خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في زيارة أثار توقيتها العديد من التساؤلات؛ زار الرئيس الجزائري؛ “عبدالمجيد تبون”، “موسكو”، لمدة ثلاثة أيام، بدعوة رسّمية من نظيره الروسي؛ “فلاديمير بوتين”، وهي الأولى من نوعها منذ تسّلم “تبون” مقاليد الحكم في بلاده؛ عام 2019.
شهدت تلك الزيارة عدة تأجيلات؛ حيث كانت منتظرة قبل نهاية العام الماضي، في خضم تعرض الدولة الإفريقية لعدة ضغوط غربية، جراء علاقات التحالف مع “روسيا”.
كان شعار الزيارة البحث عن شراكات جديدة مع الحليف التقليدي، والصديق التقليدي والتأكيد على متانة العلاقات الثنائية بين “الجزائر” و”روسيا”، وتم في ختامها توقيع الرئيسين؛ “تبون” و”بوتين”، على إعلان الشراكة الاستراتيجية المعّمقة بين البلدين اللذين تجمعهما علاقات قوية منذ أكثر من 60 عامًا، إذ تُعد “الجزائر”، شريكًا مهمًا بالنسّبة لـ”روسيا” في القارة الإفريقية.
الزيارة أثارت العديد من الأسئلة حول إمكانية تحول “الجزائر” إلى حليف لـ”روسيا” ضد الغرب، فما هي دوافع الزيارة في هذا التوقيت، وهل تحمل رسائل سياسية ودبلوماسية بأن العلاقات “الجزائرية-الروسية” ستكون على حساب العلاقات “الجزائرية-الفرنسية” ؟.. خصوصًا بعد الأزمة المتّجددة بين “فرنسا” و”الجزائر” لأسباب متعددة ؟.. وهل ستؤثر “العقوبات الأميركية”؛ ضد “روسيا”، على “الجزائر” ؟
المسّتورد الأول للسلاح الروسي..
الدبلوماسي الروسي السابق والمحاضر في المدرسة العُليا للاقتصاد في موسكو؛ “سيرغي بورفيوف”، يتفاءل بثمار هذا التعاون على أساس امتلاك البلدين خبرات واسعة في مكافحة الإرهاب، مشيرًا إلى تجربة “موسكو” في “الشيشان” و”سوريا”، وتجربة “الجزائر” مع الجماعات المسّلحة؛ في “العشرية السوداء”، (1991 – 2002).
كما أن “روسيا” تهتم بدعم الحكومات في مواجهة الحركات الإرهابية. والعلاقات الأمنية والعسكرية بين البلدين قديمة، كما أن “الجزائر” هي المسّتورد الأول في “إفريقيا” للسلاح الروسي، وأجرى جيشا البلدين مناورات مشتركة عامي: 2021 و2022.
انطلاق روسي يختلف عن “فرنسا”..
الخبير الجزائري في الشؤون الأمنية؛ “أحمد ميزاب”، يُرجح من تصريحات “تبون”؛ في “موسكو”، حول الإرهاب في الساحل، ظهور فرق عما كان عليه الحال مع التدخل الفرنسي في المنطقة، قائلاً إن الزاوية التي انطلقت منها “روسيا” في هذا الملف تختلف تمامًا عن تلك التي انطلقت منها “فرنسا”.
ويُضيف موضحًا أن “باريس” استثمرت في مكافحة الإرهاب بفتح قواعد عسكرية في المنطقة، لافتًا إلى أن “موسكو” تدعم المؤسسات العسكرية والأمنية بالمعدات العسكرية المتطورة والدعم اللوجستي وبناء هذه المؤسسات في مواجهة الإرهابيين، كما تدعم استقرار الدول.
كما أن الوجود الروسي مُرحب به من دول في الساحل؛ أخرجت الكارت الأحمر لـ”فرنسا” بعد فشلها في صناعة الاستقرار، بالإضافة إلى أن “روسيا” لها تاريخ إيجابي بدورها في دعم حركات التحرر من الاستعمار في القارة.
وتعتمد “روسيا” على شراكة “رابح-رابح”، التي تقوم على تبادل المنافع وتعظيمها بينها وبين الدول المتعاونة معها، وليس على استنزاف مواردها الاقتصادية على حساب التنمية.
في الوقت نفسه؛ يُحذر الخبير الجزائري من أن الوجود الروسي سيُزيد الصراع الدولي المحّموم حول حصص النفوذ في منطقة الساحل؛ وهو ما سيكون له انعكاساته.
واضطرت “فرنسا” لسّحب قواتها من “مالي”؛ آب/أغسطس 2022، بعد احتجاج من السلطات المالية التي اتهمت “باريس” بعدم تحقيق النجاح في محاربة الإرهاب منذ قدومها للبلاد عام 2013.
تنويع التحالفات الخارجية..
من جهته؛ يقول الباحث في العلاقات الدولية؛ الدكتور “سعيد سلام”، لموقع (24) الإماراتي: “المتابع لسياسات الجزائر؛ في عهد تبون، يرى أنها تستهدف بشكلٍ رئيس تنويع التحالفات الخارجية لبلاده، وتجاوز فكرة التبعية للمحور الغربي، وخصوصًا فرنسا، وهو النهج الذي سّاد خلال حقبة الرئيس الأسبق؛ عبدالعزيز بوتفليقة، مضيفًا أن: “الجزائر سّعت في هذا السياق؛ إلى زيادة التقارب العسكري مع روسيا”.
ويرى الباحث أيضًا أنه: “لا يمكن عزل التحركات الجزائرية في الملف الأوكراني عن معادلة العلاقات (الجزائرية-الغربية)، إذ يبدو أن الجزائر تستخدم الملف الأوكراني وتداعياته، وكذلك العلاقات مع روسيا، من أجل إدارة العلاقات مع الدول الغربية، وخصوصًا مع التوترات التي شهدتها هذه العلاقات خلال السنوات الأخيرة. ولعل النموذج الأبرز في ذلك العلاقات (الجزائرية-الفرنسية)”.
وبخصوص تصريحات “تبون” عن أن بلاده مؤهلة لتلعب دور الوسّيط بين “روسيا” و”أوكرانيا”، قال الدكتور “سلام”؛ إن: “تصريح تبون أثار بعض التساؤل حول الدوافع الجزائرية وراء السّعي للقيام بالوسّاطة، فهو في الوقت نفسه، يأتي ضمن محاولة تحقيق (خطوة استراتيجية)، تخدم مصالح الجزائر، وتفعل من النهج المّرن الذي تتبعه في سياستها الخارجية”، مشيرًا إلى أن “الجزائر” تجنبّت أيضًا الانضمام إلى منظومة العقوبات الغربية على “موسكو”، وهو ما كشف عن رفض ممارسّة العزلة الدولية على “روسيا”.
عدم الانصياع للضغوط الدولية..
ويذكر الدكتور “سلام” أن “الجزائر” تُعد واحدة من الدول القليلة التي لم تُندد بالعملية الروسية العسكرية في “أوكرانيا” واختارت الامتناع عن التصويت في كل الجلسات التي عقدتها “الأمم المتحدة”، مع تأكيدها بشكلٍ رسّمي أنها لا تنحاز لأي طرف في الحرب.
وكان الرئيس؛ “تبون”، صريحًا في كلمته أمام نظيره الروسي، حين قال إن: “الضغوط الدولية لن تؤثر على علاقتنا مع روسيا”، وأعرب في تصريح مشترَك مع “بوتين” عن: “إرتياحه لتوافق الرؤى تجاه الملفات التي تمَّ تناولها خلال المحادثات”.
وأوضح “تبون” أن زيارته لـ”روسيا”: “تندرج في إطار الجهود التي يبذلها بَلداننا لتوطيد علاقتهما الثنائية وتعّزيز ديناميكية التعاون بيننا”، واصفًا المحادثات التي جمعته بنظيره الروسي: بـ”المثمرة والصريحة والصادقة”.
ورقة مهمة في علاقتها بـ”واشنطن”..
ومن جهة ثانية؛ أوضح الباحث في العلاقات الدولية أن: “روسيا تُعد ورقة مهمة بالنسّبة للجزائر في علاقاتها مع الولايات المتحدة، وخصوصًا أن الجزائر تعتقد أن واشنطن اتخذت سياسات منحازة للمغرب خلال السنوات الأخيرة، كما تواجه الجزائر بين الحين والآخر انتقادات من قبل السياسيين الأميركيين”.
يُزيد الضغوط الأميركية..
ويرى الدكتور “سلام”؛ أن: “توطيد العلاقات بين الجزائر وروسيا؛ سوف يُزيد الضغوط الأميركية على الجزائر، وقد يتم تفعيل العقوبات الاقتصادية والسياسية الأميركية عليها، في حال قامت بنقل بعض الأسلحة السوفياتية الروسية إلى موسكو في إطار سّعي الأخيرة إلى إعادة شراء الأسلحة التي قامت بتصديرها إلى دول العالم سابقًا، من أجل تعويض النقص الحاد لديها في الذخيرة والمعدات العسكرية، أو في حال اتخذت مواقف قد تؤثر على إمدادات الطاقة إلى السوق العالمية، ما سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار في الأسّعار”.
أما “بوتين”؛ الذي تتعرض بلاده لمحاولات عّزل من قبل الغرب جراء الحرب في “أوكرانيا”، فقد قال إن: “زيارة الرئيس تبون؛ حملت الكثير من الدلالات، الجزائر شريك هام بالنسّبة إلينا وسنعمل على تعّزيز التعاون معها في جميع المجالات”، كما أن “بوتين” يعتبر “الجزائر”؛ هي: “الشريك المفتاح في العالم العربي وفي إفريقيا”.
ويُشار إلى أن الطرفين وقّعا؛ خلال هذه الزيارة، على سلسلة من الاتفاقيات ومذكرات تفاهم، بهدف تعّزيز تعاونهما على المستوى العسكري وفي مجال الطاقة، وبالإضافة إلى ذلك، أشاد الرئيس الجزائري بالدعم الروسي لبلاده للانضمام إلى مجموعة (بريكس)، حيث تطمح “الجزائر” إلى الالتحاق بهذا التكتل الاقتصادي الذي تُعد “روسيا” أبرز أعضائه، ويضم أيضًا: “الصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا”، والذي يُعد هدفًا رئيسًا لـ”الجزائر” لمستقبلها الاقتصادي.