خاص : كتبت – نشوى الحفني :
يستقبل “العراق”، اليوم، بابا الفاتيكان، “فرنسيس الثاني”، في زيارة تستمر عدة أيام، يتنقل خلالها بين محافظاته جنوبًا وشمالاً ووسطه، في أول زيارة بابوية على الإطلاق لهذا البلد، الذي أنهكته الحروب والفساد، وشهد هجرة كبيرة للمسيحيين، خلال العقدين الماضيين.
واهتمت الصحف بتلك الزيارة للوقوف على أهم دلالاتها، وما يمكن أن تقدمه مستقبلاً، لذلك حاولت (كتابات)؛ رصد بعض التقارير الصحافية التي تناولت تلك النقطة.
زيارة تاريخية للبابا..
صحيفة (الخليج) الإماراتية، أكدت أن الزيارة غير المسبوقة للبابا فرنسيس، “بابا الفاتيكان”، لأرض “العراق”، اليوم، هي رسالة سلام لـ”العراق” والمنطقة، ورسالة تضامن مع مسيحيي المشرق، الذين عانوا ما عانوه من تهجير وجرائم ومجازر وسبي على يد الإرهاب الداعشي، خلال وجوده في “سهل نينوى” ومعظم أرض العراق، بين عامي 2014 و2017، لعلها تسهم في تقوية النسيج الاجتماعي العراقي، وتفتح آفاقًا جديدة في تعزيز مبدأ التعايش المشترك، ونبذ الخلافات وتحقيق الوحدة الوطنية، وتبعث الأمل لدى المسيحيين للتشبث بأرضهم، وتعزيز الإخاء بين مختلف الأديان والمذاهب.
كما اعتبرت صحيفة (الخليج)، الصادرة أمس الخميس، تحت عنوان: “زيارة تاريخية للبابا”، أن تلك الزيارة تُعد صفحة ثانية من صفحات السلام والتعايش والمحبة والأخوة الإنسانية، بعد الصفحة التي كان فتحها في زيارته لـ”أبوظبي”، في شباط/فبراير عام 2019، حيث وقع: “وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك”، مع فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، الدكتور “أحمد الطيب”.
وأوضحت الصحيفة أن الزيارة، بهذا المعنى، زيارة تاريخية لـ”العراق”، لأنها الأولى لرأس الكنيسة الكاثوليكية إلى هذا البلد الضاربة جذوره في التاريخ والحضارة الإنسانية، والمهد الأول لتشكل الفكرة الدينية لدى الحضارات القديمة، حيث تحظى أرض “العراق” بمكانة رمزية في معتقدات أتباع الديانات السماوية كافة، من خلال الإعتقاد بأنها كانت مهدًا في الأساس لخلق آدم وحواء.
كذلك يُجمع أتباع الديانات الثلاث: “اليهودية والمسيحية والإسلامية”، على الإعتقاد بمولد النبي “إبراهيم”، في “سهل آور”، الذي يزوره البابا، حيث تحمل شخصيته صفة جامعة، باعتباره: “أب” الديانات السماوية على اختلافها.
وأوضحت أن الزيارة تاريخية لهذه الأسباب وغيرها، من بينها إصراره على الزيارة رغم تفشي وباء (كورونا)، فهي الأولى له خارج “الفاتيكان”، منذ ظهور الوباء، وكذلك رغم التفجيرين الانتحاريين في “ساحة الطيار”، بـ”بغداد”، في كانون ثان/يناير الماضي، وسقوط قتلى وحرجى، ورغم التظاهرات التي تجتاج العديد من المدن العراقية، والهجمات الصاروخية على مواقع أميركية.
انفتاح الكنيسة على الجميع دون استثناء..
وقالت إن الزيارة تاريخية أيضًا؛ بسبب برنامجها الحافل بالمعاني الرمزية، إذ يزور مدينة “النجف” في اليوم الثاني، ويلتقي المرجع، آية الله “علي السيستاني”، امتدادًا للقائه شيخ الأزهر، وكأنه يُريد أن يبعث برسالة إلى كل المسلمين، بأن الكنيسة منفتحة على الجميع دون استثناء، عنوانها: “إننا جميعًا أخوة”.
وقالت (الخليج) في الختام: البابا، ابن كنيسة أميركا الجنوبية، حاملة لواء التحرير في تلك القارة، أراد منذ توليه منصبه، عام 2013، أن يكون بابا التغيير، معبرًا عن صوت الفقراء والمحرومين والمتعبين، حاملاً رسالة المحبة والسلام بين بني البشر على مختلف أديانهم وألوانهم وإثنياتهم وأفكارهم. وهو بزيارته إلى “العراق” يثبت أنه رسول محبة، ورفيق المهمشين والفقراء، ويقدم رسالة إحتضان إلى كل الشعوب الجريحة التي عانت الحروب والتشريد والبطش والانقسامات والاحتلال والإرهاب.
قد يحرم المئات من مسيحيي العراق من رؤية البابا..
وفضلت صحيفة (لاكروا) نقل الأجواء، التي ترافق استعداد العراقيين لاستقبال “بابا الفاتيكان”، اليوم الجمعة، رغم الوباء والظروف الأمنية في “العراق”.
وأشارت في تقريرها؛ إلى أهمية هذه الزيارة بالنسبة لمسيحيي “العراق”، الذين عانوا كثيرًا من الإرهاب والتهميش في السنوات الأخيرة، وتضيف (لاكروا) أن هذه الزيارة تأتي في ظروف خاصة جدًا ستُحرم المئات من مسيحيي “العراق” من رؤية البابا “فرنسيس”.
وفي هذا السياق؛ التقت مراسلة الصحيفة بعدد من المسيحيين في “بغداد” و”إربيل” وغيرها من المدن العراقية، أصروا على التنقل لرؤية “بابا الفاتيكان”؛ رغم الأزمة الصحية، كما أكدت الصحيفة أن السلطات العراقية قامت بتأمين عدد كبير من أحياء العاصمة، “بغداد”، تجنبًا لأي حادث أمني ضد البابا أو المواطنين، مفيدة أن جهاز مكافحة الإرهاب العراقي، أي القوات الخاصة العراقية، هو الذي سيكفل الأمن في “بغداد” و”النجف”.
أما في “كُردستان العراق”، فإن قوات النخبة في هذه المحافظة هي من تقوم بتأمين وحماية “البابا فرنسيس” بالتعاون مع قوات “درك الفاتيكان” والحرس السويسري.
يحمل الرجاء والحوار وإعادة البناء..
كما تحدثت صحيفة (الصباح) العراقية، عن تأكيد نائب سفير بعثة الاتحاد الأوروبي، “جون بيرنارد بولفان”، أن زيارة بابا الفاتيكان، “البابا فرنسيس”، علامة تاريخية فارقة لـ”العراق” والعراقيين من كل الأديان وغيرهم، وأنها تحمل رسالة أمل في مستقبل أفضل للبلاد والمنطقة، وهي مناسبة لكل مواطن عراقي ليشعر بالفخر بعراق يرحب بجميع الأديان ويهدف إلى تعزيز التنوع.
وقال “بولفان”، إن “العراق” بلد متعدد الهويات، و”الاتحاد الأوروبي” لا يقوم بأي نشاط فعلي محدد في سياق زيارة البابا، إلا أنه نشط في مجال حقوق الإنسان ودعم الأقليات؛ من خلال العديد من المشاريع التي تساعد في بناء المشاركة المدنية والتماسك المجتمعي في جميع أنحاء “العراق”، بما في ذلك عبر الحوار بين الأديان.
وذكرت الصحيفة، ما أكده أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان، الكاردينال “بييترو بارولين”، أن “البابا فرنسيس” سيحمل إلى “العراق”، الرجاء والحوار وإعادة البناء، موضحًا أن “العراق” ينتظر “بابا الفاتيكان”؛ الذي يستأنف السفر ويختار أن يحمل التعزية لشعب عانى في السنوات الأخيرة بسبب الإضطهاد والحرب والعنف الذي إرتكبه (داعش)، ولكي يواصل أيضًا بناء طريق الأخوة وجسر الحوار الكبير.
أهمية كبرى للسلم والتسامح..
وتعليقًا على هذا الموضوع؛ قال محافظ النجف، “لؤي الياسري”، لموقع (سبوتنيك)؛ إن: “البابا سيقوم بزيارة النجف الأشرف، وسيلتقي بالمرجع الديني، أية الله السيد علي السيستاني، وهذا اللقاء بين قامتين كبيرتين يمثل أهمية كبرى للسلم والتسامح”، مضيفًا أن: “هناك استعدادات كبيرة على المستوى الأمني والخدمي والإعلامي، كما سيكون هناك استقبال كبير رسمي في مطار النجف”.
من جانبها؛ قالت المتحدثة باسم رئيس الحزب الديمقراطي الكُردستاني، “فيان دخيل”: “إن العراق كله على أهبة الاستعداد لاستقبال البابا فرنسيس”، مؤكدة أن: “زيارة البابا، في هذا التوقيت، مهمة وتعطي رسائل كبيرة للعالم والشعب العراقي حول أهمية العراق والمنطقة”، مشيرة إلى أن: “زيارة البابا لكُردستان يعطي دلالة على أن الإقليم يتمتع بخصوصية دولية، وكان دائمًا الملاذ الآمن للأقليات، وقد تحفز هذه الزيارة بعض المنظمات الدولية الكبيرة من أجل مساعدة النازحين للعودة”.
حضور ملف الأقليات والترويج للسياحة..
وفي حديثه لـ (سبوتنيك)، قال “إسماعيل الحديدي”، مستشار رئيس الجمهورية العراقي: “إن هناك تنظيمًا عالي المستوى استعدادًا لزيارة البابا، وهناك مشاركة من كل مكونات العراق الدينية والسياسية والاجتماعية، مثمنًا إصرار البابا على زيارة العراق، رغم كل الظروف، خاصة الصحية، مؤكدًا أن جائحة (كورونا) لن تؤثر على الزيارة ولا الإشكاليات الموجودة في الناصرية”.
ولفت “الحديدي” إلى أن: “ملف الأقليات سيكون حاضرًا، خلال زيارة البابا، الأمر الذي سيؤدي للمزيد من التعايش السلمي واحترام الأديان”، مضيفًا أن هذه الزيارة ستنبه العالم لأهمية “العراق” وضرورة إعادة إعماره.
وقال مدير المتحف البغدادي سابقا والخبير السياحي، “جاسم سدخان”: “زيارة البابا تساعد على الترويج للسياحة الخارجية والداخلية، فالعراق زاخر بآثاره وحضارته العريقة واستقرار الوضع الأمني وإلقاء الضوء على هذه الأماكن، من خلال زيارة البابا، سيجذب أنظار العالم لها”.
تأكيد على وجود العراق في دائرة اهتمام المجتمع الدولي..
واعتبر الكاتب والمحلل السياسي، “علي البيدر”، في حديث لـ (الجزيرة نت)؛ أن الزيارة تحمل الصفة المعنوية في شكلها، ولها أيضًا دلالات كبيرة تتمثل في اهتمام شخصية عالمية بارزة، مثل “بابا الفاتيكان”، بالعراق، حيث تُعد أول زيارة تاريخية له إلى البلد، بعد زيارة سابقة، لم تر النور، كان يخطط “البابا يوحنا بولس الثاني”، للقيام بها عام 2000، في حين لم يقم خلفه “البابا بنديكت السادس عشر” بأي مبادرة تجاه “بغداد”.
وأشار “البيدر” إلى أن هذا الاهتمام يؤكد أن “العراق” في دائرة اهتمام المجتمع الدولي، كما أن أهم أهداف الزيارة تتمثل في مطالبة جميع الفاعلين في المشهد العراقي بضرورة الحفاظ على ما تبقى من المسيحيين بـ”العراق”، الذين تعرضوا لأبشع أنواع القهر والإضطهاد بسبب الصراعات التي تشهدها البلاد، مما أدى إلى هجرة أغلبهم.
رسائل إطمئنان للمكون المسيحي..
وزاد “البيدر” أن الزيارة، في حد ذاتها؛ تحمل رسائل إطمئنان إلى المكون المسيحي في “العراق”، وأنه محط اهتمام الكنيسة العالمية والحبر الأعظم، وأنهم يسعون لتحقيق سُبل الاستقرار للمناطق التي يقطنها المسيحيون، بعد الأضرار التي لحقت بهم على مستوى الأفراد والمجتمع، حيث تراجع أعداد المسيحيين، بعد عام 2003، إلى أكثر من ثلثي عددهم، الذي كان يقترب من مليوني مواطن عراقي، ولم تهتم الحكومات المتعاقبة بمعاناتهم من خلال تعويضهم.
العقلية السياسية غير مؤهلة لاستثمار هذه الزيارة..
ووصف “البيدر”، الاهتمام والاستعداد الحكومي والشعبي لهذه الزيارة؛ بأنه لم يرق إلى مستوى الحدث التاريخي؛ كون هناك أصوات متطرفة تتحفظ على هذه الخطوة، ولم يتم الرد عليها بشكل رسمي ولجمها، والبرنامج المُعد لها فقير جدًّا، ولم يتم التحشيد الكبير لها عبر استقطاب شخصيات عالمية دينية مسلمة، من أجل استشعار الوفد البابوي بأن هناك اهتمامًا دينيًا إسلاميًا بـ”العراق”.
ويرى “البيدر”؛ أن العقلية السياسية العراقية الحالية غير مؤهلة لاستثمار هذه الزيارة على المستويين، السياسي والاقتصادي، عبر إيصال رسالة عميقة عن معاناة “العراق”، وجعل هذه الشخصية تسهم في حل جزء من مشاكل البلاد؛ بسبب عدم وجود وحدة في القرار السياسي للبلاد، نتيجة تباين المواقف من قبل الزعامات السياسية.