خاص : ترجمة – د. محمد بناية :
تحتفل “الإمارات” بالذكرى الخمسين لتأسيس الدولة. تلك الدولة التي بدأت من الصفر، قبل خمسين عامًا؛ وتحولت حاليًا إلى قوة ناشئة.
والشعار الدعائي في احتفالات الاستقلال هو: “من الصحراء إلى الفضاء”؛ في إشارة إلى إنطلاق التجربة الإماراتية من الصحراء القاحلة وصولًا إلى “المريخ”.
ولطالما كان يردد الشيخ، “محمد بن راشد”، رئيس وزراء الإمارات: “بدأت العمل في دبي بخيمتين”. وقد قال هو نفسه في العام 1991م: “أريد أن تتحول في القرن الواحد والعشرين، مدينة دبي؛ إلى مركز مالي عالمي بدلًا من لندن وباريس ونيويورك”. على حد ما أورد “صلاح الدين خديو”؛ في مقاله التحليلي الذي نشره (مركز الدراسات الإستراتيجية الأميركية).
أسباب جاذبية التجربة الإماراتية في التنمية..
على كل حال؛ فالنموذج الإماراتي يبدو تجربة تنموية في ذاته؛ لاسيما في ظل أجواء الصراعات التدميرية من حروب سياسية وأهلية وجيوسياسية بين قوى الشرق الأوسط.
وفي ضوء النظام السياسي المطلق وغير الانتخابي في “الإمارات”، تحولت هذه الدولة إلى أحد المراكز المالية الموثقة والجاذبة في العالم، بل ينافس اقتصاد “دبي” دولًا مثل: “ألمانيا وفرنسا وبريطانيا”. وذلك بسبب النظرة الاستشرافية، والإنضباط، واستقلال القضاء، والمواجهة القوية ضد الفساد، وهي ذات العوامل التي تضمن إرتقاء تجربة التنمية الإماراتية.
ومما لا شك فيه، أنه ما كان لـ”الإمارات” بدون الثروة النفطية أن تقوم بهذه المعجزة الاقتصادية، ولولا دراية الطبقة الحاكمة لاستحالت نعمة “النفط” نقمة، ولفشلت التجربة الإماراتية مثل سائر الاقتصادية النفطية الفاشلة.
النفط و”الاستبداد المستنير” !
والاختلاف الأهم هو تسخير “النفط” في خدمة الاقتصاد؛ بدلًا من السياسة وعظمة الحاكم، بحيث تحولت التنمية هدف رئيس لتلكم الدولة الصحراوية الصغيرة.
والإشكالية الأساسية في “الإمارات” هي: “الاستبداد المستنير”؛ والذي ساهم في تسريع وتيرة: “بناء” الدولة، وهذا لا مثيل له في الدول الغربية البرلمانية والحكومات التي تسير في ركاب الأحزاب والآليات المختلفة. فكان الشيخ “زايد” يفعل كل ما يقول على الفور؛ وكذلك الشيخ “مكتوم”.
صحيح أن النظام يُعاني، بطبيعة الحال؛ من التراجع في مؤشرات التنمية السياسية، وتردد جميع الدول الأخرى في إمكانية الاستفادة من هذا النموذج الذي يتمتع بمميزات خاصة؛ مثل انخفاض الكثافة السكانية، والثروات الكثيرة، والاستفادة من العمالة الإجنبية، لكن لا يمكن في الوقت نفسه تجاهل الاعتراف بحقيقة أن الإماراتيين محظوظين (!)، فلو حكمهم الجنرالات أمثال: “صدام” و”القذافي” و”عبدالناصر”؛ بدلًا من التجار الحاليين، لما نجحوا في هذه التجربة.
بين شعارين !
فالشعارات السياسية، (بغض النظر عن الحجم والمحسنات البلاغية)؛ تملأ نوعًا ما رؤوس أصحابها. وقارن بين شعار” “من الصحراء إلى الفضاء”؛ بالشعار المعروف: “من المحيط إلى الخليج” (!!)، والدعوة إلى الوحدة العربية في عموم المنطقة، التي تقع بين المجريين المائيين. وهو الشعار الذي تردد على ألسنة القوميين العرب من الناصريين والبعثيين، الذين ربطوا تقدم العالم العربي بالوحدة واعتبروه مشروعهم السياسي.
ويبدو أن شعار: “من الصحراء إلى الفضاء”، فاق شعار: “من الخليج إلى المحيط”، لكن الوضع على أرض الواقع مختلف.
والحقيقة أن الشعار الإماراتي بقي على الأرض بشكل أكبر من شعارات القومية العربية. لكن بالنهاية وصلت “أبوظبي” إلى الفضاء، ولم يفشل فقط: “صدام وناصر والأسد والقذافي وبومدين” وغيرهم من دعاة الوحدة العربية؛ في تشكيل جماهيرية موحدة، وإنما أرثوا شعوبهم دولًا ضعيفة ومهزومة.
“مسبار الأمل”..
وبينما دخلت السفينة الإماراتية مدار “المريخ”؛ بعد رحلة دامت سبعة أشهر قطعت خلالها: 500 مليون كيلومتر؛ قالت السلطة الإماراتية: “هذا أبعد مكان بلغه عربي حتى الآن” (!!)، وقيل إن مركبة الأمل صناعة أميركية، وأشرفت “اليابان” على عملية الإطلاق فقط، واقتصر الدور الإماراتي على التجميع فقط.
وهذا صحيح؛ لأن “الإمارات” تفتقر إلى البنية التحتية الوطنية على غرار القوى التي تمتلك تكنولوجيا الفضاء. لكن بالوقت نفسه (مسبار الأمل) هو بمثابة ملخص للنموذج الإماراتي.
هي قوة ناشئة تلعب دورًا يناسبها في ظل نظام يموج بالأدعياء، فهي تمتلك الموانيء والمطارات الدولية والخطوط الجوية، بالإضافة إلى شفافية دورة المال وتقديم الضمانات للمستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال.
كذلك كانت محطة فضاء (مير)؛ ملخص تجربة “الاتحاد السوفياتي”؛ حيث بلغت ذرورة التقدم الصناعي ودخلت المدار بواسطة فريق من المهندسين المبتكرين، إلى أن سقطت في المحيط. وكانت هذه لحظة سقوط “الاتحاد السوفياتي”.
ولابد من الحذر من دمج “الإمارات” وأمل في السياسة والاقتصاد العالمي، بحيث لا يغرق في البحر أو المحيط على غرار محطة (مير) الفضائية.