خاص : ترجمة – سعد عبدالعزيز :
نشرت صحيفة (إسرائيل اليوم) العبرية مقالاً تحليليًا للكاتب الإسرائيلي، “نيطع بار”، تناول فيه مآلات أزمة العلاقات بين “أنقرة” و”واشنطن” في ظل تعنت القيادتين التركية والأميركية.
هل أخطأ “إردوغان” ؟
يقول “بار”: لقد سبق أن واجه الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، الكثير من الانتقادات والمواجهات على الساحتين الداخلية والخارجية، واستطاع أن يتغلب عليها ضمن كفاحه المستمر لترسيخ أركان حكمه.
لكن في الوقت الذي يهبط فيه سعر “الليرة” التركية إلى أدنى المعدلات، وتعاني فيه الدولة من هجرة العقول بشكل غير مسبوق، يأتي السؤال: ألم يخطيء “إردوغان” عندما قرر خوض مواجهة مع رئيس أميركي عنيد، لا يمكن لأحد أن يتنبأ بأفعاله ؟..
إنجازات وتحديات !
يضيف “بار” أن رئيس تركيا، “إردوغان”، يُعد من أكثر قادة العالم كفاءة وقوة في القرن الواحد والعشرين، فقد استطاع أن يحقق معجزة اقتصادية في تركيا خلال العقد الذي تولى خلاله قيادة بلاده، كما نهض بالقوة العسكرية لتركيا وعزز نفوذها في كل من أوروبا والشرق الأوسط، وحاز لنفسه صلاحيات غير محدودة في إدارة شؤون الدولة.
يشير الكاتب الإسرائيلي إلى أن الطريق الذي سلكه “إردوغان” لم يكن سهلاً أو مفروشًا يومًا بالورود. ولأنه كان يتزعم حزبًا دينيًا في تركيا، التي كانت خاضعة للنخبة العلمانية، ظل نظامه يتلقى سهام النقد، سواء من جانب المؤسسة العسكرية أو من جانب جميع المعارضين المنتمين لمختلف التيارات السياسية.
لكن “إردوغان” تمكن بعد كل جولة انتخابية من ترسيخ شعبيته، على الرغم مما نُسب إليه من تُهم بالفساد وقمع للمعارضين. وفي عام 2016، استطاع “إردوغان” أن ينجو بكل سهولة من انقلاب عسكري، وفي خطاب غريب بثه عبر شبكات التواصل الاجتماعي، نجح “إردوغان” في حث مؤيديه على الخروج إلى الشوارع لإحباط الانقلاب.
تصفية الحسابات..
يؤكد “بار” على أن “إردوغان” أخذ، بعد فشل الانقلاب، يُصفي جميع المؤسسات السياسية التي كانت تعرقل مسيرته، مثل نظام التعليم العلماني والصحافة الحرة واللجان الانتخابية والمحاكم والبنك المركزي والقيادة العسكرية العليا. كما قام “إردوغان” بإقالة عشرات الآلاف من المعلمين وموظفي الحكومة، لا لشيء إلا لأنهم كانوا يتبنون آراء سياسية معارضة.
كما حقق “إردوغان” الفوز في الاستفتاء العام، الذي مكنه من توسيع صلاحياته، فأصبح وكأنه الحاكم بأمره، ثم فاز أخيرًا في معركة انتخابية مثيرة للجدل.
كل شيء.. أو لا شيء !
يرى “بار” أن حظوظ الرئيس التركي القوي، الذي ظل يتربع على “مضيق البوسفور”، بدأت تتلاشى في هذه المرحلة تحديدًا، بعدما حقق كل ما أراد من سلطة مُطلقة وهيمنة على كل مفاصل المجتمع التركي. ولقد حلت الضربة الكبرى على الرئيس التركي في المجال الذي كان يتفوق فيه دائمًا، ألا وهو المجال الاقتصادي.
ورغم أن “إردوغان” قد نجح سابقًا في تطوير البنية التحتية المتهالكة في تركيا وجعلها من أكبر مواقع الإنتاج في أوروبا، يبدو أنه بدأ الآن يدفع بلاده إلى الإنهيار الاقتصادي.
وبينما يزيد “إردوغان” من إحكام سيطرته على “البنك المركزي” وسوق المال في تركيا، فإن الآلاف من أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين قد فروا هاربين من البلاد خوفاً من أن يلحقهم الضرر الاقتصادي بسبب القوانين التي يصدرها الرئيس.
بحسب “بار”؛ فإن إنهيار قيمة “الليرة” التركية يُعد نتيجة طبيعية لخروج الأموال الأجنبية، التي كانت تتدفق قبل عام من أوروبا إلى تركيا. وفي حين تستفيد العديد من الشركات التابعة لجهات أوروبية من هبوط قيمة “الريال” التركي في دفع الأجور والحصول على الخدمات اللازمة، إلا أن كثيرًا من تلك الشركات تخشى غضب الرئيس.
خصم غير مناسب في وقت غير مناسب..
إن “إردوغان” – رغم ما كان يتمتع به من حاسة قوية لرصد الأزمات – أصبح الآن شديد الإصرار على أخطائه، فلقد دعا أخيرًا المواطنين الأتراك إلى إظهار الولاء عن طريق بيع ما لديهم من دولارات، فيما تُعد تلك الخطوة شبه إنتحارية في بلد تنهار فيه العملة المحلية.
لكن ربما كان أكبر خطأ ارتكبه “إردوغان” هو أنه شارك في “لعبة قذرة” مع الرئيس الأميركي، “ترامب”، الذي لا يولي أية اعتبارات للتحالفات التي أبرمتها بلاده في الماضي، على عكس الرئيس الأميركي السابق، “باراك أوباما”، والعديد من زعماء العالم الآخرين.
خطأ جسيم..
وسواء اعتقد “إردوغان” أن “ترامب” سيتراجع، أو ظن أنه سيحظى بتأييد شعبه بسبب صلابة موقفه أمام “البيت الابيض”، فإن قرار عدم إطلاق سراح القس الأميركي المسجون في تركيا منذ الانقلاب العسكري، في عام 2016، يُعد خطأً جسيمًا. ومن الصعب معرفة ما إذا كان “إردوغان” قد أدرك خطأه بعدما أعلن “ترامب”، عبر شبكة التواصل الاجتماعي، (تويتر)، فرض مزيد من الرسوم الجمركية على المعادن المستوردة من تركيا.
من الواضح أن “إردوغان” قرر – بلا أي مبرر في هذا الوقت الذي تعاني فيه بلاده من أزمة اقتصادية – أن يخوض مواجهة مع “ترامب”، الذي هو أشد زعماء الولايات المتحدة تعنتًا، والذي لا يمكن لأحد أن يتوقع ردود أفعاله. وعلى عكس الزعماء الأميركيين السابقين، فإن “ترامب” لا يراوده أي قلق إزاء حملة “إردوغان” لقمع حرية التعبير في بلاده. كما لا يُعرف عن “ترامب” أنه يُفضل النخبة العلمانية في تركيا.
أخيرًا يؤكد الكاتب الإسرائيلي؛ على أنه ما كان ينبغي للرئيس التركي إفتعال أزمة مع نظيره الأميركي، لأن تلك الأزمة ربما ستقود “إردوغان” – لأول مرة في تاريخ حُكمه الطويل – إلى طريق مسدود.