19 أبريل، 2024 4:36 م
Search
Close this search box.

سؤال أميركي .. هل تستطيع التنظيمات الإرهابية استعمال الأسلحة البيولوجية على غرار “كورونا” ؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

وكالات – كتابات :

كشفت الاستجابات الضعيفة لموجات جائحة (كوفيد-19) في العديد من الدول؛ عن ثغرات في درجة التأهب البيولوجي على مستوى العالم، وهو الأمر الذي أقلق صانعي السياسات والخبراء من احتمال استغلال الإرهابيين لتلك الثغرات للوصول إلى الأسلحة البيولوجية لشن هجمات إرهابية مدمرة ضد الدول والمجتمعات.

في هذا الإطار، سعت دراسة حديثة لمؤسسة (راند) الأميركية أجراها كل من: “جون باراتشيني” و”روهان غوناراتنا”، إلى استكشاف: “تداعيات جائحة كورونا على اهتمام الجماعات الإرهابية بالأسلحة البيولوجية”، مُرّكزة على حالتي تنظيمي: (داعش) و(القاعدة).

حاولت الدراسة معرفة ما إذا كانت هذه الجماعات مهتمة أم لا بالسلاح البيولوجي في أعقاب الجائحة، وهل ستسعى للحصول على فيروسات مُعدية لتحقيق النتائج المميتة نفسها لـ (كوفيد-19).

فحصت الدراسة أيضًا اهتمام (داعش) و(القاعدة)؛ بثلاثة أنواع من الأسلحة البيولوجية، وهي: الفيروسات والبكتيريا والسموم، ذلك أنها قد تؤدي إلى وفيات مؤلمة، كما قد تنتشر من دون أن تكون مرئية، ناهيك عن أن أصولها الطبيعية تجعل من الصعب تمييز ما إذا كان انتشارها ناتجًا عن استخدام متعمد أم تفشٍ طبيعي.

وما يُعقِّد من اكتشاف الهجوم البيولوجي المتعمد أن العديد من الأعراض الأولية لتلك الأسلحة تُشبه المشاكل الصحية التي تحدث بشكلٍ طبيعي، ناهيك عن أن الفيروسات قد تنتشر من شخص لآخر بطرق قد يصعب التعرف عليها، وبالرغم من إمكانية مواجهة العديد من الفيروسات باللقاحات ومعالجة معظم البكتيريا بالمضادات الحيوية، فإنه لا يمكن مواجهة جميع السموم بالترياق إذا تم تطويرها وإنتاجها ونشرها بشكلٍ فعَّال، لذلك فإن هذه الأسلحة البيولوجية لديها القدرة على القتل على نطاق واسع.

سردية الوباء لدى الإرهابيين..

تُعتبر سرديات (داعش) و(القاعدة)؛ أن وباء (كورونا) وما أحدثه من أضرار صحية واقتصادية هو انتقام إلهي لمعاقبة الغرب على حروبه واضطهاده للمسلمين في “أفغانستان” و”العراق”، و”الصين” لقمعها المسلمين “الأويغور”، فضلاً عن “إيطاليا، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا”، وغيرها من الدول التي أسموها: بـ”أعداء الإسلام”، وفي ذلك نشر (القاعدة) رسائل تُفيد بذلك، منها على سبيل المثال إحدى الرسائل التي نشرها إلى المجتمعات بعد ظهور الجائحة؛ قال فيها: “لدينا رسالة موجزة للصليبيين الظالمين وأتباعهم من الصهاينة والمرتدين: الخوف والذعر الذي أصابكم هو فأل خيرٍ لنا، نسأل الله أن يُثبت قدرته في معاناتكم ويُسرع في هلاككم”.

كما تضمنت أيضًا سرديات تلك التنظيمات الإرهابية مناقشة التدابير الصحية، والتي وصفوها بأنها أساس التعاليم والتقاليد الإسلامية التي يجب على “المسلمين” إتباعها لحماية أنفسهم، والتي من بينها: “وضع المرء يده أو ثيابه على فمه عندما يعطس”، وعندما: “يستيقظ من النوم فلا يغمس يده في الأواني حتى يغسلها ثلاث مرات”، وغيرها من التعليمات.

إلا أن الدراسة لاحظت اختلافًا نسبيًا في السرديات الإرهابية حول الجائحة؛ وفقًا لإدراك كل جماعة لجمهورها، فسردية (داعش) خُصصت أكثر لأولئك الذين ينجذبون إلى فكرها في خطابها، وركزت على فكرة: “معاقبة الكفار”؛ إذ اعتبرت الوباء يخلق فرصًا لمهاجمة الأعداء، فيما طرحت سردية (القاعدة) حججًا دينية حول الوباء لكل من المسلمين وغير المسلمين في الغرب، إذ دعتهم للتعرف على الإسلام وتقاليده، ويكشف هذا التباين في المحتوى والنبرة عن اختلاف جيلي في كيفية تفاعل التنظيمين مع الوباء، إذ تبدو رواية (داعش) عدوانية أكثر، بينما تتبنى (القاعدة) الاهتمام بآثار الوباء، وقد ذهبت تحليلات الدراسة إلى هذا المضمون الوارد من كلا التنظيمين قد يعكس حالة من عدم الاتساق الداخلي.

بعد آيار/مايو 2020، اختفت الإشارات إلى (كوفيد-19) بشكلٍ عام من روايات التنظيمين الإرهابيين، إذ تم التركيز على موضوعات أخرى، مثل الاقتصادات المتعثرة، والصراعات العرقية، وحرائق الغابات، والآثار الأخرى لتغير المناخ.

الإرهاب والسلاح غير التقليدي..

من المفيد فحص تاريخ (داعش) في استخدام الأسلحة غير التقليدية، وذلك لتقييم ما إذا كان أعضاء هذا التنظيم سيتم تحفيزهم للسعي وراء أسلحة بيولوجية معدية كوسيلة للعنف في أعقاب الوباء، وعلى الرغم من قلة الأدلة المتاحة علنًا في هذا الأمر، إلا أن لدى (داعش) سجلاً حافلاً في استخدام المواد الكيميائية الصناعية وإنتاج “غاز الخردل” كأسلحة.

فعندما كان (داعش) يُسيطر على مساحات شاسعة من “شرق سوريا” و”غرب العراق”؛ ما بين حزيران/يونيو 2014 وكانون ثان/يناير 2017، تمتع أفراده بالمهارات الفنية، وإمكانية الوصول إلى المعامل والمواد القاتلة، إذ حصل التنظيم بالفعل على مواد كيميائية صناعية سامة واستخدمها، وتُشير الدراسة إلى أن (داعش) استخدم: “الكلور وخردل الكبريت” عشرات المرات ضد خصومه.

مع ذلك، تُلاحظ الدراسة أن استخدام الكيماويات الصناعية السامة كانت أقل فتكًا بكثير من العديد من الوسائل التقليدية التي استخدموها، كما تُشير الدراسة أيضًا إلى أن استخدام (داعش) للعوامل الكيميائية أدى إلى وقوع بعض الضحايا في وقت قصير، وربما أبقى المقاتلين الأكراد في مأزق، لكن كان من الصعب نشر هذه الأسلحة على نطاق كبير، إذ ثبُت أنها غير ناجحة في إحداث خسائر كبيرة.

أما بالنسبة لتنظيم (القاعدة)؛ خاصة إبان حكم (طالبان) في “أفغانستان”، فقد أشار تقرير عام 2005؛ الصادر عن “لجنة القدرات الاستخباراتية للولايات المتحدة الأميركية” فيما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل؛ إلى أن: “مجتمع الاستخبارات خلص إلى أنه في وقت بدء الحرب في أفغانستان، كان برنامج الأسلحة البيولوجية لـ (القاعدة) أكثر تقدمًا وأكثر تعقيدًا مما قيّمه المحللون سابقًا”.

مع مرور الوقت، أدت المعلومات اللاحقة حول استكشاف (القاعدة) للأسلحة البيولوجية إلى قيام المحلل الشهير؛ “دبليو سيث كاروس”، بوصف برنامج (القاعدة) للأسلحة البيولوجية بأنه: “لا يزال في طور التكوين، ولا يوجد دليل على حصوله على أي عوامل بيولوجية”.

واللافت أن (القاعدة) لم يستطع الحصول على العوامل المسببة للأمراض في أي منشأة في “أفغانستان” أو من الخارج، كما أنه لم يكن قادرٍ على زراعة “الجمرة الخبيثة” من مصادر طبيعية في “أفغانستان”، وذلك على الرغم من حصول بعض الأفراد في (القاعدة) على بعض التدريب في مجال العلوم البيولوجية؛ ولكن ليس بما يكفي لشراء المكونات الضرورية، وإنتاج مواد كافية، وتسليحها.

سياسات مقترحة..

هناك عوامل عديدة تؤثِّر على مخاطر استخدام الجهات الفاعلة غير الحكومية للعوامل البيولوجية، منها مدى قابلية الدول للتعرض لآثار الأسلحة البيولوجية والعواقب المحتملة، ففي أعقاب جائحة (كوفيد-19)، ستكون الدول قد بنت بعض القدرات كاستجابة للوباء وبالتالي ستكون أقل عُرضة لتفشي الأمراض المعدية، مما قد يُساعدها على إدارة عواقب هجوم بالسلاح البيولوجي بشكلٍ أفضل، بالتالي، قد يترتب على حدث منخفض الاحتمال عواقب ضارة أقل مما كان يمكن مواجهته في فترة ما قبل الجائحة.

وعلى الرغم من أن تهديد (داعش) و(القاعدة) باستخدام المواد البيولوجية كأسلحة أقل بكثير من تهديد الوسائل التقليدية البديلة، فإن التطورات التكنولوجية في المستقبل قد تزيد من هذا التهديد المحتمل، لذلك، تحتاج الدول إلى اتخاذ إجراءات لتقليل مخاطر التسليح البيولوجي مستقبلاً.

هنا، تكمن أهمية، اتخاذ التدابير التي تُعالج حالات تفشي الأمراض المعدية التي تحدث بشكلٍ طبيعي، وتكون ذات صلة أيضًا بهجمات الأسلحة البيولوجية المتعمدة غير المحتملة (ولكن الممكنة)، حيث إن تلك التدابير قد تؤدي إلى وضع الحكومات بشكلٍ أفضل لمعالجة الجوانب المتداخلة لهذه التهديدات ذات الصِلة.

يمكن أيضًا أن تُساعد التدابير التالية في ضمان بقاء خطر استخدام الإرهابيين للأسلحة البيولوجية منخفضًا، وهذه ليست بأي حال من الأحوال قائمة شاملة، لكنها تعكس نقطة إنطلاق لمناقشات السياسة الناشئة حول كيفية تقليل فرص حدوث جائحة في المستقبل وتحسين القدرات في حالة حدوثها.

وتوفِّر هذه الإجراءات نفسها بعض مزايا الاستخدام المزدوج للكشف عن الهجوم الإرهابي بالعوامل البيولوجية وتحسين قدرات الاستجابة في هذا الحدث غير المحتمل، ومن أبرزها ما يلي:

01 – مراجعة وتحسين الضوابط على المعامل البيولوجية، ومجموعات العوامل المسببة للأمراض المعدية، ومعدات المختبرات التي يمكن استخدامها لأغراض ضارة للحد من الخطر.

02 – توسيع التعاون بين قطاعي صحة الحيوان وصحة الإنسان، حيث شهدت السنوات العشرين الماضية، تفشي للأمراض الحيوانية، فالنمو السكاني والهجرة وتغير المناخ يجعل البشر على اتصال وثيق بالحيوانات البرية، وسيؤدي هذا حتمًا إلى زيادة مخاطر تفشي الأمراض الحيوانية المنشأ.

03 – إعطاء “أولوية أعلى” لإثنين من التهديدات قريبة المدى التي قد يُلحقها تنظيم (داعش) و(القاعدة) بالمجتمع العالمي، مثل استخدام هجمات الطائرات من دون طيار أو غيرها من الضربات على السجون ومخيمات اللاجئين لتحرير أعضائها، وهو ما يتطلب اهتمامًا أكبر من احتمال الوباء العالمي الذي يُحفز الإرهاب البيولوجي.

04 – تعزيز المعايير الدولية ضد استخدام الدول للأسلحة الكيماوية والبيولوجية، إذ تتيح الاجتماعات المستقبلية ومؤتمرات المراجعة لـ”منظمة حظر الأسلحة الكيميائية” أو الدول الأطراف في “اتفاقية الأسلحة البيولوجية” فرصًا للدول لتعزيز المباديء.

05 – تغيير النهج المفاهيمي لقياس التهديد، فلا يكفي إجراء واحد في هذا الصدد، فهناك حاجة إلى شبكة مترابطة من الإجراءات للحد من مخاطر الهجمات الإرهابية، ويُعتبر الوباء بمنزلة تذكير بأهمية تقييم المخاطر النسبية واحتمال التهديدات، وبالتالي، فإن تحديد تدابير السياسة التي تخفف طيف التهديدات – الطبيعية والتي يرتكبها الناس – أمر مهم للحصول على الأدوات المناسبة للعمل.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب