكشف حجم التحديات التي تواجّه تنفيذ هذه السياسات.
وكان “فيدان” قد شدّد على ضرورة وقف التهديدات الكُردية فورًا، ورفض تكتيكات المَّماطلة، وأكد في رسالة تحذيرية إصرار “أنقرة” على منع المزيد من زعزعة الاستقرار. كما وجّه اتهامات مباشرة للكيان الإسرائيلي باعتباره طرفًا رئيسًا في أحداث “السويداء” الأخيرة، ما يعكس القلق التركي العميق من التدخلات الخارجية التي قد تدفع نحو تقسيّم “سورية” وإضعاف محيطها الإقليمي.
دور “إسرائيل” التخريبي..
شّكلت تدخلات “إسرائيل” الأخيرة في أحداث “السويداء”، بذريعة حماية الأقلية الدُرزية، محورًا رئيسًا في انتقادات “فيدان”؛ حيث تسّعى “إسرائيل” عبر الهجمات الجوية المتَّكررة على “دمشق” وجنوب “سورية”، إلى إضعاف قُدرات الجيش السوري والاستثمار في الخلافات الطائفية بغرض تقسيّم البلاد إلى مناطق نفوذ صغيرة.
تلك الاستراتيجية، التي يبدو أنها تهدف إلى صناعة كيانات هشة وتابعة، لا تُهدّد فقط الأمن القومي السوري، بل تدفع نحو فوضى إقليمية أشمل.
ويعكس القصف الإسرائيلي المتَّكرر للبُنية العسكرية السورية، ودعم مجموعات معيَّنة، استمرار النهج الإسرائيلي التوسّعي الذي قد يُثّير ردود فعل إقليمية مضادة. وهنا يظهر التعاون العسكري “السوريـالتركي” كاختبار جدي في مواجهة مثل هذه التدخلات.
كما أبرزت المواجهات الأخيرة في “السويداء”؛ بين الدروز وفصائل مرتبطة بحركة (تحرير الشام)؛ بقيادة “أحمد الشرع”، تعقيدات الداخل السوري.
وتزيد مخاوف الأقليات العرقية والدينية من ممارسات الحكومة المؤقتة، بالتوازي مع التدخلات الخارجية، من مخاطر تفجير النزاعات الطائفية. ورغم أن انسحاب القوات الحكومة المؤقتة من “السويداء” عقب اتفاق وقف إطلاق النار قد خفّف من التوتر، إلا أنه كشف هشاشة الوضع والحاجة إلى إدارة أكثر شمولية للحكم.
وهنا يُمكن للاتفاق العسكري مع “تركيا” أن يسَّهم في تعزيز مؤسسات الدولة والحد من الاعتماد على الميليشيات غير الرسمية، شريطة أن تنجح “دمشق” في إدارة التنوع العرقي وبناء الثقة مع مختلف المكونات.
الطريق إلى الأمام.. تعاون أم صدام ؟
يكشف التعاون العسكري “السوريـالتركي”، إلى جانب المشاورات التركية مع “الولايات المتحدة” و”أوروبا” وشركائها الإقليميين، عن محاولة بناء جبهة موحدة في مواجهة التهديدات المشتركة.
لكن قد تهدَّد تحديات كبرى، مثل عدم نزع سلاح الجماعات الكُردية واستمرار التدخل الإسرائيلي، هذه المسّاعي.
وتبعث تصريحات “فيدان”؛ حول ضرورة حماية وحدة الأراضي السورية وسيّادتها، مع التأكيد على بناء مؤسسات وطنية مهنية، برسالة واضحة إلى الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة، تُفيّد بسّعي “أنقرة” إلى توحيد “سورية” واستقرارها، لكن نجاح هذه الاستراتيجية مشروط بتنسّيق دقيق بين “دمشق” و”أنقرة”، والإدارة الحكيمة للتوترات العرقية، ومنع التدخلات الخارجية. وإلا، فإن الاتفاق قد يتحول من عامل استقرار إلى سبب لموجة تنافسات جديدة في المنطقة.